تحليل السياسات

دونالد ترامب… النبي الأخير في زمن الانهيار العالمي!

د. ميراي زيادة_"الجمهورية"

لم يَعُد دونالد ترامب مجرّد رئيس الولايات المتحدة الأميركية. لقد تجاوز حدود المنصب، وتحوّل إلى ظاهرة عالمية تُعيد تعريف القوة، العقيدة، والتحالفات.

هو لم يعد إلى البيت الأبيض فقط، بل عاد إلى ساحة التاريخ برسالة واضحة: أنتم أمام رجل لا يُريد حُكم أميركا فقط، بل يُريد رسم مصير العالم.

في كل خطوة، يظهر ترامب كقائد ينقّح «وصايا السياسة»، ويؤمن أنّ مهمّته تتجاوز الرئاسة إلى إعادة تشكيل النظام العالمي بشفرات جديدة من الدين، العائلة، والردع.

وهنا، لا يمكن تجاهل أنّ مدخله الأول إلى هذا المشروع الكبير يبدأ من دائرته الأشدّ خصوصية… من عائلته.

 

عائلة تتجاوز الجنسيات… وتمهّد للعقيدة، ثلاث زوجات من ثلاث حضارات:

 

إيفانا ترامب من تشيكوسلوفاكيا، مارلا مابلز الأميركية الجنوبية، وميلانيا السلوفينية الهادئة ذات الجذور الأوروبية العميقة. ثم أبناء وأحفاد يمثلون فسيفساء دينية مذهلة: إيفانكا ترامب التي اعتنقت اليهودية ومتزوّجة من جاريد كوشنر وريث التيار الصهيوني المتديّن، أحفاد يهود، وآخرون إنجيليون، وكاثوليك.

 

وأخيراً، حفيد يحمل اسماً مسيحياً أرثوذكسياً من أصل لبناني، بعد زواج تيفاني ترامب من ابن رجل الأعمال مسعد بولس.

 

إذاً، هو لا يقدّم عائلةً أميركية تقليدية بل عائلة مصغّرة عن «الشرق الأوسط الكبير» بنسخته الجديدة.

عائلة تتقاطع فيها العقائد، وتنبثق منها رمزية تتجاوز السياسة إلى اللاهوت.

 

ترامب النبي… في زمن السقوط

 

لم يَعُد فقط رجل أعمال أو نجم استعراض. لقد تبنّى صورة «النبي المختار».

رفع الكتاب المقدّس أمام كنيسة بعد احتجاجات، أعلن القدس عاصمة روحية واستراتيجية لإسرائيل، وصف نفسه بـ»المختار» أمام تجمعات إنجيلية، واليوم، يتعهّد بالقضاء على «قوى الشر» في إيران ولبنان وسوريا واليمن والعراق.

ما نراه هو بمثابة سردية نبوءة. فترامب لا يقدّم خطة سياسية بل «رؤية آخر الزمان» بنكهة أميركية، وصبغة إنجيلية – صهيونية.

 

القوة… الدين… الدم

 

ترامب يؤمن أنّ «السلام يأتي بالقوة»، وأنّ «المعادلة الروحية» لا تقلّ أهمية عن «المعادلة النووية».

تحالفاته الدينية مع الكنائس الإنجيلية، والطائفة اليهودية، وحتى العقيدة الأرثوذكسية عبر زواج تيفاني، كلّها ملامح عقيدة جديدة: عقيدة تؤسس لنظام عالمي لا يقوم على العدل أو القانون بل على «الحق الإلهي» كما يراه هو.

 

العائلة، العقيدة، والردع النووي: مثلث ترامب المقدّس. إنّه لا يواجه خصوماً انتخابيِّين، بل يواجه فكرة «الليبرالية الغربية» التي يراها منهارة أخلاقياً وضعيفة سياسياً.

لذا، يسعى إلى خلق بديل جديد: نظام يعيد الاعتبار للقوة، للإيمان، وللتاريخ المتجذّر. مشروع ترامب ليس إنقاذ أميركا بل إعادة صياغة العالم.

في هذا النموذج الجديد: تُضرب إيران باسم «نهاية الشر»، يُعاد ترسيم الشرق الأوسط باسم «السلام من موقع القوة»، وتُربط السياسة بالأنساب، والدم، والتحالفات الماورائية.

 

هل ترامب نبي أم قيصر العصر الحديث؟

 

قد لا يرتدي عباءة نبي، وقد لا يحمل صولجان إمبراطور، لكنّه يتحرّك كمَن اختارته «قوى التاريخ» لقيادة مرحلة ما بعد الفوضى. إنّه يعلن نفسه الوصيّ على النظام العالمي المقبل.

 

وبينما يراقب العالم ارتباكه وضعفه، ينهض ترامب كصوت «الحق الصاخب»، وكرجل يظن أنّ القدر هو برنامجه السياسي.

فهل نحن أمام رئيس؟ أم أمام المخلّص الأخير لنظام القوة؟ الجواب… سيكون جزءاً من قصة العالم القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى