
في حادثة مؤلمة هزّت قلوبنا جميعًا، أقدم الشاب كريستوفر إلياس أبو شديد من مواليد عام ٢٠٠٨ من سكان جعيتا على إطلاق النار على رأسه من مسدس حربي وذلك بعد شجار وقع بينه وبين صديقته. وقد نُقل على الفور إلى مستشفى سان جورج – عجلتون، حيث كانت حالته حرجة جدًا، ولم تمضِ ساعات حتى فارق الحياة، تاركًا وراءه ألمًا لا يوصف وصدمةً عميقة في قلوب أهله وأحبّائه وأبناء جيله.
إن هذه الحادثة ليست مجرد خبر يُروى، بل هي مأساة تمسّ كل بيت وكل عائلة، وهي ناقوس خطر يدقّ في وجه المجتمع ومؤسساته التربوية والاجتماعية.
بعد ما حدث مع كريستوفر، نرفع الصوت كأهالٍ، ونطالب بشكل عاجل أن يكون في كل مدرسة حصة ثابتة وممنهجة تُعنى بالصحة النفسية للمراهقين. نريد مساحة آمنة لأبنائنا داخل المدارس يتحدثون فيها عن مخاوفهم، عن مشاكلهم، عن مشاعرهم، عن ضغوطاتهم التي قد لا يستطيعون التعبير عنها في البيت أو أمام الأصدقاء.
إننا نطالب بتوفير أخصائيين نفسيين في كل مدرسة، لأن الوقاية خير من العلاج، ولأن الشاب أو الفتاة في سن المراهقة يحتاجون لمن يستمع إليهم بوعي ومهنية، ويأخذ معاناتهم على محمل الجد. هذه المراحل الحساسة من عمرهم قد تكون فارقة، إما نحو النجاة أو نحو السقوط.
ما نفع العلم والحصص كلها عند فقدان الأولاد؟
أي قيمة تبقى للرياضيات واللغات والتاريخ إن كان التلميذ غائبًا عنها إلى الأبد؟ إن التربية الحقيقية تبدأ من رعاية النفس وحمايتها، قبل أي معلومة أو امتحان.
نعم، نريد أن نعلّم أبناءنا أن الحياة لا تقف عند مشكلة عاطفية، أو صعوبة دراسية، أو أزمة عائلية. نريدهم أن يعرفوا أن الألم جزء من الحياة، لكن الحياة تستمر. وأن التعب النفسي لا يعني النهاية، بل هو دعوة للطلب والمساعدة.
نريد أن نحمي قلوب الأمهات والآباء من أن تُكسَر فجأة، بعد كل هذا التعب في التربية والرعاية والحب.
كريستوفر اليوم لم يعد بيننا، لكنه أطلق صرخة من خلال رحيله، وواجبنا أن نسمعها.
لنحوّل وجعه إلى وعي، وصمته إلى صوت، وخسارته إلى حماية لغيره من المراهقين الذين يمرّون بصمت تحت ضغط لا يُرى.
الرحمة لروح كريستوفر، والسلام لقلب كل أمّ وأب.
ولنبدأ جميعًا بخطوة جديّة نحو حماية أولادنا نفسيًا قبل أي شيء آخر.