تحليل السياسات

لبنان: أين حزب الله من إسناد إيران وهل بات مصير السلاح مرتبطاً بنتائج الحرب؟

سعد الياس «القدس العربي»:

على غرار الحرب الإسرائيلية المفاجئة على «حزب الله» في لبنان التي بدأت بتفجيرات «البيجر» واللاسلكي واستهداف القادة الميدانيين في قوة «الرضوان» ودلّت على إنكشاف أمني كبير، جاءت الضربات الإسرائيلية المفاجئة على إيران وتعطيل عدد كبير من منظومة الصواريخ البالستية والدفاعية لتدل أيضاً على انكشاف أمني خطير تزامناً مع استهداف المنشآت النووية وقادة الحرس الثوري الإيراني.
وقد سخرت إحدى الشخصيات الشيعية المعارضة قبل الرد الإيراني مما أسمته «سقوط الوهم الإيراني»، قائلة «تبيّن أن محور الممانعة هو محور من الأوهام وغير قادر على تحقيق توازن مع إسرائيل». ولفتت هذه الشخصية إلى عتب شيعي حتى من بيئة «الحزب» على إيران لأنها لم تدخل الحرب بعد اغتيال السيد حسن نصرالله وكانت تتفرّج على تدمير الجنوب، وسألت هل من يصدّق بعد أقوال النظام الإيراني؟
في المقابل، التقط البعض في بيئة «حزب الله» الأنفاس بعد الرد الإيراني على تل أبيب وخرج للاحتفال في الشوارع، بعد صدمة كبرى رافقته طيلة النهار وهو يشاهد الضربات الإسرائيلية على طهران خلافاً للمعنويات المرتفعة التي كان «حزب الله» يضخّها في جمهوره وعلى لسان أمينه العام السابق السيد حسن نصرالله لجهة أن «اسرائيل أوهن من بيت العنكبوت». وفي وقت يترقّب البعض إذا كان لبنان سيتحوّل إلى إحدى ساحات المواجهة، صدر إعلان غير رسمي من «حزب الله» عن أنه لن يبادر إلى مهاجمة إسرائيل رداً على الضربات على إيران. وبغض النظر عن صحة هذا الإعلان وحقيقته أو إذا كان «الحزب» سيُجبَر على التدخل «لإسناد طهران» كما تدخل «لإسناد غزة»، فإن مصادر في الحكومة اللبنانية أبلغت «الحزب» أن «زمن تجاوز الدولة في إعلان الحرب انتهى، وأن لبنان لن يسمح بإدخال البلاد في أي رد، ومن سيجر لبنان لأي مواجهة لا دخل له بها سيتحمل المسؤولية».
وقد جاءت البيانات الصادرة عن الثنائي الشيعي وخصوصاً عن «حزب الله» وأمينه العام الشيخ نعيم قاسم خالية من أي تهديد ووعيد، واكتفى الشيخ قاسم بالتنديد والقول «إن العدوان لن يمر من دون عقاب» وذلك بعد يوم واحد على قوله «إن المقاومة باقية وأن الحزب دخل في ورشة كبيرة لإعادة تنظيم أموره وترميم قدراته العسكرية»، فيما بيان «الحزب» اعتبر «أن العدو الإسرائيلي تخطى كل الخطوط الحمراء، ظنّاً أنه بذلك يغيّر المعادلات، لكنه سيكتشف ‏أن الشعب الإيراني ‏العظيم سيزداد تمسكاً بحقوقه الطبيعية المشروعة وسيدافع عن حريته وعزته ‏واستقلاله بقوة».
أما موقف «الحزب» من موضوع «نزع السلاح» أو «تسليم السلاح» فيرتبط بنتائج الحرب بين إسرائيل وإيران بعدما بالغت قيادة «الحزب» في الآونة الأخيرة برفض سردية «نزع» هذا السلاح، مراهنة على استعادة قدراتها العسكرية وعلى دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فإذا استطاعت طهران إظهار نوع من قوة الردع لن يتجاوب «حزب الله» مع الدعوات لاحتكار الدولة حمل السلاح وسيبقى يربط الأمر بحوار حول استراتيجية دفاعية، أما إذا أسفرت الحرب عن إضعاف طهران فلن يكون بمقدور «الحزب» الصمود أمام الضغوط لتسليم سلاحه للدولة.
ففي ضوء هذه المعطيات، سيتم خلط الأوراق وسيكون «حزب الله» إما متمسكاً بسلاحه أو مضطراً لإعادة النظر في موقفه في المسألة بعد سلسلة الخسائر التي مُني بها بدءاً من اغتيال قادته مروراً بسقوط نظام بشار الأسد وصولاً إلى استهداف إيران بصفتها الرأس المدبّر لكل ما جرى من فوضى واضطرابات في المنطقة بعد إعلان سيطرتها على أربع عواصم عربية هي بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء ودعمها لحركة «حماس» في غزة. وبالتالي فإن المماطلة في موضوع تسليم السلاح للجيش اللبناني وربطه بالحوار حول الاستراتيجية الدفاعية سيكون غير ذي جدوى، ومن المتوقع أن ترفع بعض القوى السياسية والأحزاب نبرتها في المطالبة سواء على طاولة مجلس الوزراء أو في بياناتها وتصريحاتها بوجوب وضع جدول زمني لنزع السلاح، إضافة إلى دعوة رئيس الجمهورية العماد جوزف عون إلى حسم الأمور وعدم مناقشة مبدأ تسليم السلاح مع «حزب الله» بل نقاش إجراءات تسليم هذا السلاح.
وكانت أطراف سياسية تخوفت كثيرا من دخول «حزب الله» في هذه الحرب، وأول من سارع لإرسال رسالة إلى «حزب الله» بضرورة تحييد لبنان هو حليف «الحزب» السابق التيار الوطني الحر الذي شدد على «أن لبنان يجب ألا يكون طرفاً في هذا النزاع»، ودعا «إلى تحييده عن أي تدخل أو تورط في هذه الحرب». وتبعه الحزب التقدمي الاشتراكي الذي دعا أيضاً «إلى تقدير الظروف وعدم زج لبنان في ما لا تحتمله البلاد».
وفي تداعيات هذه الحرب أن «حزب الله» الذي بدأ يعاني من ضائقة مالية بسبب التضييق على الامدادات الإيرانية ومنع الطائرات الإيرانية من الهبوط في مطار بيروت، سيعاني أكثر فأكثر بعد الضربات والخسائر التي ستصيب إيران اقتصادياً، ما سيؤثر على ملف إعادة الإعمار الذي يضعه الثنائي الشيعي في أولوياته. وبدأ حملات في الأيام القليلة الماضية على الحكومة على خلفية عدم الاهتمام بهذا الملف وعدم تخصيص الأموال اللازمة للبدء بهذه العملية. وفي غياب هذا الدعم الإيراني سيتأخر إعمار القرى والبلدات المهدّمة في الجنوب والضاحية والبقاع، ولن تكون الدولة اللبنانية قادرة على تأمين الأموال في ظل رفض الدول الخليجية والغربية تقديم أي مساعدات طالما لم تلتقط الدولة اللبنانية الفرصة لنزع السلاح.
يبقى أن نقطة قوة طهران في السنوات الماضية كانت قدرتها على نقل المعركة مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل إلى أماكن بعيدة عن أرضها، عبر وكلائها في لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن، والبحر الأحمر. أما اليوم، فأذرع إيران قُطعت إلى حد ما، وباتت الحرب على الأرض الإيرانية، وإن لم يشكل الرد الإيراني معادلة ردع وشوهدت في إسرائيل انفجارات مماثلة لتلك التي تحصل في إيران تكون فقدت توازن الرعب. وبمعزل عن مجريات الحرب وتطوراتها، إلا أن هذه الحرب لن تخلو من سيناريوهات بالغة الخطورة ستترك تداعياتها على المنطقة وستطال لبنان بشكل أو بآخر، وقد بدأ القلق على الموسم السياحي الذي كان يعوّل عليه البعض لتنشيط الحركة الاقتصادية بعدما جرى إقفال مطار بيروت وتعليق رحلات جوية منه وإليه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى