Uncategorized

الصراعات الإقليمية تكشف عن غياب قدرة واضحة لدى الأطراف الضعيفة على قراءة المعادلات السياسية

كتب امين عام حركة  فلسطين حرة رجل الأعمال ياسر قشلق  الصراعات الإقليمية الحالية تكشف عن غياب قدرة واضحة لدى الأطراف الضعيفة على قراءة المعادلات السياسية والاستراتيجية الكبرى. الولايات المتحدة وإيران والكيان الصهيوني، جميعهم يتحركون في فضاء مليء بالوهم، حيث تبدو الاتفاقيات المعلنة مجرد ستار يخفي نوايا وأهدافًا أعمق. الاتفاق بين الكيان الصهيوني ودول المحور لوقف الحرب المتوقف بسبب احد البنود التي تصرح ب حرية الحركة للكيان، هو مثال صارخ على هذه الخديعة. إسرائيل، التي تضرب في سوريا والعراق ولبنان واليمن وفلسطين دون رادع، لا تحتاج فعليًا إلى إذن أو اتفاق لتتحرك، بل تفعل ما تريد سواء وُجد اتفاق أم لا. هذا الواقع يطرح تساؤلات جادة حول جدوى التفاوض أو فرض شروط على كيان لا يعترف أصلًا بالقوانين الدولية ولا يحترمها.

 

إسرائيل تجاوزت كل الخطوط الحمراء الدبلوماسية حين ألقت جانبًا اتفاقات مثل أوسلو ووادي عربة واتفاقيات السلام الأخرى،وقرارات الامم المتحدة و مجلس الامن وأعلنت القدس عاصمة لها، وها هي تتجه نحو ضم الضفة الغربية في تحدٍّ صارخ للقرارات الدولية. في ظل هذه التحولات، يصبح الحديث عن فرض شروط أو تحقيق توازنات مجرد وهم. نحن اليوم في مشهد دولي تتحكم فيه إسرائيل بشروطها الخاصة، مستندة إلى دعم أمريكي ثابت وصمت دولي مطبق. حتى الإدارة الأمريكية تبدو متخبطة وخاصة بعد اجتماع بايدن بترامب و اخبره بضرورة الضغط على نتنياهو من أجل إيقاف إطلاق النار 60 يوم في لبنان أو الإفراج عن الرهائن لدى حماس

 

المعضلة الكبرى ليست فقط في كيفية إنهاء هذه الحروب المتشابكة، بل في كيفية الخروج من قاعدتين باتتا تحكمان المشهد الإقليمي: الأولى هي قاعدة حرب 2006 التي كرّست معادلة التفاوض تحت النار، والثانية هي القاعدة الإيرانية التي تضع التصعيد كوسيلة لكسب أوراق تفاوضية. في المقابل، إسرائيل تستمر في قصف الأهداف العسكرية في سوريا والعراق وفلسطين واليمن وايران بدعوى القضاء على حركات المقاومة، بينما الولايات المتحدة تراهن على انهيار النظام الإيراني من الداخل، مدفوعة بأحلام ثورة داخلية تُعيد إيران إلى بيت الطاعة الدولي.

 

التحولات السياسية في أمريكا أضافت طبقة جديدة من التعقيد إلى هذا المشهد. ترامب 2024 يختلف جذريًا عن ترامب 2016، إذ إن عودته تأتي كنتيجة لما يمكن وصفه بثورة على نظريات أوباما، التي كانت ترتكز على اللعب على الوتر الطائفي والمذهبي بين المسلمين والمسيحيين. ترامب لا يسعى إلى السلام بمعناه التقليدي، بل يريد فرض رؤيته للسلام من خلال القوة الاقتصادية والتهديد العسكري غير المباشر. الهدف الأساسي بالنسبة له هو تقليل تدخل القوات الأمريكية المباشر في الحروب الإقليمية، مع تعزيز النفوذ من خلال صفقات وتحالفات تخدم مصالح أمريكا أولًا.دون جرح جندي امريكي واحد

 

ربما يأتي الحديث عن وقف إطلاق النار كخطوة ضرورية في الوقت الراهن، ليس فقط لتقليل الخسائر البشرية والمادية، ولكن أيضًا لكبح جماح السياسات الإسرائيلية التي تهدد بامتداد الصراع إلى دول أخرى. ومع ذلك، فإن وقف إطلاق النار لن يكون حلًا دائمًا، بل مجرد استراحة مؤقتة في معركة أكبر. المخطط الإسرائيلي لا يقتصر على السيطرة العسكرية، بل يمتد إلى استغلال الانقسامات الداخلية في دول مثل لبنان، التي تعيش بالفعل في ظل حرب أهلية غير معلنة.

 

الواقع المؤلم هو أننا اليوم أمام دول أصبحت أشباه دول، تقف عاجزة أمام كيان صهيوني نجح في استغلال التاريخ والجغرافيا لتحقيق هيمنته. هذا الوضع لم يكن ليحدث لولا الحروب العبثية التي خاضتها دول المنطقة نيابة عن قوى خارجية، سواء كانت الولايات المتحدة أو إيران أو إسرائيل. النتيجة الطبيعية لهذا المسار هي ما نراه اليوم: شعوب منهكة، دول مفككة، وصراع لا يبدو أنه سينتهي قريبًا. لكن الأسوأ من كل ذلك هو الشعور بالعجز الجماعي، والوقوف عراة أمام مشهد دولي لا يعترف إلا بمن يمتلك القوة والوعي السياسي لتحقيق مصالحه.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى