تحليل السياسات

ردُّ «الحزب»: السلاح خارج النقاش!

طوني عيسى_"الجمهورية"

ثمة مؤشرات قوية إلى أنّ سقف الردّ اللبناني الرسمي على ورقة الموفد الأميركي توم برّاك سيكون أدنى بكثير مما تريده واشنطن. وسيكتشف برّاك، كما مورغان أورتاغوس وعاموس هوكشتاين قبله، أنّ «حزب الله» مستعد لمناقشة أي مسألة، لكنه أبداً لن يسمح لأحد بالاقتراب من سلاحه. وهذه المسألة ستؤدي إلى دخول لبنان في مأزق عميق.

بإصرار، وفي شكل واضح ومقصود، ولكي يقف الجميع عند حدودهم، في الداخل قبل الخارج، قالها قادة «الحزب»، بما معناه: «ما يطرحه برّاك أو سواه لا يعنينا. سلاحنا هو ضماننا ولن نتخلّى عنه». وهذا الموقف يؤكّد المؤكّد. فـ«حزب الله» لم يوافق يوماً ولن يوافق على تسليم السلاح. وثمة حيثيات عميقة تدفعه إلى التمسك بهذا الموقف:

 

1- يعتبر «الحزب» سلاحه جزءاً لا يتجزأ من هويته ومبرّر وجوده، وخط دفاعه الأول. وهو ليس مجرد قرار سياسي، بل هو في صلب عقيدته الأيديولوجية والعسكرية.

 

2- في السابق، نجح «الحزب» بتجنّب التزام القرار الدولي 1701، في ما يتعلق بوجوده جنوب الليطاني وتسليم سلاحه. وهو لن يفعل ذلك في ظل أي ظروف أخرى.

 

3- يراهن «الحزب» على أنّ طهران ستتملّص من الضغوط الأميركية والإسرائيلية الحالية، ولن تدعه يتخلّى عن هذا السلاح الذي به تؤمّن مصالحها الاستراتيجية على ساحل المتوسط وحدود إسرائيل.

 

4- يرى «حزب الله» أنّ لا بديل له من سلاحه، لا لـ«المقاومة» ضدّ إسرائيل فحسب، بل خصوصاً للحفاظ على موقعه المتميز داخل المشهد السياسي اللبناني. فأي محاولة لانتزاعه ستكون تهديداً وجودياً له. وفي عبارة أخرى، هو لن يسلم السلاح إلّا لدولة يمتلك مفاتيح قرارها بكاملها.

 

في السياسة، معنى ذلك أنّ الوضع معقّد جداً، بل يحمل في طياته احتمالات تفجير. ويمكن تصور سيناريوهات عدة في هذا السياق، لكن أكثرها ترجيحاً هو استمرار التوتر وتصاعد الضغوط على لبنان و«الحزب»، بشقيها الأميركي والإسرائيلي.

ad

فمن المرجح أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة على شخصيات ومؤسسات مرتبطة بـ«الحزب»، وكذلك على أي جهات لبنانية تسهل عمله أو تدعمه مباشرة أو مداورة. كما ستزيد من عمليات التضييق المالي على المصارف والمؤسسات المالية اللبنانية لمنع تدفق الأموال إلى «الحزب». والأخطر أنّها قد تعمل على عزل الحكومة اللبنانية سياسياً، ما يشمل تقليص المساعدات أو فرض شروط قاسية عليها.

 

وأما في الجانب الإسرائيلي، فقد يشهد لبنان تصعيداً للضربات العسكرية الدموية والتدميرية في شكل يومي. وهذا التصعيد يثير المخاوف من عودة الحرب على مداها. وسيعني هذا الواقع تكريساً للشلل السياسي الداخلي، بحيث تبقى الحكومة عاجزة عن اتخاذ أي قرار حاسم في شأن السلاح، حتى الفلسطيني، كما في عدد من الملفات الإصلاحية الحيوية. وفي هذا المناخ، بديهي أن تتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.

وفي أفضل الحالات، سيكون السيناريو الأكثر ترجيحاً هو استمرار حالة الـ«لا حرب ولا سلم» على الحدود مع إسرائيل، لكن لا مجال لتجنّب العقوبات الأميركية بقطع المساعدات والعزل السياسي. وستظل الدولة اللبنانية ضعيفة ومنبوذة عربياً ودولياً، فيما تتقدّم الحكومة السورية خطوات في الانفتاح على العرب والمنطقة ودول العالم، وتحظى بثقة متزايدة.

 

هذا التصور المخيف ليس خافياً على «حزب الله». ولكن، على رغم من ذلك، يصعب كثيراً تصور سيناريو يسلّم فيه سلاحه طوعاً، في المستقبل المنظور. وفي نظر الحكومة اللبنانية، أنّ مواجهتها لمطالب الأميركيين وإسرائيل وتحمّلها العواقب ولو أدّت إلى تدمير البلد، يبقيان أسهل من مواجهة «حزب الله» بقرار نزع السلاح. وفي اعتقاد أركان الحكم أنّ الأفضل والأسلم للبلد هو أن يتركوا لـ«الحزب» نفسه اتخاذ القرار المناسب في شأن السلاح، مباشرة ومن خلال الرئيس نبيه بري، وأن يَدَعوه «يقلّع شوكه بيديه» ويتحمّل بنفسه المسؤولية عن خياراته. ففي أي حال، سيبقى ذلك أفضل من محاولة الفرض بالقوة، التي ستؤدي حتماً إلى مواجهة أهلية لا أحد يعرف مداها وعواقبها.

وفي الانتظار، يعرف برّاك أنّ الفشل في انتظاره. فعند الأميركيين دائماً معلومات «طازجة» عن كل شيء في لبنان وحكامه وسياسييه، وهم بالتأكيد يعرفون ما سيكون ردّ الحكومة اللبنانية، قبل أن يعرفه المسؤولون اللبنانيون أنفسهم. والتقارير عن مواقف كل طرف، وعن مجريات البحث داخل لجنة المستشارين المكلّفة إعداد تصور في هذا الملف، لا بدّ أنّها تصل إليهم في انتظام.

 

وبناءً على ذلك، يعرف برّاك أنّه لن يسمع الكلام الذي يطمح الأميركيون إلى سماعه في ملف السلاح. ولكن عليه أن يؤدي مهمّته. وطبعاً سيكون غاضباً في زيارته المقبلة، لكنه لن يُفاجأ، وسينقل هذا الغضب إلى إدارته لتقرّر الردّ المناسب. وسيترقب الجميع أولاً الاتجاه الذي ستسلكه الأزمة مع إيران ومستقبل نظامها. وعلى طريقة «حسني البرزان» الطريفة «إذا أردنا أن نعرف ماذا في لبنان، علينا أن نعرف ماذا في إيران». فلننتظر، أياماً على الأرجح، لا أسابيع ولا أشهراً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى