بدفق كبير من التفاؤل، أغرق الإسرائيليون الأجواء السياسية والديبلوماسية حول اقتراب الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع حزب الله. تسريبات كثيرة حول موافقة نتنياهو على الاتفاق المقترح، وإمكانية توقيعه قبل نهاية الأسبوع. ولكن في موازاة هذا الكم الكبير من التفاؤل، أبرز الإسرائيليون الكثير من التناقض، خصوصاً بما يتعلق بتمسكهم بحرية العمل العسكري في حال خرق حزب الله الاتفاق، وعمل على تعزيز بنيته التحتية وقدراته العسكرية. علماً أن محاولات معالجة هذه الصيغة كانت تتركز بينهم وبين الأميركيين من خلال اعتماد مبدأ “الضمانة الأميركية” في عدم استعادة حزب الله لقوته، وأن لجنة المراقبة هي التي تتولى التدخل بدلاً من إسرائيل. من التناقضات في الأجواء المسرّبة أيضاً، هو رفض إسرائيل لمشاركة فرنسا، وبعدها إعلان الموافقة على مشاركتها، بحسب المعلومات، بعد تدخل أميركي سعياً وراء ترتيب العلاقة بين نتنياهو وماكرون. علماً أن نتنياهو كان يرفض أي مشاركة لفرنسا ليس في لجنة الرقابة فقط، بل أيضاً في إشراكها بالمفاوضات وعدم التواصل معها من قبل هوكشتاين.
شروط الهدنة
كل الأجواء السلبية انقلبت فجأة إسرائيلياً، ولكن مع التمسك بالشروط نفسها حول:
– وقف إطلاق النار.
– انسحاب حزب الله من جنوب نهر الليطاني مع أسلحته الثقيلة.
– دخول الجيش اللبناني إلى الجنوب وتوسيع انتشاره.
– انسحاب الجيش الإسرائيلي خلال فترة ستين يوماً من الجنوب وعلى مراحل.
– تأكيد إسرائيل حصولها على تعهد أميركي بحرية الحركة العسكرية بعد وقف النار، في حال بروز أي تهديدات من قبل حزب الله.
– ضمانة أميركية لإسرائيل لأن تعمل لجنة المراقبة على منع حزب الله من إعادة التسلح، وعدم بناء بنيته التحتية مجدداً.
– تتشكل لجنة مراقبة لآليات تطبيق اتفاق وقف النار تضم الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، لبنان، إسرائيل، والأمم المتحدة.
التريث اللبناني
تبلّغ لبنان بكل هذه الأجواء الإيجابية. ولدى سؤال المسؤولين اللبنانيين عن سبب تأخير إعلان الاتفاق، جاء الجواب أن نتنياهو وافق على الاتفاق ولكنه يحتاج إلى بعض الوقت لإقناع وزراء حكومته بالأمر، خصوصاً اليمينيين المتطرفين داخل الحكومة الذين يرفضون وقف النار ويعتبرون أن الفرصة مؤاتية لـ”اجتثاث حزب الله” وفق تعبير وزير الأمن القومي ايتامار بن غفير.
أمام هذا الجواب، بقي لبنان على تريثه في عدم الإفراط بالتفاؤل، خوفاً من أن يكون هناك فخ جديد ينصبه نتنياهو. لكن وفق ما تقول مصادر لبنانية فإن كل الأجواء التي يتبلغها لبنان من الأميركيين إيجابية، وأن هوكشتاين بدا وكأنه يتحدث بثقة تامة حول إنجاز الاتفاق. وأن إعلانه سيكون خلال ساعات. وتضيف المعلومات أن لبنان تبلغ أن الحكومة الإسرائيلية ستقر اليوم الثلاثاء الموافقة على وقف إطلاق النار، وتعلن ذلك، ليتم إعلان الاتفاق رسمياً من قبل الولايات المتحدة وفرنسا ولبنان بعد الإعلان الإسرائيلي يوم الثلاثاء أو الأربعاء.
حسابات إسرائيل
نقاشات كثيرة تدور حول الأسباب التي دفعت تل أبيب إلى الموافقة على وقف النار، إن حصل، فالبعض يعتبر أن الضغوط الأميركية بلغت مستوى كبيراً جداً، ولن تتمكن إسرائيل من مواجهتها. كما أن نتنياهو أصبح مضغوطاً بفعل قرار المحكمة الجنائية الدولية، وهو يحتاج إلى دعم أميركي، وسط تهديدات باتخاذ إجراءات أميركية بحجب المساعدات والأسلحة عن تل أبيب. كما أن توصيات المؤسسة العسكرية بإبرام الصفقة لها تأثيرها لوقف الحرب، بالإضافة إلى تصعيد حزب الله لعملياته واستهداف العمق الإسرائيلي، وخصوصاً تل أبيب، أكثر من مرة والذي شكل عنصراً ضاغطاً لا يسمح لحكومة نتنياهو أن تتحمّل هذه المشاهد بشكل يومي.
في المقابل، فإن معارضي وقف النار يعتبرون أن أي صفقة أو اتفاق بعد العمليات التي نفذها حزب الله بشكل واسع يوم الأحد، ستظهر إسرائيل وكأنها انهزمت ولم تحقق أياً من أهدافها، لا في إضعاف حزب الله، ولا في إبعاده عن الحدود، ولا في إعادة سكان المستوطنات. وأن الحزب أجبر إسرائيل على وقف النار على الرغم من كل الضربات التي تلقاها وخسارته للكثير من قادته العسكريين والأمنيين وأمينه العام.
أفخاخ وشروط
نقاشات أخرى تشير إلى أن الإسرائيليين لديهم بنك أهداف عسكري كبير، ولكنهم لا يريدون تحقيقه عسكرياً، نظراً لحجم الخسائر وتفادياً لإطالة الحرب من أجل التفرغ لملفات أخرى في غزة والضفة الغربية. ولذا، هناك من يقنعهم بقبول المعالجات السياسية والديبلوماسية. بمعنى السعي إلى تحقيق الأمن بالوسائل السياسية والديبلوماسية بدلاً من استمرار الحرب ومواصلتها. لذلك يحاول الإسرائيليون وضع كل شروطهم في محاولة لتحصيلها، وذلك من خلال الإصرار على الاحتفاظ باتفاق جانبي مع الولايات المتحدة الأميركية حول حرية العمل العسكري في لبنان لاحقاً، وحول الضمانات بعدم تسليح حزب الله. وهذه التفاصيل التي جرى بحثها مع الأميركيين، وخصوصاً في اللقاءات التي عقدها مسؤولون أميركيون في إسرائيل مثل مساعد وزير الخارجية الأميركي دان شابيرو أو قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي مايكل كوريلا. إذ تركزت المباحثات حول كيفية منع حزب الله من إعادة التسلح وإعادة بناء قدراته العسكرية وبناه التحتية، ووضع آليات لضرب أي شحنات أسلحة سيعمل الحزب على إدخالها إلى لبنان.
مطبات وعراقيل
لا يقول نتنياهو، أو الحكومة الإسرائيلية، إنهما يرفضان الاتفاق. لا، بل تسعى إسرائيل إلى تحقيق شروطها من خلاله. إذ يحاول نتنياهو نصب أفخاخ أمام لبنان كدولة أو كحزب الله. فأولاً تأتي هذه الشروط التي يضعها الإسرائيليون على وقع التصعيد العسكري الكبير في مختلف المناطق. وثانياً، تبرز التهديدات باستهداف الدولة اللبنانية وبناها التحتية ومرافقها العامة، من خلال اتهام الدولة بأنها تمنح حزب الله الفرصة لمواصلة القتال ضد إسرائيل. وعليه، فما يريده الإسرائيليون هو الضغط على حزب الله من خلال الدولة اللبنانية للقبول. أو وضعه في مواجهة الدولة، أو الوصول إلى مكان توافق فيه الدولة اللبنانية على الاتفاق بينما يرفضه حزب الله، وبذلك يتكرس شرخ كبير بين الحكومة من جهة، وحزب الله من جهة أخرى، مع ما سيعنيه ذلك من مشاكل داخلية ستتفجر سياسياً وأمنياً واجتماعياً ومالياً. فتكون إسرائيل قد عملت على إشغال حزب الله في صراع داخلي.
لا يمكن إغفال الكثير من المطبات التي قد تعترض طريق وقف النار خلال فترة الستين يوماً، خصوصاً في ظل سعي نتنياهو لإحراج لبنان والدولة، إذ بحسب المعلومات فإن كل الديبلوماسيين تبلغوا بالأجواء الإيجابية من قبل الإسرائيليين، كما أن النقاشات مع الأميركيين قد وصلت إلى تفاصيل التفاصيل، حول وضع مدة للانسحاب من الجنوب، وتقسيم المناطق التي سيتم الانسحاب منها. حيث ستبدأ القوات الإسرائيلية بالانسحاب من القطاع الغربي، بعدها من القطاع الأوسط وفيما بعد من القطاع الشرقي، على أن يتقدم الجيش اللبناني إثر انسحاب الإسرائيليين من كل منطقة.
آليات التنفيذ
تتمسك إسرائيل بأن يحصل الانسحاب بعد ستين يوماً، فيما هناك محاولات أميركية لإقناع تل أبيب بالانسحاب خلال عشرين يوماً، أو البدء التدريجي في عمليات الانسحاب من الأيام الاولى لوقف النار حتى مدة الشهرين.
هناك أفخاخ أخرى يضعها الإسرائيليون في تفاصيل الاتفاق وآليات التنفيذ، فهم يريدون:
– خلق منطقة خالية من السكان وليس فقط من حزب الله في الجنوب.
– تأجيل الانسحاب الإسرائيلي من قرى الشريط الحدودي، لا سيما القرى التي تعرّضت لعمليات تفخيخ وتفجير ومسح.
– برزت عقدة إسرائيلية من خلال طرح إعادة ترسيم الحدود وعدم اعتماد الحدود الدولية وحتى عدم الاعتراف بالخط الأزرق بل محاولة فرض واقع حدودي جديد.
– تطالب إسرائيل بآلية رقابة على السكان الذين سيعودون، للتفريق بين من هم منتمون إلى حزب الله ومن هم مدنيون عاديون.
– شروط تتصل بآليات إزالة أسلحة وصواريخ حزب الله، وتسليمها للجنة المراقبة بقيادة الأميركيين بشكل واضح وعدم تكرار تجربة العام 2006.
– تأجيل إسرائيل البحث في التثبيت النهائي لعملية ترسيم الحدود، وتأجيل البت بمصير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
عملياً، تعلن إسرائيل موافقتها على الاتفاق، ولكن الأساس يبقى لجهة الشروط التي تضعها إما كعناوين عامة أو في الجوانب التفصيلية، التي يمكنها تفخيخ وتفجير الاتفاق. ما يستند عليه الإسرائيليون في ذلك هو القناعة الدولية التي تشكلت حول عدم تطبيق القرار 1701 كما يجب، بسبب وجود صيغ غامضة وملتبسة له. اليوم، لا تريد إسرائيل الوصول إلى صيغة تحمل الالتباس وغير واضحة المعالم والآليات التطبيقية بشكل منصوص عنه بوضوح. لذلك هي تتشدد في الشروط التي تضعها حول آليات العمل، ودور لجنة المراقبة، والضمانات المطلوبة من الأميركيين ودور الدولة اللبنانية.