بلديات

قرار بـ”بشرّانية” القرنة السوداء يشعل السجال مع الضنية

رنا البايع_"المدم"

أصدرت القاضي العقاري في محافظة الشمال تراز مقوّم قراراً في قضية الحدود المتنازع عليها بين بشري والضنية، يقضي بتثبيت القرنة السوداء ضمن النطاق الجغرافي لقضاء بشري.

من على ارتفاع 3088، صراع عمره سنوات دائر بين بشري والضنية على ملكية القرنة السوداء، فيما أهميتها تتخطى هذه الخلافات العقارية التي ذهب ضحيتها خيرة من شباب المنطقة، إذ أنّها تعدّ المغذّي الأوّل لخزانات المياه الجوفية لمنطقة الشمال، ناهيك عن فرادتها وثرواتها الطبيعية النباتية والحيوانية المتنوعة.

في خضم هذه المعمعة، برز موقف لافت لرئيس هيئة الحفاظ على البيئة في بشري الدكتور يوسف طوق يعبّر عن الاعتدال في زمن التطرّف، يشير فيه إلى أنّ القرنة السوداء ليست ملكاً لأحد، لا للضنية ولا لبشري، بل هي ملك اللبنانيين جميعاّ لما تحويه من تراث عالمي وثروات طبيعية ومائية ونباتات نادرة. ويؤكّد الدفاع بقوة عن سلامة الجبال العالية والبيئة بالتعاون مع جميع الجمعيات والبلديات والمؤسسات والأفراد المهتمين بالبيئة.

ولعلّ الوقت حان لتقوم الدولة بواجباتها عبر تنفيذ القرار الصادر في 1998 عن وزير البيئة آنذاك أكرم شهيب، الذي أعلن القرنة السوداء محمية طبيعية، ما سيجنّب المنطقة هذه التّشنّجات التي لا طائل منها سوى اتساع الهوة بين البلدتين الجارتين.

قرار غير نهائي
مع أنّ القرار الذي صدر اليوم ليس نهائياً بل إعدادياً وقابل للاعتراض، نشطت حرب بيانات بين سياسيي طرفي النزاع. النائبة ستريدا جعجع بادرت في بيان إلى تهنئة أهالي بشري بإحقاق الحقّ ووضع الأمور في نصابها التاريخي والواقعي الممتد من جيل إلى جيل. والنائب وليام طوق اعتبر أن القرار يؤكّد “بشرانية” القرنة السوداء مثمّناً التضحيات التي تكبّدتها بشري، مستذكراً الشهيدين مالك وهيثم طوق.
على الجهة المقابلة اعتبر النائب جهاد الصمد أن تصريح جعجع يفتقد للدّقة القانونية، مشيراً إلى أنّه سبق لأمين السجل العقاري في لبنان الشمالي أن أصدر في العام 2014 قراراً أكّد فيه، بعد الكشف وتكليف مسّاحين، أنّ القرنة السوداء تقع ضمن النطاق العقاري لبلدية بقاعصفرين في الضنية.
وفي حديث لـ”المدن” أمل الصمد عدم استباق القرارات القضائية لحين صدور القرار النهائي والمبرم من القضاء، الذي يظلّ الفصل في دولة القانون، مؤكّداً الحرص “على أفضل علاقات الجيرة والأخوة التي تربط أهلنا في الضنية وبشري”.
من جانبه تمنّى النائب فيصل كرامي على السياسيين في بشري أن يكفّوا عن استخدام دماء الناس في هذه المسألة التي ليست أكثر من نزاع عقاري، وأن يتمهّلوا في إيهام الرأي العام بانتصاراتهم في انتظار النتائج القضائية والقانونية النهائية. وقال لـ”المدن”: “هناك أصول قانونية سنلجأ إليها، لا سيما أنّ القرار قابل للاعتراض أو للاستئناف أو للتمييز ويعتريه الكثير من الثغرات القانونية والفنية والهندسية، وسنستمر بالطرق القانونية حتى إثبات الحق”.

مغالطات بلدية بقاعصفرين؟
رئيس بلدية بشري السابق فريدي كيروز، الذي تابع تفاصيل قضية القرنة السوداء منذ البداية، استغرب استعجال ردّ الصمد معتبراً أنه لم يقرأ نص القرار بإمعان. وقال: “الصمد اعتبر أن القاضي العقاري لا صفة له، فيما القرار يؤكد إنّه وفق أحكام القرار 1926/186، القاضي العقاري هو المشرف على عملية التحديد والتحرير، وله بهذه الصفة اتخاذ التدابير والقرارات لضمان حسن سير الأعمال”.
وتابع كيروز تفنيد مغالطات الصمد، بالحديث عن إشارة القرار إلى أنّ “بلدية بقاعصفرين أبرزت خريطة منظّمة من قبل مسّاح كلَّفته هي بتنظيمها، لذا لا يمكن الاعتداد بها كوسيلة إثبات”.
ويذكّر كيروز باللقاء الذي عيّنته المحكمة في 13-12-24 بناءً لطلب الفرقاء بين رئيسَي البلديتَين لمناقشة الحلول المطروحة للنزاع، وأنّه لم يتمّ التوصل إلى حلّ يوافق عليه الجميع، وقد صرّح الفريقان بضرورة متابعة الموضوع قضائياً لدى هذه المحكمة.

ويقول: “نحن منذ اللحظة الأولى ملتزمون قرار المحكمة، لا سيما أنّ القاضي العقاري يبني قراره على إثباتات وأدلّة دامغة”، ويؤكد كيروز، أن ملف بشري، المستنِد إلى خرائط 1863 والخرائط الصادرة عن دائرة المساحة لمنطقة نبحا العقاريّة (قضاء بعلبك) المجاورة للمنطقتين، هو الأقوى وأدّلته واضحة ومتينة.

ويضيف: “لجأنا إلى القانون لنبتعد عن لغة الدم والمشاكل، وبلدية بشري كانت تقدّم بشكل شهري مستندات وملفات تؤكّد أحقيتها بالقرنة السوداء، ولطالما كانت شرطة البلدية بمساعدة الجيش تسيّر دوريات في المنطقة حتّى في عزّ الخلافات، نحن موجودون في القرنة دوماً”.

المشكلة تتخطّى ملكية الأراضي إلى الحقّ في استخدام المياه، خصوصاً بعد أن تبيّن في 2019 أن  بلدية بقاعصفرين تبني بركة اصطناعية تستمدّ مياهها من القرنة السوداء ما يفاقم من مشكلة الشحّ في منطقة بشري تحديداً في موسم الصيف. إلا أن قضية هذه المنطقة التي يفترض أن تكون محمية للبنان، تستخدم لتأجيج الصراع الطائفي والأهالي بين المنطقتين بغية شد العصب. ففيما أثلج قرار قاضية العقارية قلوب البشرانيين، وقع كالصاعقة على رؤوس أهالي بقاعصفرين، الذين أبدوا عتباً كبيراً على سياسيي المنطقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وحملوهم مسؤولية الإهمال والتقصير في المطالبة بالحقوق وملاحقة الملف وتقديم الأدلة الكافية للفوز بالقضية، والحفاظ على القرنة السوداء كمنطقة “ضناوية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى