تحليل السياسات

اتصالات لبنانية ـ أمريكية للوقوف على أبعاد التصعيد الإسرائيلي وتداعياته على الاستقرار

سعد الياس بيروت ـ «القدس العربي»:

إلى الشمال دُر… هذه هي وجهة الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان في جولتها الثانية غداً الأحد بعد انتخابات جبل لبنان التي شهدت نسبة مشاركة غير مرتفعة قياساً إلى المعارك الانتخابية وخصوصاً في البلدات المسيحية. وستتركز أبرز المعارك الشمالية في البترون حيث حضور رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وبشري حيث حضور عقيلة رئيس حزب القوات اللبنانية ستريدا جعجع، وزغرتا وبلداتها حيث تدور المعركة بين رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية ورئيس «حركة الاستقلال» ميشال معوض إضافة إلى تنورين والقبيات وحلبا، أما طرابلس عاصمة الشمال فالترقب هو لمدى الحفاظ على التوازنات في المدينة بما يتيح وصول مرشحين مسيحيين وعلويين إلى المجلس البلدي.
وعشية الجولة الشمالية، أعلنت قيادة الجيش ـــ مديرية التوجيه «أن الوحدات العسكرية المنتشرة باشرت اتخاذ تدابير أمنية استثنائية، تشمل إقامة حواجز ظرفية وتسيير دوريات، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الأخرى، بهدف ضمان حسن سير العملية الانتخابية». ودعت القيادة «المواطنين إلى التجاوب مع هذه التدابير للحفاظ على أمنهم وسلامتهم، ولتمكينهم من التعبير عن آرائهم في صناديق الاقتراع، ضمن أجواء من الحرية والديموقراطية». كما دعتهم «إلى إبلاغ أقرب مركز عسكري عن أي محاولة للإخلال بالأمن، أو الاتصال بغرفة عمليات القيادة على الرقم 117».

وزير الداخلية

وقال وزير الداخلية العميد جمال الحجار «قررنا المضي في إجراء الانتخابات البلدية مؤكدين على موعدها دون أي تردد واياً كانت العقبات. وأردنا منها ان تشكل الرسالة الأولى من العهد الجديد إلى المجتمع الدولي عن الجدية في إتمامها فكانت أولى محطاتها ناجحة بكل المقاييس». واضاف الحجار امام وفد من نقابة المحررين «صممنا على ان تكون انتخابات نموذجية نؤكد من خلالها على حياد السلطة كواجب وليس منة لأحد، والحؤول دون ان تعطلها أي شائبة، والحمد لله فإن ما جرى لم يكن نتيجة جهد شخصي فقط، بل هناك ورشة كبيرة شارك فيها مدراء عامون وقادة الأجهزة العسكرية والأمنية وجميع الموظفين الذين بذلوا جهوداً مضنية لتكون انتخابات نزيهة وشفافة. وهي عملية تبدأ من المراحل التحضيرية الاولى حتى الاعلان عن نتائجها لتكون آمنة ومضمونة».

السيّد يسخر من الدولة «السيادية»… والمفتي قبلان يرفض التحريض على المقاومة

وعن قناعته بعبور المراحل اللاحقة من العملية الانتخابية في هذه الأجواء، أكد وزير الداخلية أنه «لن ندخر جهداً لإتمامها في أفضل الظروف»، لافتاً إلى انه «من المنطقي ان تكون انتخابات بيروت أم المعارك فهي عاصمة الوطن»، مؤكداً «بذل الجهود الممكنة على أكثر من صعيد لإتمامها بما يضمن حقوق جميع البيروتيين».

التصعيد الإسرائيلي

وتجري الانتخابات في الشمال وعكار على وقع التوتر الأمني في جنوب لبنان، والتصعيد الإسرائيلي الأخير الذي تمثل بسلسلة غارات عنيفة على محيط النبطية إستخدمت فيها الطائرات الإسرائيلية صواريخ خارقة للتحصينات كتلك التي استخدمت في اغتيال أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله وخليفته هاشم صفي الدين.
وعلم أن اتصالات لبنانية – أمريكية أعقبت هذه الغارات للوقوف على محاذير هذا التصعيد وأبعاده وتداعياته على الاستقرار الداخلي على عتبة موسم الصيف والتباشير بقدوم سيّاح عرب وخليجيين. وبعد يوم على تلك الغارات، ألقت طائرة استطلاع إسرائيلية قنبلة صوتية على معمل للحجارة في بلدة كفركلا، ما أحدث حالة من الهلع في صفوف العاملين دون تسجيل إصابات.
كما توغلت دبابة ميركافا في جبل الباط في عيترون، وسُجّل تحليق كثيف للطيران المسيّر في أجواء مدينة النبطية وبلدتي أرنون والجوار، ضمن سلسلة الخروقات المتكرّرة التي توثقها السلطات اللبنانية وقيادة الجيش بشكل يومي. بالتوازي، حلّق الطيران الاستطلاعي الإسرائيلي على علو منخفض فوق مناطق البقاع، مثيراً القلق بين الأهالي.
وكان شخص على الأقلّ استشهد في سلسلة غارات إسرائيلية واسعة في جنوب لبنان الخميس حسب وزارة الصحة، في حين أعلنت الدولة العبرية استهداف موقع لحزب الله، مع مواصلتها الضربات منذ أشهر على رغم اتفاق وقف إطلاق النار.
وبعد نحو عام من تبادل للقصف عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية تحوّل حربا مفتوحة في أيلول/سبتمبر 2024، توصلت إسرائيل وحزب الله الى اتفاق لوقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
وعلى الرغم من سريان الهدنة، لا تزال إسرائيل تشنّ غارات على مناطق لبنانية عدة خصوصاً في الجنوب والشرق، مؤكدة أنها لن تسمح للحزب المدعوم من إيران، بالعمل على ترميم قدراته بعد الحرب التي تلقى خلالها ضربات قاسية على صعيد البنية العسكرية والقيادية.
وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية أن إسرائيل نفّذت الخميس «عدواناً جوياً واسعاً على منطقة النبطية» في جنوب لبنان، عبر «سلسلة غارات عنيفة وعلى دفعتين» استهدفت «الأودية والمرتفعات والأحراج الممتدة بين بلدات كفرتبنيت، النبطية الفوقا، كفررمان».
وشاهد مصوّر فرانس برس تصاعد الدخان الكثيف من مناطق جبلية وحرجية وأودية بعيدة عن المناطق السكنية. وأوردت وزارة الصحة اللبنانية أن «غارات العدو الإسرائيلي على النبطية اليوم أدت في حصيلة أولية إلى سقوط شهيد وإصابة ثمانية أشخاص بجروح».
ومواكبة لهذه الخروقات، التقى وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي رئيس بعثة قوات «اليونيفيل» العاملة في لبنان وقائدها العام اللواء أرولدو لاثارو والوفد المرافق، وجرى البحث في تطورات الوضع في الجنوب في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة.
وعرض لاثارو للوزير رجي طبيعة المهام التي تقوم بها «اليونيفيل» في الجنوب في الفترة الأخيرة ورصدها للانتهاكات لقرار مجلس الأمن رقم 1701. كما تطرق لاثارو إلى التعاون والتنسيق القائمَين بين «اليونيفيل» والجيش اللبناني، مشيداً بالعلاقة المميزة بين الجانبين، موجهاً دعوة للوزير لزيارة مواقع «اليونيفيل» في جنوب لبنان.
وأكد الوزير رجّي «تمسك لبنان بدور قوات «اليونيفيل»، وشكرها «على الجهود التي تقوم بها في الجنوب»، مشدداً «على أهمية تمكينها من أداء مهامها وفق الولاية المحددة لها من قبل مجلس الأمن والتي يُرتقب تمديدها في آب/أغسطس المقبل».

قبلان: لا لدولة مشلولة

في المواقف، توجّه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في خطبة الجمعة إلى الحكومة اللبنانية والجهات الرسمية، بالقول: «نؤكد أن البلد لا يقوم بالورد، ومن لا يجرؤ على أخذ قرار بهبوط الطيران المدني الإيراني في المطار لا يملك قراره الوطني».

