
شهدت الأيام الماضية موجة من الفوضى المتصاعدة. ولم يعد “حزب الله” يرفع شعار “المقاومة” بقدر ما بات رمزاً للفوضى. وراح يُشهر سلاحه كلما لم تعجبه قرارات الدولة، مستهدفاً لبنان وجيشه وشعبه. وتلوّح بيئته الحاضنة اليوم بعودة 7 أيار عبر قطع الطرق، وإشعال الإطارات، والاعتداء على الجيش وقوات “اليونيفيل”، غير آبهة بالفرصة الذهبية المتاحة للنهوض بالبلاد.
للمرة الأولى منذ 1990، لا يُمنح أي سلاح خارج إطار الدولة شرعية في البيان الوزاري. ولم يعد مفتاح الثلث المعطل بيد ميليشيا تنتقي لنفسها وزراء ونواباً يعطلون الدولة لصالح دويلتهم. وبعد سقوط هذه المعادلة، لم يبقَ لـ”الحزب” سوى دراجاته النارية، وغوغائيته السياسية، وترهيبه الداخلي، وسعيه لفصل لبنان عن عمقه العربي والدولي، في وقت يُحتضر فيه اقتصادياً، ويلفظ أنفاسه الدبلوماسية الأخيرة. وبات أي دعم مشروطاً بالإصلاحات والقرارات الدولية، وإلا فإن العزلة تهدد وجوده ومستقبل مواطنيه.
“حزب الله” وفزاعة إيران
المفارقة أن “الحزب” يُدين “التدخل الأجنبي” ، في حين أنه خاضع بالكامل لولاية الفقيه، محولاً لبنان إلى ساحة صراع إيرانية. وما منع هبوط طائرة إيرانية في مطار بيروت إلا مثال على كيفية استغلاله للفوضى التي تهدد بصيص الأمل المتبقي لإنعاش الاقتصاد والسياحة وإعادة الإعمار. ويناقض “الحزب” نفسه بنفسه بالحديث عن محاصرة لبنان جنوباً وبحراً وسورياً، في حين أنه هو من يغلق نافذته الأخيرة نحو العالم.
وبات المجتمع الدولي يدرك أن “حزب الله” لم يعد أكثر من “فزاعة” بيد إيران. لكنه لن يصمت بعد الآن. الشروط واضحة: إما تفكيك الميليشيات أو استمرار العزلة.
خرج أمينه العام الجديد نعيم قاسم في ذكرى “الشهداء القادة” ليقول: “إعادة الإعمار مسؤولية الدولة وحدها”. أي أنهم هم من يتخذون القرار وعلى الدولة أن تتحمل المسؤولية!
يُشيَّع الزعيم وتُدفن الأسطورة!
ومع الاستعدادات لتشييع أمينه العام في 23 شباط 2025، يبدو “الحزب” على حافة الانهيار، بعد أن فقد بريقه العسكري والسياسي خلال الحرب، وبات أشبه بدمية “الماريونيت” هذه المرة، حيث تحركها إيران وفق أجنداتها.
وانطلاقاً من أحداث طريق المطار الأخيرة، يبقى السؤال: هل سيكون تشييع نصرالله بداية النهاية لـ”حزب الله” أم مجرد فصل جديد من فصول الفوضى؟ هل نحن أمام جماعة ستواصل العبث بالدولة، أم أن لبنان يقترب من التحرر من سطوتها؟
بعد حرب 2024، التي دمرت لبنان وأودت بحياة الآلاف، أصبح “الحزب” أضعف من أي وقت مضى، واغتيال قادته، وعلى رأسهم نصر الله، كان ضربة قاضية. كما أن فقدان الثلث المعطل في الحكومة يثبت تراجع نفوذه السياسي. وتشييع نصر الله قد يكون آخر مظاهر قوة “الحزب”، لكنه لن يكون مجرد تأبين، بل سيكون إعلاناً رمزياً عن موت “مشروع إيران في لبنان”.
كلما انهارت معابد الآلهة، اعتقد أتباعها أنها خالدة. لكن التاريخ لا يرحم الأوثان، ولن تكون “أسطورة 23 شباط” سوى الطقس الأخير في معبدٍ ينهار، حيث يُشيّع الزعيم المؤلَّه كتمثال طوطمي، يُحمل على أكتاف الكهنة، فيما يُقدّمه شعبه قرباناً على مذبح “التكليف الشرعي”. فالنظام الأبوي لم ينجب سوى أتباع مكللين بعقدة “أوديب”، يبحثون عن أب أسطوري يمنحهم شرعية الوجود، فيختزلون الوطن في جسد واحد، يقدسونه، حتى وإن دمّرهم معه. في 23 شباط، يتهاوى الهيكل وأسطورته وإصبعه إلى الأبد.