تحليل السياسات

تطورات مقلقة على الحدود الجنوبية والشرقية للبنان واستهداف إسرائيلي لعسكري ومواطن في كفركلا

سعد الياس ـ «القدس العربي»

يسود القلق في لبنان مما يجري على حدوده الجنوبية مع إسرائيل أو على حدوده الشرقية والشمالية مع سوريا في ظل العمليات الميدانية والتوترات الأمنية المتصاعدة في الساحل السوري وانعكاساتها على مجمل الساحة اللبنانية.

ففي المشهد الجنوبي، أفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن «الجيش الإسرائيلي بدأ تمرينًا مفاجئًا لاختبار الجاهزية لعمليات التسلل في القواعد والمواقع في الشمال». وأطلقت القوات الإسرائيلية النار على أحد المواطنين في بلدة كفركلا وأصابته برصاصتين، وتم نقله إلى مستشفى مرجعيون الحكومي. وصدر عن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة العامة بيان أعلن «أن إطلاق العدو الإسرائيلي النار على مواطن في بلدة كفركلا أدى إلى إصابته بجروح وحالته حرجة».
ولاحقاً، أطلقت القوات الإسرائيلية النار قرب بوابة فاطمة في بلدة كفركلا مجدداً، مما أدى إلى إصابة أحد العسكريين في الجيش اللبناني بجروح. وسجل ظهر الأحد تحليق لمسيّرة إسرائيليّة في اجواء مدينة الهرمل على علو منخفض.
وجاء ذلك بعد مواصلة الجيش الإسرائيلي عملياته التصعيدية وبعد غارات ليلية غير مسبوقة منذ اتفاق وقف اطلاق النار اضافة إلى عودة مسلسل الاغتيالات بواسطة المسيّرات وآخرها غارة على سيارة في بلدة خربة سلم ما ادى إلى استشهاد مواطن وإصابة آخر بجروح، وقد زعم المتحدث بإسم الجيش الإسرائيلي أنه استهدف عنصراً من «حزب الله» عمل على إعمار بنية تحتية لتوجيه أنشطة الحزب في جنوب لبنان.
وإزاء هذه التطورات، بدأت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس ـ بلاسخارت، زيارة إلى إسرائيل تلتقي في خلالها كبار المسؤولين حيث ستركّز المناقشات على تنفيذ تفاهم وقف الأعمال العدائية الذي تم التوصل إليه في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الرقم 1701.
وفي بيان صادر عن مكتب بلاسخارت، دعت المنسقة الخاصة «جميع الأطراف للحيلولة دون خلق أمر واقع جديد على الأرض» مشددةً «على ضرورة المضي قدماً في تنفيذ الحلول التي نصّ عليها قرار مجلس الأمن رقم 1701 تأكيداً لأهمية تعزيز الأمن والاستقرار للسكان على جانبي الخط الأزرق».
وكانت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية قالت، أمس الأحد، إن مئات اليهود المتشددين من «الحريديم» اقتحموا الأراضي اللبنانية، الجمعة الماضية تحت حماية الجيش، للصلاة على قبر يزعمون أنه يعود لأحد علماء الدين اليهودي.

بلاسخارت إلى تل أبيب وتدعو للحيلولة دون خلق أمر واقع جديد على الأرض

وأوضحت الصحيفة أنه «رغم أن نصف المكان يقع في الأراضي اللبنانية، صعد مئات من الحريديم، الجمعة، للصلاة في مكان يزعمون أنه يضم قبر أحد أعظم علماء الدين اليهودي».
وتابعت: «صباح الجمعة (أول أمس) ورغم أن الوقت كان مبكرا، ومعظم النازحين من بلدتي منارة ومارغليوت (بشمال إسرائيل) لم يعودوا بعد إلى منازلهم، إلا أن مواكب الحافلات بدأت تتجه إلى المكان». وأضافت أن الحريديم «سجدوا من جميع الجهات على قبر يعتقد كثيرون أنه يعود لشيخ لبناني».
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه هي «المرة الأولى منذ بداية الحرب» في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، التي يدخل فيها الحريديم إلى أراضي لبنانية، لزيارة ما يقولون إنه قبر «الحاخام آشي» دون صدامات مع الجيش الإسرائيلي «بل بتنسيق كامل معه».
جدير بالذكر أن «الحريديم» يرفضون الخدمة العسكرية بالجيش الإسرائيلي، رغم قرار المحكمة العليا الإسرائيلية في 25 يونيو/ حزيران 2024 إلزامهم بالتجنيد، ومنع المساعدات المالية عن المؤسسات الدينية التي لا يمتثل طلابها للخدمة العسكرية.
ويشكل «الحريديم» نحو 13 بالمئة من سكان إسرائيل البالغ عددهم 10 ملايين نسمة، ويرفضون الخدمة العسكرية بدعوى تكريس حياتهم لدراسة التوراة، مؤكدين أن الاندماج في المجتمع العلماني يشكل «تهديدًا لهويتهم الدينية واستمرارية مجتمعهم».
والجمعة، استنكر الجيش اللبناني، خرق إسرائيل لسيادة البلاد عبر إدخال مستوطنين يهود إلى مقام ديني مزعوم في الجنوب، معتبرا ذلك «انتهاكا للقرارات الدولية واتفاق وقف إطلاق النار» الأخير.
ومنذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، ارتكبت إسرائيل 1091 خرقاً له، ما خلّف 84 شهيداً و284 جريحاً على الأقل، وفق إحصاء للأناضول استنادا إلى بيانات رسمية لبنانية.

المشهد شرق لبنان

وبدأ عدوان إسرائيل على لبنان في 8 أكتوبر 2023، وتحول لحرب واسعة في 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، ما خلّف 4 آلاف و115 شهيداً و16 ألفاً و909 جرحى، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، إضافة إلى نزوح نحو مليون و400 ألف شخص.
أما في المشهد الشرقي، فتسود مخاوف من التوترات في الساحل السوري على منطقتي الشمال والبقاع اللتين عادتا تشهدان نزوح آلاف السوريين الهاربين من سوريا. وقد نفى «حزب الله» السبت أي علاقة له بالأحداث الجارية في سوريا.
وأكد في بيان ما يلي: «تدأب بعض الجهات على الزجّ باسم «حزب الله» في ما يجري من أحداث في سوريا واتهامه بأنه طرف في ‏الصراع القائم هناك.‏ ينفي «حزب الله» بشكل واضح وقاطع هذه الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة ويدعو وسائل الإعلام ‏إلى توخي الدقة في نقل الأخبار وعدم الانجرار وراء حملات التضليل التي تخدم أهدافًا سياسية وأجندات ‏خارجية مشبوهة».‏
في المواقف، رأى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي «أن المصالحة الوطنية، هي رسالة واضحة عن لبنان الساعي إلى استعادة موقعه ودوره في العالم العربي».
وقال في عظة الأحد خلال إطلاق حملة «كاريتاس» لقد «آن الأوان لأن يستعيد لبنان دوره العربي، ويعود إلى موقعه الطبيعي ضمن الجماعة العربية، من خلال استعادة شرعيته الميثاقية، والسعي إلى استعادة شرعيته العربية بالتعاون مع الدول الشقيقة، تمهيدًا لعودته الكاملة إلى الشرعية الدولية».

الحياد ورد قبلان

وأضاف: «لبنان الجديد: حياد إيجابي وانفتاح على العالم. بهذه الصفة يكون لبنان «وطن لقاء» وليس «ساحة صراع». وهو ما ينسجم مع تاريخه كدولة قائمة على التعددية والتفاعل الثقافي، وعلى الحرية والحداثة والإبداع. وهي القيم التي يمكن أن تساهم في بناء مستقبل عربي أكثر استقرارًا وازدهارًا. فيبقى كما كان لبنان دائمًا «دولة عربية أصيلة، وحلقة وصل بين الشرق والغرب».
وفي ما يبدو رداً على تمسك البطريرك الراعي بالدعوة إلى الحياد، سأل المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان «هل لبنان دولة وطنية أم مستنقع أحقاد ومشاريع توظيفات خارجية، وماذا عن أحاديث الظل وسط منطقة تغلي بالأحقاد والمذابح ومشاريع الخراب الدولي، ثم هل الحياد ودعاية السيادة والوطنية تفترض ترك إسرائيل وعدوانها دون قوة وطنية تليق بسيادة هذا البلد، أم يعني قص وريد الحياة عن مناطق الحافة الجنوبية الأمامية ومنع إغاثة بقية الأرض من حقها وناسها وهي التي تلفظ أنفاسها وسط قرى مدمرة ونكران وطني مخيف، كل ذلك وسط مواقف لا تؤمن بالوطنية والمواطن ولا بالعائلة اللبنانية، وما تؤمن به فقط الحقد والتشفي ونزعة الإنتقام التي لا نهاية لها».

«المجلس الشيعي» يأسف ويتوجس من «مذابح» الساحل السوري

وأضاف قبلان في بيان «أمام واقع البلد ونار الحقد وطبيعة المنطقة ونزيف الشعارات وما يجري بالكواليس أقول: لا قيمة للشعارات والمواقف الإستهلاكية أبداً، وتاريخ لبنان استهلاكي حتى زمن الحرب الأهلية، لذلك الدولة يجب أن تكون ضمانة وطنية بمشاريعها وأولوياتها الوطنية وعلى الأرض بعيداً عن مشاريع الظل، وكلمة ضمانة وطنية جوهرية للغاية بالتكوين اللبناني وهذا ما نحتاجه بعيداً عن همروجة الشعارات والمواقف».
وتابع: «اللحظة للبنان كقيمة وطنية عبر سياسات تعكس قضية الدولة بشعبها وأرضها وسيادتها، وعبر دولة تضعنا فعلاً أمام حارس وطني بأرض الجنوب والحافة الأمامية ومشاريع الإغاثة لأن ما يجري وما نعرفه جيداً يفضح الوطنية ويضع الدولة أمام نفوذ خارجي يريد البلد على صورة فرن للأحقاد والإنتقام بعيداً عن جوهر الوظيفة الضرورية للدولة بشقها الوطني والعمراني والإغاثي والسيادي، وما نريده سلطة تحكم باسم المصالح الوطنية لا مصالح الآخرين، والحياد في هذا العالم كذبة، ومصالح لبنان مهددة بشدة، وما يجري بالبلد تمييزي جداً وخطير جداً، وما يقوم به البعض يحتاج لتوضيح، والدولة دولة بمقدار قيامها بوظيفتها السيادية والوطنية والإغاثية بعيداً عن عقدة اللوائح، ولبنان أمام فرصة تكاد تكون مفقودة، وما نحتاجه لبنان الفرصة قبل فوات الأوان».
إلى ذلك، توقف نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب عند الوضع في سوريا، فأشار إلى «أن الأنباء الواردة من سوريا عن المذابح التي حصلت في الساحل السوري أوجعتنا وآلمتنا وأدمت قلوبنا لفظاعتها وبشاعتها، بقدر ما تدفعنا إلى الأسف والتوجس من مستقبل مظلم ينتظر هذا البلد الشقيق الذي ما أردنا يوماً إلا أن يكون آمناً ومستقراً».

انتهاكات في سوريا

وقال: «إن المشاهد الفظيعة التي وصلتنا وتصلنا عن الانتهاكات التي حصلت بحق المدنيين الابرياء، تجعلنا في حالة من الصدمة، لأننا اعتقدنا في مرحلة من المراحل أن هذه الحقبة السوداء من تاريخ بلادنا قد انتهت إلى غير رجعة. فلا ديننا ولا قيمنا ولا أخلاقنا تبيح قتل الناس الأبرياء على الهوية، ما يستدعي تدارك هذه المظالم بحق الأبرياء قبل أن تتفاقم الأمور إلى ما هو أكثر عنفاً وبطشاً، بحيث يصبح من المستحيل التعايش بين المكونات السورية، وبما يحقق أهداف الغرب والصهاينة في تقسيم سوريا وإلغاء كينونتها كدولة واحدة موحدة».
وناشد الخطيب «العقلاء في أمتنا العربية والإسلامية المسارعة إلى وضع حد لما جرى ويجري، والعمل بكل قوة لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، وتأمين الحماية للمدنيين السوريين إلى أي طائفة او منطقة انتموا، قبل ان تذر الفتنة الكبرى بقرنها، وتنتشر إلى كامل المنطقة بما يصعب ضبط الأمور واصلاح الحال». وختم: «عليه فإننا نحذر أهلنا في لبنان من تداعيات هذا الواقع، مطالبين الدولة والأجهزة الأمنية باتخاذ أقصى التدابير الآيلة إلى ضبط الأوضاع والحؤول دون امتداد الأحداث إلى الأراضي اللبنانية».
وكتب الوزير السابق ميشال فرعون على منصة «أكس»: «ما حصل في بانياس السورية إجرام لا يوصف، في ظل المعلومات التي تصل عن قتل مسيحيّين عُزّل، رجال دين وعلمانيين، بسبب انتمائهم الديني».
وأضاف «أي فريقٍ، قديم أو جديد، يقتل بسبب الاختلاف الديني لا دين له، وكان من واجب المجتمع الدولي أن يتدخل، كما عليه اليوم أن يوقف أي ترهيب وإجرام وهجرة».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى