ستحمل سنة 2019 على ما يبدو خطايا سنة 2018 المثقلة بالفشل السياسي والرسمي والحزبي على كل المستويات، وحتى بالتحرّك الشعبي الذي أنتج بعض الحالات الفوضوية والعبثية وإن كانت النوايا سليمة وصافية، إذ أن مؤشرات الحراك القائم منذ أكثر من سبعة أشهر لتشكيل الحكومة لم يُسفر سوى عن مزيد من الانقسام السياسي والطائفي تحت حجج استعادة الحقوق أوتثبيت المواقع أو تحقيق التوازن أو تصحيح التمثيل، بينما حالة المواطن إلى تقهقر وتردّ شهراً بعد شهر، حتى وصل به الحال إلى استجداء هدية من برنامج تلفزيوني نظراً لحاجته.
بدأت خطايا العام الماضي من إقرار قانون للانتخابات النيابية هجين ومشوّه وطائفي ومذهبي، لبّى فقط أطماع القوى السياسية بالاستحواذعلى كلّ مقدّرات البلد، وأنتج مجلساً نيابياًأكثرية أعضائه من رجال الأعمال ومن الموظفين لدى الزعماء، وليس فيه مشرّعين أكثر من عدد أصابع الكفّ الواحدة، وهم غير مؤثرين نظراً لتبيعة بعضهم إلى الزعامات التي تُقرّر وتأمر وتنهي.
واستمرت الخطايا بالمعايير التي وضِعت لتشكيل الحكومة، فظهرت أنها أيضاً تلبّي أطماع الطبقة السياسية القابضة على عنق البلد والاقتصاد، لكنّ اختلافها على المصالح أسقط كلّ توجّه إيجابي لتشكيل حكومة كان يُفترض أنها ستتجاوز كلّ السلبيات التي يُعاني منها المواطن، خاصة أنها مدعومة ومستندة إلى مؤتمر باريس الاقتصادي “سيدر”، الذي يُعتبر بنظرالبعض أيضاً من الخطايا المالية والاقتصادية كونه يُرتّب على لبنان ديوناً وأعباء إضافية ولو بعناوين تعزيز الاستثمار وتحسين البنية التحتية وإيجاد فرص عمل للشباب مستحيلة التحقيق لكون آلاف المؤسسات والشركات أقفلت أبوابها نتيجة الأزمة الاقتصادية والمالية، ولكنه يُحقق أطماع بعض المتنفذين.
ويبدو أن سنة 2019 ستحمل معها أيضاً خطايا تلوّث البيئة واستمرار الإفساد والفساد ونهب وهدر المال العام، وانعدام المساءلة والمحاسبة نتيجة تغييب وشلّ دور هيئات الرقابة، وتنامي الدين العام، وزيادة المحسوبيات في إدارات الدولة تعيينات وممارسة إدارية، والأهم والأخطر أنها ستحمل خطيئة شلل المؤسسات الدستورية من مجلس نيابي وحكومة، عدا تجاوز نصوص الدستور والقوانين، نتيجة سياسة الكيد والمناكفات والانقسامات والمصالح النفعيّة للقوى السياسية.
لا زال في البلد ثمّة مرجعيات وقيادات واعية وعاقلة وحكيمة ترفع الصوت عاليا لتصحيح الاوضاع، لكن من دون أن تلاقي إلاّ رجع الصدى لصوتها، فماكتبته القوى السياسية هو الحاصل وما تقرّره هو النافذ، والأمل بالإصلاح والتقدّم والإزدهار صارمجرد حلم أو وهم في بلد نخره الفساد، ويجمع عدد من الخبراء والعقلاء والمختصين على أن لبنان الرسمي يفتقر إلى الرؤية بعيدة المدى لمعالجة مشكلاته المتفاقمة، ويعالج مسؤولوه هذه المشكلات “بتركيب الطرابيش”، وعلى قاعدة “كل يوم بيومه”.
ومع كل ذلك، نقول لهذا البلد الجميل “سنة حلوة يا جميل”، عساها تكون أفضل من سابقتها، ولو بحد أدنى من الشعور بالمسؤولية الإنسانية والأخلاقية قبل أي شيء لدى المسؤولين غير العابئين بهموم الناس.
يناير 2, 2019