تتسارع الأحداث والتطورات في سوريا، وتتزاحم معها استنتاجات وتحليلات كثيرة حول مآلات الوضع. توقعات بسقوط النظام قريباً، ومباحثات حول مرحلة ما بعد سقوطه. في المقابل، توقعات أخرى بان تطول المعركة على الرغم من كل الانسحابات التي يجريها الجيش السوري من مراكز المحافظات والمدن الكبرى وسط غياب واضح لإرادة القتال، وقد يكون ذلك مرتبطاً في التمركز على حدود دمشق والساحل لحمايتهما. توقعات ثالثة أكثر تشاؤمية وسوداوية تعبّر عن المخاوف على وحدة سوريا، في ضوء الصراعات الكبرى التي تأخذ أبعاداً عرقية أو قومية أو طائفية أو مذهبية، مع الإشارة إلى أهمية موقف قوى المعارضة في الحرص على وحدة سوريا، وأن سوريا لكل السوريين.
“من يأمن عليه أن يخاف”
لا يمكن الاستعجال بالاستنتاج، ولا يجب الإفراط بالتفاؤل، لأن “من يأمن عليه أن يخاف”. مما لا شك فيه أن معركة حمص ستكون هي المفصل الأساسي والتحول الإستراتيجي، ففي حال انسحبت منها قوات الجيش السوري وسيطرت عليها المعارضة كما جرى في المحافظات السابقة، سينتقل الاهتمام الأساسي إلى دمشق وريفها. بعض المؤشرات تفيد بأن النظام وحلفاءه، وخصوصاً إيران وحزب الله، لا يريدون التسليم بسقوط حمص، والتي قد يتحضرون لمعارك كبرى فيها، وسط معلومات تتحدث عن توجه قوات من الحزب إلى تلك المنطقة نظراً لرمزيتها الاستراتيجية ولقربها من الحدود اللبنانية، وباعتبارها المرتكز الأساسي لسوريا المفيدة ولخط الإمداد.
ما تريده إيران وحزب الله هو صدّ هجوم قوى المعارضة في حمص، وفرض موازين قوى للدخول في آلية تفاوض، اختصرها وزير خارجية إيران بثلاثة احتمالات، إما حرب أهلية طويلة، وإما تفاوض يقود إلى تسوية، وإما سيطرة كاملة لقوى المعارضة. في الاحتمالات الثلاثة هناك تسليم إيراني بانعدام القدرة على السيطرة الكاملة على سوريا المفيدة. في حالة سقوط حمص وانتقال المعركة إلى دمشق، ستكون الجبهة هناك أعنف كمحاولة لمنع النظام من السقوط، وأيضاً فرض آلية تفاوضية، تتداخل فيها عناصر إقليمية ودولية، حينها سيكون الخيار الوحيد للنظام إذا كان متاحاً، هو التسليم بالشروط الدولية والتزام إنهاء النفوذ الإيراني في سوريا، وهو ما لن تقبل به طهران.
السيناريو السوداوي
في حال أصر النظام وإيران على عدم تقديم أي تنازلات جدية، فإن الحرب ستتجدد بقوة، وحينها ستكون سوريا مفتوحة على احتمالات سلبية وسودواية، خصوصاً أنه سيتم تكريس “تقسيم” مناطق النفوذ، لا سيما في ظل توسع “الاكراد” في الشمال والشرق، على أن يسعى الإيرانيون للاحتفاظ بنقاط أساسية في دمشق وحمص وامتداداً نحو الساحل، على أن تكون قوى المعارضة مسيطرة على حماه، إدلب وحلب، فيما الجنوب السوري سيكون ذات تأثير أردني أو إسرائيلي، بالإضافة إلى حالة السويداء. هذا النموذج يذكر بنموذج الجنرال غورو مع دخول الانتداب الفرنسي إلى سوريا، وهو ما رفضه السوريون يومها، وهناك تأكيدات على رفضه حالياً بالاستناد إلى مواقف واضحة تطلقها قوى المعارضة.
لا يمكن إغفال المخاوف مما قد يعمل على حياكته الإسرائيليون في الاستثمار بكل هذه التناقضات السورية، لتغذية منطق الإنقسام والتقسيم. وتجدر العودة إلى كلام وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر الذي تحدث قبل فترة عن تعزيز “تحالفات الأقليات” وتعزيز علاقة إسرائيل مع الأكراد والدروز، وهو مشروع إسرائيلي قديم جديد يهدف إلى تفتيت المنطقة وخلق دويلات طائفية ومذهبية، وهو ما يستوجب التعاطي معه بمسؤولية ووعي.
وفي هذا السياق فإن النظام يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية بالإضافة إلى حلفائه وخصوصاً إيران، كي لا تتحول سوريا إلى ساحة صراع لتصفية كل القوى المقاتلة على أراضيها وما سيتأسس عنه من فرز تقسيمي. حزب الله أيضاً أمامه تحدّ أساسي وهو الذي خرج لتوه من حرب قاسية جداً مع إسرائيل، تفيد التقارير الإسرائيلية بأن جزءاً كبيراً من حالة انكشافه أمنياً وعسكرياً كان تدخله في سوريا، ولا بد من الالتفات إلى أن دخول الحزب إلى ساحة القتال السورية ستحقق لإسرائيل أهدافاً كثيرة، أهمها الاستمرار في ضرب سوريا وإضعافها، وإنهاك الحزب وخسارته في حرب استنزاف جديدة لغالبية مقدراته.
وفي هذا السياق فإن النظام يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية بالإضافة إلى حلفائه وخصوصاً إيران، كي لا تتحول سوريا إلى ساحة صراع لتصفية كل القوى المقاتلة على أراضيها وما سيتأسس عنه من فرز تقسيمي. حزب الله أيضاً أمامه تحدّ أساسي وهو الذي خرج لتوه من حرب قاسية جداً مع إسرائيل، تفيد التقارير الإسرائيلية بأن جزءاً كبيراً من حالة انكشافه أمنياً وعسكرياً كان تدخله في سوريا، ولا بد من الالتفات إلى أن دخول الحزب إلى ساحة القتال السورية ستحقق لإسرائيل أهدافاً كثيرة، أهمها الاستمرار في ضرب سوريا وإضعافها، وإنهاك الحزب وخسارته في حرب استنزاف جديدة لغالبية مقدراته.
على هامش هذه النقاشات ووقع المعارك العسكرية، هناك نقاش من نوع آخر يجري على مستوى دولي وإقليمي، يشير إلى العمل على إنشاء مجلس عسكري يضم جهات مختلفة، يتسلم السلطة كمرحلة انتقالية بانتظار ترتيب الأوضاع السياسية وتنظيم إنتخابات لتشكيل سلطة مدنية. هذا أيضاً سيكون أمامه الكثير من التحديات، بما تحمله من انعكاسات وتداعيات على الواقع السوري وعلى دول الجوار.