
شهدت الانتخابات البلدية في لبنان محطة بارزة من محطات التحول السياسي المحلي، بعدما أفرزت صناديق الاقتراع نتائج لافتة أعادت خلط الأوراق، خصوصًا في ساحتي الجديدة – البوشرية – السد والبترون. فقد رسخت النتائج فوزًا ساحقًا للائحة المدعومة من النائب إبراهيم كنعان في المتن الشمالي، بينما وجهت صفعة انتخابية قاسية للنائب جبران باسيل في معقله الأساسي – مدينة البترون. هذا التحول يحمل في طياته دلالات عميقة على صعيد التوازنات السياسية والشعبية، ويعكس مزاجًا انتخابيًا جديدًا بدأ يفرض أولوياته بعيدًا عن الانقسامات التقليدية.
فوز استثنائي في الجديدة: كنعان يحصد ثمار تحالفاته
في قضاء المتن الشمالي، جاءت نتائج انتخابات بلدية الجديدة – البوشرية – السد لتؤكد الحضور المتصاعد للنائب إبراهيم كنعان، الذي تمكّن، من خلال لائحة “صار وقتا”، من تحقيق فوز كاسح. وقد حصدت اللائحة كامل المقاعد برئاسة أوغست باخوس وسط ارتياح واسع في صفوف المؤيدين. ويُعزى هذا الانتصار إلى نجاح كنعان في بناء تحالفات متينة جمعت بين القوات اللبنانية، الكتائب، وشخصيات مستقلة ذات حضور فاعل في المنطقة، إلى جانب تقديمه برنامجًا إنمائيًا متكاملًا يلامس تطلعات الأهالي واحتياجاتهم الخدماتية والمعيشية.
وتُعتبر هذه النتيجة تتويجًا لعمل سياسي واجتماعي طويل الأمد قاده كنعان، ركّز خلاله على الملفات الإنمائية، وأولى اهتمامًا خاصًا للبنية التحتية، والتنظيم المدني، وتعزيز العمل البلدي. كما أن الخطاب الهادئ والمتزن الذي تبنّاه في حملته الانتخابية ساهم في استقطاب فئات واسعة من الناخبين، الباحثين عن خيار بديل يُخرج البلديات من التجاذب السياسي العقيم.
البترون تفاجئ باسيل: خسارة في قلب المعقل
في المقابل، شكّلت نتائج انتخابات بلدية البترون صفعة قوية للنائب جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر، الذي خسر معركته في واحدة من أهم قواعده الشعبية. فقد فشلت اللائحة المدعومة منه في اختراق المشهد البلدي، حيث انتصرت اللائحة الائتلافية بقيادة مارسيلينو الحرك، والمدعومة من القوات والكتائب ومستقلين، بفارق ملحوظ في الأصوات.
وتأتي هذه الخسارة رغم الحضور التنظيمي القوي للتيار الوطني الحر في المنطقة، ورغم ما بذله باسيل من جهود لحشد الدعم واستنهاض قاعدته الشعبية. إلا أن النتائج بيّنت تراجعًا ملموسًا في التأييد الشعبي له، وربما تعكس نقمة محلية على الأداء السياسي العام للتيار، وتآكل الثقة في قدرته على تلبية التطلعات الإنمائية لأبناء المدينة.
تشير المعطيات الانتخابية الأخيرة إلى تغيّر ملموس في أولويات الناخب اللبناني، الذي بات ينحاز إلى البرامج العملية والمقاربات الإنمائية، أكثر من ولائه للخطابات الحزبية والشعارات السياسية. فالفوز في الجديدة لم يكن مجرد تفوّق عددي، بل ترجمة لتوجه شعبي منح الثقة لمن يملك رؤية وخطة واقعية للعمل البلدي.
في المقابل، فإن سقوط باسيل في البترون لا يمكن فصله عن السياق العام لحالة التململ الشعبي من الأداء السياسي على المستوى الوطني، خصوصًا في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، والانهيار المؤسساتي الذي يطال مختلف القطاعات.
خلاصة المشهد: رسائل بلدية بمضمون سياسي
الانتخابات البلدية في الجديدة والبترون لم تكن مجرد استحقاق محلي، بل عكست واقعًا سياسيًا متغيرًا، ورسائل واضحة إلى القوى التقليدية بأن الزمن لم يعد حكرًا على الزعامة والهيمنة، بل بات رهين الأداء الفعلي والتواصل الصادق مع الناس. فوز كنعان وخسارة باسيل في هذا التوقيت، يحملان دلالات عميقة، قد تكون نواة لتحولات أوسع في الانتخابات النيابية المقبلة، إن استمرت رياح التغيير تهب بهذا الزخم من القواعد الشعبية.