الشمال على موعد غداً مع الاستحقاق البلدي… والحجار: الانتخابات رسالة أولى من العهد الجديد

وخاطب رئيس الحكومة نواف سلام قائلاً: «البقاع لا يحتاج زيارات استعراضية، بل يريد تنمية وبرامج وفرص عمل ومرافق تربوية وإغاثية ووفاء بالوعود الحكومية من دولة عاشت على الكذب منذ نصف قرن.
وفي هذا السياق السؤال يطرح نفسه: عن أي دولة تتحدثون؟ وإسرائيل تنتهك صميم سيادة هذا البلد! وتمارس أعتى أساليب طغيانها وإرهابها، وبعد ذلك يأتينا من يريد منا أن نسلم رأسنا وإمكاناتنا لدولة ضعيفة مشلولة، لا تملك قرار نفسها ولا يهمها من سيادتها إلا العراضات الفارغة».
واضاف قبلان: «لأننا نعيش في لحظة تاريخية، ولأن الدولة تتخلى عن ناسها وشعبها، وتتعامل مع الجنوب والضاحية والبقاع بخلفية انتقامية، لذلك لا لدولة مشلولة، أو غير مبالية، ولا لدولة مهووسة بالأوامر الخارجية، ولا لدولة تحتكر الأموال العامة بحسابها المصرفي دون إعادة استثمارها بالقطاعات الحيوية للبنان. والحل بدولة إعمار وإغاثة وسياسات وطنية تعتز بشعبها وكيانها ومقاومتها وبعوامل القوة السيادية فيها»، معتبراً «أن الحل بدولة تقول «لا» لأمريكا قبل إسرائيل، دولة تصر على تثبيت عوامل القوة الوطنية على الحافة الأمامية، لا الهروب والتذلل والتفرج على الانتهاك الصارخ الذي يطال صميم وطنها المعتدى عليه، الحل بدولة تبدأ من إغاثة الجنوب، لا التلطي وراء شعارات فارغة فيما عينها على الأثمان السياسية الابتزازية، الحل بدولة لديها أولويات سيادية وإعمارية واجتماعية، لا دولة ضرائب وتسول وهدر وفساد ومشاريع بهلوانية».

بعيداً عن اللعبة الدولية

وأكد «ان اللحظة للبنان ومصالحه الوطنية، بعيداً عن اللعبة الدولية والنزعة الطائفية التي تتحكم ببعض جهات السلطة أكثر مما مضى»، مضيفاً «ومن صميم الأزمة الوطنية أقول: هناك من يتعمد التنكيل بطائفة بأكملها، ويعمل على إضعافها ومحاصرتها وترويعها ومصادرتها وخنق أنفاسها، وهذا الأمر لن يكون لأحد، فنحن من قام بالبلد واستعاده يوم تخلى عنه الآخرون، وحذارِ حذارِ من القتل والإبتزاز والترويع السياسي والتطويق الحكومي، فحكومة لا تقوم بما عليها تجاه الجنوب ليست حكومة، وحكومة عينها على رضى الخارج ودفاتر شروطه ليست حكومة، والصبر وصل إلى حد النفاد، والمنطقة تغلي بالأزمات، وما يجري بين الهند وباكستان يؤكّد طبيعة المنطقة الممزقة، والقابلة للانفجار السريع».
وختم المفتي قبلان «لبعض الجهات الدولية: أحب أن أذكّر بأن المقاومة في لبنان قوية وقوية، والكواليس لا تفيد أحداً، والتحريض عليها تحريض على كل لبنان، ولبنان بلا مقاومة ليس أكثر من فريسة تنهشها الذئاب، والغارات الإسرائيلية كل يوم دليل مطلق على ما نؤكد عليه. اللعبة الخارجية تضع أمن لبنان الداخلي في خطر، فليحذر من في الداخل من السقوط بلعبة الخارج، وكفانا كذباً على شعبنا، والسلطة سلطة بخدماتها وقرارها السيادي ومشاريعها على الأرض، وليس وراء المكاتب «المسوسة». والدولة التي تتفرج على ناسها وبلدها هي خائنة في حق وطنها وناسها. قيمة لبنان من قيمة سيادته وعيشه المشترك وشراكته الميثاقية وقرارِه الوطني المنيع أمام سيوف الخارج ولعبة الانقسام الوطني العامودي؛ ودون ذلك لبناننا يخسر صفة الدولة ويخسر قدرة قراره».
أما النائب جميل السيد فسخر من الدولة اللبنانية، وكتب عبر منصة «إكس»: «إسرائيل تواصل اعتداءاتها وجرائمها اليومية على الجنوب وأهله وفي البقاع، من دون أي رادع، ولكن، لا داعي للهلع طالما أن دولتنا «السيادية» تطلق تصريحات يومية بأنها «تسجل التعديات الإسرائيلية وتتابع الأوضاع عن قُرب بالمناظير وبالعيون»…. والسؤال، لماذا لم تتجرّأ دولتنا حتى اللحظة على تقديم شكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي؟!! ومِمن انتم خائفون إلى هذه الدرجة؟».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى