
فيما بدأ مصرف سوريا المركزي بالإفراج عن السيولة، من خلال السماح للمصارف بتداول القطع الأجنبي، يشكك مراقبون في فاعلية القرار الذي يستهدف عمليات بيع القطع الأجنبي لمختلف الأغراض ويحاول حل مشكلة أرصدة منصة تمويل المستوردات، سواء في فك القيود المكبلة للعملة الوطنية، خصوصاً في ظل التهديد المباشر الذي تتسبب به السوق العائمة، أو فتح بوابة الاستيراد بالشكل الأمثل ودون عوائق.
وينص قرار المركزي الصادر الخميس الماضي/ على السماح للمصارف المرخص لها التعامل بالقطع الأجنبي تنفيذ عمليات بيع القطع الأجنبي للأغراض التجارية وغير التجارية من الموارد الذاتية لها: حوالات المنظمات الإنسانية، حوالات منظمات الأمم المتحدة، الحوالات الشخصية، المبالغ المشتراة من الزبائن الطبيعيين والاعتباريين ومؤسسات الصرافة المرخصة.
كما يسمح القرار، في إطار تسوية أرصدة الالتزامات العائدة للمستوردين التي كانت تمول عن طريق منصة تمويل المستوردات، للمصارف بإجراء عمليات بيع دولار أميركي قيداً في الحساب الخاص بالعميل، مقابل اقتطاع الليرات السورية من حسابه بقيمة المبلغ المحول إليه باستخدام سعر الصرف الوارد في النشرة الصادرة عن المصرف، بتاريخ تنفيذ عملية البيع.
ويضيف القرار أن الأولوية القصوى في تنفيذ الحوالات الخاصة، تُعطى للمنظمات الإنسانية ومنظمات الأمم المتحدة، كما تعطى الأولوية الثانية لبيع القطع الأجنبي لحسابات العملاء المذكورين في الفقرة (٢) المتعلقة بتسوية أرصدة منصة المستوردات وفق جدولة على ستة أشهر كحد أقصى.
محاولات وثغرات
وتعليقا، يرى الباحث ومدير منصة “اقتصادي” يونس الكريم، أن القرار يستهدف التحويلات المالية للمنظمات الإنسانية ومنها التابعة الأمم المتحدة، وذلك للاستفادة من إعفاءات قانون قيصر التي تخص تحويل الأموال من جهة، ولوقف تلاعب السوق العائمة بسعر الصرف من جهة أخرى.
ويضيف الكريم لـ”المدن”، أن المصرف المركزي يحاول دعم تحويل رواتب المنظمات الأممية العاملة في سوريا إلى البنوك الخاصة، وبالتالي الابتعاد عن قنوات التمويل غير الرسمية التي كانت تستحوذ على هذه الرواتب، ويكفل ذلك الحصول على تفعيل البنوك التجارية ورصد ومعرفة كمية القطع الأجنبي الوارد إلى البلد.
ويتابع أن القرار يشجع أيضاً، التحويلات المالية للأفراد نحو سوريا عبر المصارف، ويشكل دعوة للدول إلى التعامل مع الشبكة المصرفية السورية، كما يحثّ السوريين على تجنب شركات الصرافة في السوق العائمة التي تتحكم بالسوق في الفترة الراهنة.
وحول المآخذ التي يمكن أن توجه للقرار، يوضح الكريم أن عملية البيع تعمل وفق ما يتوفر من قطع أجنبي أو ليرة سورية، ما يعني ترك الخيار بينهما، ما يزيد من احتمالية استحواذ المصارف على الدولار، وهو سيناريو شبيه بما حدث سابقاً في لبنان، نظراً لتماثل المشكلة.
ومن الثغرات التي يحويها القرار، ترك مسألة حسم الأرصدة المالية لمنصة تمويل المستوردات منوطة بالعلاقة بين المصرف والعميل، ما يؤثر على ثقة المستثمرين المحليين. وبناء على ما سبق، “لن تكون للقرار آثار كبيرة على الواقع الاقتصادي”، وفقاً لما يؤكده الكريم.
قرار إيجابي
وبما أن القرار يمنح البنوك العاملة في الدولة مرونة جيدة في التعامل النقدي، بعد أن كانت البنوك شبه معطلة، وكان دورها غائباً، فـ”هو قرار إيجابي”، على حد توصيف الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر، الذي يضيف لـ”المدن”، أن أهمية القرار تظهر من خلال الاستيراد، فهي تتيح للمستوردين شراء الدولار من المصارف، والسماح للمتعاملين بالدفع من خلال أرصدتهم بالليرة السورية لدى هذه البنوك.
ويلفت السيد عمر إلى أن هذا يعني إفراجاً غير مباشر عن الليرة السورية، خصوصاً أن السوق النقدي تعاني من قلة واضحة في معروض الليرة، فالقرار من شأنه المساهمة في التوازن النقدي.
لكن في المقابل، يشير إلى وجود “نقطة خطيرة”، وهي أن عملية البيع ستكون وفق نشرة البنك المركزي وليس سعر السوق الموازية، “بسبب الفجوة الكبيرة بين السعرين، لذلك لن يحقق القرار النتائج المتوقعة منه ما لم يتم تقليل الفجوة السعرية للدولار”.