ثقافة ومجتمع

ثقافة السلاح في لبنان: بين الجهل والتفاخر… والرصاص يحصد الأبرياء

ريبال مرداس

ما زالت ظاهرة إطلاق الرصاص العشوائي في لبنان، سواء في الأفراح أو الأتراح أو حتى في الخطابات السياسية، تعبّر عن أزمة عميقة في الثقافة المجتمعية، حيث يتحوّل السلاح من أداة يُفترض أن تُستخدم في أضيق الحدود، إلى وسيلة للتفاخر وإثبات الوجود، ولو على حساب أرواح الأبرياء.

 

ورغم تكرار المآسي الناتجة عن الرصاص الطائش، لا تزال مشاهد المسلّحين وهم يطلقون النار في الهواء تتكرّر بلا رادع، مدفوعة بثقافة مترسّخة تقوم على الجهل والاستعراض، يُغذّيها شعورٌ زائف بالقوة والانتماء، وغالبًا ما يُبرَّر هذا السلوك بأنه “عادة” أو “جزء من التراث”، بينما في الواقع هو انحدار خطير في سُلَّم القيم المجتمعية.

 

ويعاني لبنان من تفلّت كبير للسلاح، يقابله تقاعس في تطبيق القوانين الرادعة، ما ساهم في ترسيخ هذه الثقافة في بعض الأوساط، لا سيّما في المناطق التي تشهد نفوذًا سياسيًا أو طائفيًا يُغلّب منطق الزعامة على منطق الدولة. وبحسب متابعين، فإن حمل السلاح لم يعد فقط مرتبطًا بالدفاع أو الضرورة، بل أصبح مظهرًا من مظاهر “الرجولة” أو الهيبة الاجتماعية.

 

اللافت أنّ هذه الثقافة تلقى، في بعض الحالات، تشجيعًا ضمنيًا من البيئة المحيطة، سواء عبر التغطية على مرتكبيها أو تصويرهم كأبطال، ما يفتح الباب أمام تكرار المآسي دون أن يشعر أحد بالذنب أو بالمسؤولية.

 

ويُجمع الخبراء في علم الاجتماع على أن مواجهة هذه الظاهرة لا تتم فقط عبر القوانين، بل تحتاج إلى مسار طويل من التوعية الثقافية والتربوية، يبدأ من المدارس ويمرّ بالإعلام، وصولًا إلى تغيير النظرة السائدة حول مفهوم القوة والسلاح والكرامة.

 

في بلد يئنّ تحت وطأة الأزمات السياسية والاقتصادية، يبقى تفلّت السلاح واستخدامه العشوائي جرحًا إضافيًا في الجسد اللبناني، لا يلتئم إلا حين تتحوّل ثقافة الحياة إلى عنوان، بدل ثقافة الرصاص والموت المجاني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى