مرحلة جديدة تدخلها منطقة الشرق الأوسط مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. لم يكف الرجل عن تكرار عبارة “صناعة السلام”، والتي يقصد بها استكمال مسار اتفاقات أبراهام، وفرضها على المزيد من الدول العربية مع إسرائيل، وتحقيق تحوّل في مواقف لبنان وسوريا بالارتكاز إلى كل التطورات التي حصلت منذ الحرب على غزّة ومتفرعاتها. يريد دونالد ترامب إعادة إحياء مفهوم “أميركا العظمى” أو “الأعظم” وهو يدخل في استراتيجيته أو سياسته باعتبار أن منطقة الشرق الأوسط ستكون منطقة نفوذ أميركي بشكل صرف، وهذا النفوذ لا بد له أن يحقق “سلاماً” مستداماً لإسرائيل وليس لأي أحد غيرها. منذ فترة وفريق عمل ترامب لشؤون الشرق الأوسط بدأ العمل على تحضير الرؤية للمرحلة التالية للحرب، لا سيما أنه كان قد طالب منذ انتخاب بضرورة إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة وفي لبنان قبل دخوله إلى البيت الأبيض، ليطلق مساره للسلام وفق مفهومه.
مشروع ترامب
مفهوم ترامب للسلام، هو ربطه بالمعنى الاقتصادي، وليس له أي علاقة بحقوق الدول والشعوب ولا بالحقوق السياسية. فهو لا يعني السلام بالمفهوم القيمي أو الأخلاقي أو الحقوقي التي كانت الولايات المتحدة الأميركية تقدّم نفسها كراعية له، بل هو يمثّل انقلاباً على كل الثوابت الأميركية، فيرفض للسلام أن يكون مرتبطاً بحقوق الشعب، أو حق تقرير المصير، أو حقوق الإنسان، وحسن الجوار بين الدول. بالنسبة إليه السلام هو عنصر مسهّل أو مكمّل للصفقات وعالم البزنس ونظرته إليه من منظور اقتصادي صرف، والغاية هي إسكات الشعوب بالخدمات البسيطة وبحدودها الدنيا، في مقابل إبعادها عن الممارسة السياسية أو تحقيق أي تطلعات ذات بعد وطني.
من هنا بدأت ملامح مشروع ترامب لهذا “السلام” تتكشف، مع الإشارة إلى أن دوائر قراره تنظر إلى تعقيدات أساسية تتصل بالمسار السوري. إذ يعتبر المسؤولون الأميركيون في إدارته أن تحقيق مسار السلام مع سوريا هو مسألة معقدة في هذه المرحلة، ولا بد لها أن ننتنظر استتباب الأمر السياسي والأمني والعسكري في الداخل السوري لإعادة إطلاق مسار التفاوض مع إسرائيل، خصوصاً أن تل أبيب ترفض بشكل قاطع أي مفاوضات تتعلق بالجولان السوري، وأقصى ما تريده هو التفاوض على الانسحاب من المناطق التي دخلتها مؤخراً والعودة إلى اتفاقية فض الاشتباك في العام 1974 مقابل اتفاقات سياسية جديدة تنتقل بالعلاقات بين سوريا وإسرائيل إلى مستوى جديد.
فصل لبنان عن سوريا
إلى جانب سوريا، هناك مسار يُراد فتحه للبنان أيضاً، مع تأكيد أميركي حول الرغبة في فصل المسارين عن بعضهما البعض بخلاف ما كان عليه الوضع سابقاً حيث ارتبط البلدان بمعادلة وحدة المسار والمصير. وما يتردد لدى إدارة ترامب هو أنه لا بد من إطلاق مسار جديد لتسوية لبنانية من دون تأثير التعقيدات السورية عليها، ومن دون أي أثر لضغوط سورية لدفع لبنان إلى رفض التفاوض مع إسرائيل، طالما أن سوريا لم تدخل في هذه المفاوضات.
بحسب المعلومات، هناك مساران يضعهما فريق ترامب للتسوية التي يراد العمل عليها لبنانياً، المسار الأول هو عملية الترسيم البري وإنجازها تقنياً، وهي ستنطلق بعد تطبيق اتفاق وقف النار، وتجديد اجتماعات اللجنة الثلاثية في الناقورة لإنجاز النقاط العالقة، وسط معلومات عن وجود أساس واضح لهذا المسار، ويمكن إنجازه خلال فترة سنة تقريباً. وبعدها تبدأ المرحلة الثانية وهي ستكون مرتبطة بمسار فلسطيني. أي ربط ملف التفاوض اللبناني الإسرائيلي بالتفاوض حول إيجاد حلّ للقضية الفلسطينية وفق رؤية ترامب. وما يُراد لفلسطين، هو أن يتم إنتاج سلطة جديدة تبنى على ما سيحصل في قطاع غزة، للاتجاه نحو مسار يسميه ترامب “السلام”، من خلال تشكيل سلطة انتقالية تفاوض على كيان فلسطيني وليس دولة فلسطينية.
“مختبر” غزة
ستكون غزة وتجربتها ما بعد الحرب وإنتاج السلطة الجديدة فيها، هي المختبر الأساسي الذي لا بد له أن ينعكس على وضع الضفة الغربية وإعادة تشكيل سلطة فيها. وذلك بهدف حكم كيان “ما دون الدولة الفلسطينية وما فوق اتحاد البلديات”. أي كيان غير مكتمل الأركان لحكم ذاتي، ويكون بإشراف دولي، ولا يكون لديه سلاح أو مواطنة فعلية، وهو نموذج جديد، غريب وعجيب، ليس له مثيل في العالم. ما سيعمل عليه ترامب هو تعميم نموذج فلسطينيي القدس، مع إغراءات بالمعنى المعيشي-الاقتصادي لا السياسي. وفي حال نجح مشروع ترامب هذا، عندها يدخل لبنان في المرحلة الثانية لضمه إلى مسار التفاوض الفلسطيني، لإرساء نوع من السلام. علما أن كل التجارب السابقة لم تنجح. مع تقديم إجراءات خدماتية، والتشديد على رفض ربط المسار مع سوريا.
عملياً يشبه هذا المسار إنتاج مسار يشبه مسار وادي عربة، والذي واكب مؤتمر مدريد للسلام. الفلسطينيون لن يرضوا بذلك مطلقاً، أما لبنان فيمكن أن يدخل في المسار الأول وبعدها يمكنه أن ينسحب من المسار للثاني.
عملياً يشبه هذا المسار إنتاج مسار يشبه مسار وادي عربة، والذي واكب مؤتمر مدريد للسلام. الفلسطينيون لن يرضوا بذلك مطلقاً، أما لبنان فيمكن أن يدخل في المسار الأول وبعدها يمكنه أن ينسحب من المسار للثاني.