أخبار محلية

البابا لمرضى مستشفى الصليب: “أنتم في قلبِ الله… لا تنسوا ذلك أبدًا!

 

 

استهلّ قداسة البابا لاوُن الرابع عشر يومه الثالث والأخير من زيارته الرسولية إلى لبنان بمحطّة إنسانية مؤثّرة في دير ومستشفى الصليب للأمراض النفسية والعقلية التابع لجمعية راهبات الصليب، حيث اختار أن يلتقي بعضًا من “الأصغر في نظر العالم” ليجعلهم في قلب الرسالة والرجاء.

 

عند مدخل الدير، كان في استقبال الحبر الأعظم الرئيسة العامة لجمعية راهبات الصليب الأم ماري مخلوف وعدد من الراهبات، إلى جانب السيدة الأولى نعمت عون. وتوجّه موكب البابا إلى القاعة التي شُيِّدت على اسمه وتحمل اليوم رسمياً اسم “قاعة البابا لاوُن الرابع عشر”، حيث التقى الراهبات والعاملين في المستشفى وجمعًا من المرضى.

 

وفي أجواء طغت عليها الدموع والتأثر، ألقت الأم مخلوف كلمة ترحيبية باسم الجمعية والمستشفى، وصفت فيها مستشفى الصليب بأنه «المستشفى الذي لا يختار مرضاه، بل يحتضن بمحبة أولئك الذين لم يخترهم أحد»، مؤكّدة أنّ المرضى هنا هم «نفوس منسيّة، لا تُرى على الشاشات ولا تُسمع من على المنابر»، وأن زيارة البابا تشهد لهم بأنّهم «أعزّاء على قلب الله وقلب الكنيسة». وتوقّفت عند «معجزة الاستمرار» في هذه المؤسسة، التي واصلت فتح أبوابها في وجه الأشدّ ضعفًا رغم الانفجار والجوع والأوبئة وانهيار مؤسسات الدولة، مشدّدة على أنّ ما يفسّر هذا الصمود ليس منطق الاقتصاد ولا حسابات العالم، بل عناية إلهية حيّة وشفاعة الطوباوي الأب يعقوب الكبوشي مؤسّس الجمعية، الذي «حَوّل فلس الأرملة إلى فيض محبة»، على حدّ تعبيرها. كما رفعت باسم الراهبات والمرضى صلاة حارّة ليأتي يوم إعلان قداسته رسميًا على مذابح الكنيسة، «ليسطع من جديد كمنارة محبة للفقراء وصورة حيّة للتعايش، هو الذي قال: ديني لبنان وكل المتألّمين».

 

ثم تتابعت الشهادات المؤثّرة من داخل “بيت الرحمة”. فقد نقل أحد المرضى، في كلمة باسم نزلاء المستشفى، فرحهم العميق بزيارة الحبر الأعظم، واصفًا حضوره بأنه “نور في حياتنا يخفّف من آلامنا ويعيد إلينا الشجاعة والرجاء”، ومتمنيًا أن يتعرّف العالم أكثر إلى هذا المكان” الممتلئ إنسانية ومحبة” وإلى رسالة الأب يعقوب “رمز التفاني والقداسة”.

 

وفي كلمته إلى المرضى والراهبات والأطباء والطاقم التمريضي، شكر قداسة البابا الحضور على الاستقبال والترنيمات التي رفعت، وقال إنّه أراد شخصيًا أن يأتي إلى هنا “لأن يسوع يسكن في هذا المكان: فيكم أنتم المرضى، وفيكم أنتم من تخدمونهم”. وحيّا الأم مخلوف وجميع راهبات الصليب على مواصلة مسيرة الطوباوي الأب يعقوب، “رسول المحبة المتعب”، كما عبّر، مشيدًا بخدمتهم البشوشة والمجانية للمتألمين. كما توجّه بالشكر إلى الأطباء والممرّضين والعاملين في المستشفى، واصفًا إيّاهم بأنهم “مثل السامري الصالح الذي يتوقّف عند الجريح ويعتني به لينهضه ويشفيه”، مشجّعًا إيّاهم على عدم فقدان فرح الرسالة رغم صعوبة الظروف، لأن ما يقومون به “عمل عظيم في عيني الله”.

 

ودعا البابا من قلب دير الصليب إلى عدم نسيان الأكثر هشاشة في المجتمع، محذّرًا من نموذج عالمٍ “يجري وراء أوهام الرفاه متجاهلًا وجوه الفقر والضعف”، ومذكّرًا بأنّ الإنجيل وصراخ الفقراء يطالبان الكنيسة دائمًا بأن تكون في الصف الأول إلى جانبهم. وتوجّه إلى المرضى بكلمات أبويّة مؤثّرة قائلاً إنّهم “في قلب الله الآب، يحملهُم في كفّ يده”، وإنّ الرب يهمس لكل واحد منهم اليوم: “أنا أحبك، أنت ابني… لا تنسوا ذلك أبدًا”. ثم ختم بالقول: “شكرًا لكم جميعًا… الله معكم”، قبل أن يمنحهم البركة الرسولية.

 

في ختام اللقاء، سلّمت الأم ماري مخلوف لقداسة البابا أيقونة للطوباوي الأب يعقوب الكبوشي كُتبت عليها عبارته الشهيرة: “يا صليب الرب، يا حبيب القلب!”، فيما قدّمت إحدى المبتدئات شعار الفاتيكان مطرَّزًا على علم من صنع إحدى الراهبات. وردّ البابا بتقديم تمثال للقديس يوسف حاملاً الطفل يسوع هديةً تذكارية للأم مخلوف وللمؤسسة. وبعد انتهاء اللقاء العلني، قام الأب الأقدس بجولة بعيدة عن الإعلام في أجنحة المستشفى، وتحديدا مبنى سان دومينيك، متوقّفًا مع بعض المرضى والعاملين، في زيارة ستظل محفورة طويلاً في ذاكرة دير الصليب وقلوب “المنسيّين” الذين وضعهم الحبر الأعظم في قلب الكنيسة والعالم.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى