
بدأت أسعار المحروقات في لبنان تأخذ منحى تصاعدياً خلال الأيام الأخيرة، فسجّلت بعض الزحمة على محطات الوقود وسط مخاوف من تطورات في الأحداث الإقليمية قد تنعكس سلباً ليس فقط على أسعار المحروقات بل أيضاً على قدرة اللبنانيين في الحصول عليها.
وانسجاماً مع ارتفاع أسعار النفط، ارتفع ثمن صفيحة البنزين 95 أوكتان بنسبة 6% إلى مليون و498 ألف ليرة لبنانية مقارنة مع مليون و489 ألف ليرة يوم الثلاثاء الماضي، فيما تجاوز سعر المازوت مليوناً و401 ألف ليرة بعدما كان مليوناً و389 ألف ليرة يوم الثلاثاء الماضي.
ويتوقّع التجّار أن يُسجّل المزيد من الارتفاعات في الأسعار المحلية خلال الأيام المقبلة.
هذا الارتفاع المحلي ليس إلا انعكاساً مباشراً للتوترات الإقليمية التي حملت معها مخاوف متجدّدة من تعطّل الإمدادات، إذ رَاوح سعر البرميل بين 74 و77 دولاراً بعد أن شهد قفزات بلغت في مرحلة من المراحل 14% دفعة واحدة، مدفوعة بتقارير عن استهداف محتمل لإيران أو مواقعها في المنطقة، وما رافق ذلك من تهديدات ومن ثم تنفيذ للضربات الإسرائيلية على إيران وردّ الأخيرة في الليلة التالية مباشرة.
غير أن الأسواق العالمية لم تشهد حتى الآن صدمة عنيفة، فلا يزال النفط يتحرّك ضمن نطاق يمكن اعتباره معتدلاً نسبياً، لأن خريطة التصعيد لا تبدو واضحة والمفاعيل الفعلية لأي حرب لم تتبلور بعد، وخصوصاً أنه لم تُسجّل ضربات على منصّات إنتاج نفط بعد، وإن حصلت ضربات على أماكن تخزين.
فالصادرات الإيرانية مستمرة، ومضيق هرمز يعمل بشكل طبيعي، ما أبقى الأسعار في حالة من الترقب أكثر منها في حالة ارتفاع جنوني. وفي هذا الإطار، يبقى الحديث عن سيناريوهات محتملة وتقلبات تعتمد على مدى توسّع نطاق العمليات العسكرية أو استهداف خطوط الملاحة البحرية.
على وقع هذه الأجواء، صدرت تحذيرات من مصارف ومؤسّسات مالية دولية تشير إلى أن أي انقطاع فعلي في حركة السفن عبر مضيق هرمز قد يدفع الأسعار صوب 100 إلى 130 دولاراً للبرميل. فقد حذّر محللو JPMorgan من تجاوز هذا المستوى في حالة إغلاق المضيق. وتأتي هذه التوقعات في الوقت الذي تترقب فيه الأسواق صدور بيانات جديدة حول مخزونات الخام وتعليقات مسؤولي الطاقة في الدول الكبرى، الأمر الذي قد يسرّع أو يبطّئ من وتيرة الارتفاع أو التراجع.
ولا يمكن الحديث عن النفط من دون ذكر مضيق هرمز، الممر البحري الذي يعبر عبره نحو ما بين 18 مليون برميل نفط و20 مليوناً يومياً، أي ما يعادل خُمس صادرات النفط البحرية في العالم. قيمة الحركة التجارية فيه تتجاوز المليارات اليومية. المضيق عملياً هو أداة ضغط في يد إيران وهي ورقة تستطيع أن تلعبها في حال تطوّرت الأمور أكثر.
الصادرات الإيرانية التي تمرّ عبر المضيق تبلغ نحو 1.7 مليون برميل يومياً، بما يمثّل قرابة 3% من الاستهلاك العالمي. لكنّ دول الخليج الأخرى، وعلى رأسها السعودية والإمارات، تعتمد بدورها على مضيق هرمز، ما يعني أن أي تصعيد سيؤثّر على إمداداتها أيضاً ويعزّز حالة القلق في أسواق آسيا وأوروبا.
من ناحية أخرى، ليس الغاز بمنأى عن التوترات الحالية أيضاً، إذ إن أي تصعيد فعلي في مضيق هرمز لا يهدد فقط صادرات النفط، بل يضع صادرات الغاز المُسال في عين العاصفة.
فقطر، التي تُعدّ من أكبر مصدّري الغاز الطبيعي المُسال في العالم، تعتمد بشكل أساسي على هذا الممر البحري لتصدير إنتاجها من الغاز المُسال نحو الأسواق الآسيوية والأوروبية.
ومع أن الحديث يتركّز غالباً على براميل النفط، إلا أن شحنات الغاز المُسال التي تمر عبر المضيق تُقدّر بما بين 20% و25% من الإمدادات العالمية المنقولة بحراً، ما يعني أن أي عرقلة ستنعكس فوراً على الأسعار في أوروبا وآسيا، خصوصاً مع بقاء الطلب مرتفعاً بعد شتاء طويل واستمرار الاضطرابات في أسواق الغاز العالمية منذ الحرب الأوكرانية.
وإذا جرى استهداف ناقلات الغاز، أو تعطّلت حركة الملاحة مؤقتاً، فإن الدول المستورِدة ستُجبر على الدخول في مزادات يومية لتأمين إمداداتها، فيما ترتفع كلفة الشحن والتأمين بشكلٍ قد يتجاوز قدرات بعض الاقتصادات
الهشّة.
وفي هذا السياق، يُفهم لماذا تبقى أسواق الطاقة في حالة قلق مستمر، حتى لو لم يُطلق صاروخ واحد بعد في المضيق.