بعدما أحالت الحكومة على المجلس النيابي مشروع موازنة عام 2025، بهدف إصدارها بمرسوم سنداً إلى أحكام المادة 86 من الدستور اللبناني، طالب رئيس لجنة المال النيابية إبراهيم كنعان بضرورة مراجعة أرقامها من الحكومة. كنعان، بناءً على دراسة معمقة للأرقام، توصّل إلى نتيجة حاسمة بأنها “مشروع موازنة وهمية لمواجهة ظروف استثنائية ناجمة عن الحرب الإسرائيلية على لبنان وتأثيرها الكبير سواء على تحقق الواردات المقدرة وإمكانية تحصيلها من جهة، أو على تقدير النفقات الملحوظة كاعتمادات لمواجهة النفقات الطارئة والمستجدة من جهة ثانية، أو على تأمين مصادر الأموال اللازمة لتغطية كل الإنفاق الفعلي من جهة ثالثة وأخيرة”.
44.35% نسبة الزيادة في نفقات موازنة 2025 مقارنة مع موزانة 2024
فقد قدرت الحكومة واردات مشروع موازنة 2025 بقيمة 445.214 مليار ليرة، في مقابل إيرادات مقدرة بموجب قانون موازنة 2024 بقيمة 308.435 مليار ليرة، أي بزيادة قدرها 136.779 مليار ليرة ونسبتها 44,35%.
علماً بأن نسبة 90،86% من الزيادة المرتقبة تنحصر بالضريبة على الدخل والأرباح ورؤوس الأموال: 21.650 مليار ليرة، الرسوم الداخلية على السلع والخدمات: 62.135 مليار ليرة، الرسوم على التجارة والمبادلات الدولية: 40.491 مليار ليرة، بمجموع 124.276 مليار ليرة.
ووفق كنعان فإن تحقق هذه العناصر وتحصيلها هما الأكثر تأثراً بالحرب الإسرائيلية على لبنان، لا سيما في ضوء الحصار الفعلي المفروض على البلاد، والنزوح السكاني، وتوقف عدد كبير من المؤسسات عن العمل كلياً أو جزئياً، علماً بأن المقارنة مع المبالغ المحصلة فعلياً تعود إلى تلك المحصلة خلال عام 2021، وهي لا يمكن أن تعطي صورة حقيقية عن واقع التحصيل.
ويؤكد كنعان أن تقدير الواردات في مشروع موازنة 2025 يفتقر إلى الواقعية، إذ قُدّرت النفقات بقيمة 445.214 مليار ليرة، في مقابل نفقات في موازنة 2024 بقيمة 308.435 ملياراً، أي بزيادة قدرها 136.779 مليار ليرة ونسبتها 44.35%.
علماً بأن نسبة 79.5% من الزيادة المقدرة على اعتمادات مشروع الموازنة تتركز في أوجه الإنفاق الآتية: الرواتب والأجور وملحقاتها (التعويضات الإضافية خصوصاً) 50.612 مليار ليرة، التحويلات (الرواتب وملحقاتها خصوصاً): 22.337 مليار ليرة، منافع اجتماعية:18.911 مليار ليرة، النفقات المالية (خدمة الدين): 16.837 مليار ليرة، بما مجموعه 108.697 مليار ليرة. أما نسبة 17.2% من الزيادة في أوجه الإنفاق فتتركز بالاحتياطيات 6.950 مليار ليرة، والإنشاءات 6.663 مليار ليرة، والصيانة 9.850 مليار ليرة، بمجموع 23.463 مليار ليرة.
وعلى أهمية زيادة اعتمادات أوجه الإنفاق الأربعة، لارتباطها بتحسين أوضاع العاملين في القطاع العام المادية بمنحهم مساعدات إضافية في ضوء عدم إمكانية وضع سلسلة رتب ورواتب جديدة تأخذ في الاعتبار التدني الكبير في القدرة الشرائية للرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية من جراء انحفاض قيمة العملة اللبنانية بيد أن هذه الزيادة ربما كانت على حساب نفقات أخرى بذات الأهمية، إن لم يكن أكثر، ولا سيما لتغطية متطلبات مواجهة الحرب الإسرائيلية.
أما الاعتماد الملحوظ كمساهمة للهيئة العليا للإغاثة للنفقات الجارية والبالغ نحو 6 مليارات ليرة فلم تلحق به أي زيادة، فيما الاعتماد الملحوظ كمساهمة للدفاع المدني للنفقات الجارية بنحو 60 مليار ليرة لم تلحق به أي زيادة.
من هنا، يجزم كنعان بأن تقدير النفقات في مشروع موازنة 2025، وتخصيص الاعتمادات، يفتقر إلى الواقعية أيضاً ويقتضي إعادة النظر فيه على الأقل ليصبح منسجماً مع متطلبات مواجهة الآثار المتمادية للحرب الإسرائيلية على لبنان، وتلبية الحاجات الفعلية المترتبة على ذلك من أمن وطبابة واستشفاء وإغاثة وإيواء وسواها… ويؤكد أهمية طرح مسألة تأمين التمويل اللازم لتغطية الاعتمادات الملحوظة في مشروع الموازنة على الأقل، وتالياً تغطية النفقات الطارئة والمستجدة الناجمة عن مواجهة متطلبات الحرب، وذلك في ضوء عدم قدرة الحكومة على الاستدانة لا من الداخل ولا من الخارج. فعلى الصعيد الداخلي، تبدو الاستدانة مستحيلة، إذ إن المصارف غير راغبة وحتى غير قادرة على الاكتتاب بسندات خزينة جديدة، ومصرف لبنان أعلن أنه غير راغب في ذلك، ما لم يصدر قانون لهذه الغاية كما تقضي أحكام المادة 88 من الدستور. كذلك أصبحت الاستدانة من الخارج متعذرة أيضاً منذ أعلنت الحكومة عملياً إفلاس الدولة بتخلفها عن تسديد استحقاق سندات اليوروبوند وفوائدها في آذار 2020.
وفيما قد يقترح البعض التمويل عن طريق سلفات الخزينة، كما درجت الحكومات المتعاقبة، ومنها الحكومة الحالية، بيد أن كنعان يعرف سلفات الخزينة بأنها “إمدادات تعطى من موجوداتها” كما نصّت أحكام المادة 203 من قانون المحاسبة العمومية، وهذا يفترض على الأقل توفر موجودات في حساب الخزينة المفتوح لدى مصرف لبنان، وإلّا فإنها تكون شبيهة بالشيك من دون رصيد”.
ويخلص كنعان إلى القول، إن مشروع موازنة 2025 تسبّب بأزمة بنيوية ناجمة عن تجاهل الحكومة للحقائق الآتية: عدم واقعية تقدير الواردات، وتالياً عدم إمكانية تحصيلها، عدم واقعية لحظ الاعتمادات بتغييب نفقات طارئة وضرورية استدعتها مواجهة آثار الحرب الإسرائيلية على لبنان، تعذر تأمين التمويل اللازم لتغطية النفقات العادية والطارئة على السواء، وحتى تعذر عملية اللجوء إلى سلفات الخزينة، بما يستوجب على الحكومة استعادتها وتضافر الجهود لإيجاد الحلول الناجعة المتعلقة بأرقامها واعتماداتها، وإعادتها إلى المجلس النيابي، وفقاً “لواقع الحال والأولويات الجديدة التي فرضتها الحرب المدمّرة الدائرة”.