ثقافة ومجتمع

مش متل عنا بدبي…بتوقيع فيوليت غزال البلعة

كم هو مؤلم قلق اللبنانيين على ليرة يخشون أن تتهاوى تحت وطأة عوامل غير مساعدة، لتطيح بجنى العمر الذي يدخرونه في ودائع، تبدو لبعضهم متواضعة، لكنها تشكّل كل “الثروة”. فيسألون، ويلحّون لمعرفة مصير ستسلكه الليرة في مستقبل قريب، تؤكد شائعات أنه سيكون “غير آمن”، رغم أن الحاكم رياض سلامة أكد من بعبدا أمس، وكما في كل إطلالة له، “أن الإمكانات متوافرة لمتابعة تنفيذ السياسات النقدية التي يتّبعها مصرف لبنان والتي حققت الإستقرار المالي في البلاد”.

كم هو مؤلم إهتزاز مشاعر الثقة التي بناها لبنان، لبنة لبنة، لكي يعيد إستقطاب ما فقده من ودائع وإستثمارات يحتاجها اليوم بشدة من أجل نهضة إقتصادية تعيد بعضا من الروح إلى إقتصاد متهالك، تدّل على مسيرته مؤشرات ما بقي يدور من عجلة قطاعات لم تستسلم كليا بعد أمام الصدمات.

كم هو مؤلم إستمرار فشل الطبقة السياسية في ردم الفراغ الحكومي بطاقم متجانس من حيث التطلعات والرؤية، ومتوافق على أولوية إنقاذ المجتمع من الضائقات التي تتهدّد معيشته في عام مزدحم بالإستحقاقات المصيرية بكل أنواعها.

وكم هو مؤلم واقع إنفصال السياسيين عن المواطنين بمسافات لن تردمها شعارات تستغل العلاقات الطائفية ولا الحزبية أو المناطقية، بعدما لامس الوضع المعيشي خطوطا حمراء لتنذر بإتساع دائرة “الفقراء قسرا”، مع كل ما يستتبع ذلك من إنعكاس على لقمة العيش وفرصة العمل والطبابة والإستشفاء والتعليم، وأيضا فواتير الخدمات الأساس “غير المتوافرة”…

إزدحمت أيام العطل الأخيرة، بتقارير لشركات ومصارف تضع لبنان تحت مجهر المراقبة الدولية والدورية، لتفنّد الأولويات وتقترح الحلول وإن إختلفت حول الخطط والبرامج الإنقاذية. من “ماكينزي” إلى “غولدمان ساكس″، وقبلهما “موديز″ و”فيتش” وصندوق النقد والبنك الدوليين، قراءات مفيدة في الوضع الشائك، ونصائح صائبة لمشكلات قاتلة لمقومات الناتج المحلي الإجمالي للبنان، تبدأ بالإصلاحات ولا تنتهي بمكافحة الفساد في توصيف بات محفوظا عن ظهر قلب، ولا يحتاج إلا إلى قرار تنفيذي صارم وصريح.

لكن، لمَن تلك المزامير، والقطاعات الاقتصادية تنذر بأرقامها كيف سيكون شكل العام الجديد؟ تطوّر المؤشرات بالأرقام، أحصته نشرة Lebanon this Week كالآتي:
– توصية شركة “ماكينزي” -في تقريرها الذي نشرته وزارة الاقتصاد والتجارة على موقعها الإلكتروني في 3 من الجاري- بنحو 160 مبادرة لمواجهة التحديات الاقتصادية.
– تأكيد وكالة “فيتش” التصنيف السيادي للبنان عند مستوى -B، مع تراجع الرؤية المستقبلية إلى “سلبي”.
– مراجعة وكالة “موديز” توقعاتها بشأن 3 مصارف لبنانية عقب خفض التصنيف السيادي للبنان.
– إنخفاض أصول مصرف لبنان الخارجية بنسبة 5.5% إلى 40 مليار دولار في 2018.
– إرتفاع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 6.3% في أول 11 شهرًا من 2018.
– بلوغ تدفقات التحويلات إلى لبنان قيمة 3.6 مليار دولار في النصف الأول من 2018.
– بلوغ العجز المالي نحو 4.5 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من 2018، أي ما يعادل 34.2% من النفقات.
– إرتفاع العجز التجاري بنسبة 4% إلى 14 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من 2018.
– بلوغ عجز ميزان المدفوعات نحو 4.1 مليار دولار في أول 11 شهرًا من 2018.
– إرتفاع الودائع غير المقيمة بنسبة 6.3% في أول 11 شهرًا من 2018، بزيادة 9% على أساس سنوي.
– إرتفاع تعويضات موظفي القطاع العام بنسبة 25% في الأشهر التسعة الأولى من 2018.
– إنخفاض مؤشر سوق الأسهم 25% في 2018.
– إنخفاض عدد الصفقات العقارية بنسبة 18% في أول 11 شهرًا من 2018.
– إرتفاع عدد المسافرين في المطار بنسبة 7% في 2018.
– إرتفاع عدد السياح بنسبة 5% في أول 11 شهرًا من 2018.
– بلوغ صافي خسائر شركة “سوليدير” المجمعة 99 مليون دولار في النصف الأول من 2018.

هي مؤشرات قد لا تعني للكثير من الذين إقتحموا أو أُقحموا في عالم السياسة… لكنها تؤكد بأن لبنان لا يعي أهمية الأرقام، أو ربما لا “يكترث” لما تؤشر إليه… فهو طبعا ليس دبي، الإمارة التي رغم ضائقتها المالية أخيرا، تعرف كيف تسوّق لسمعتها. إذ إحتفلت وبعد إعلان رسمي سابق أمس، من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهو نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بتنظيم إحتفال في مطاراتها وبالاشتراك مع هيئة دبي للطيران المدن وشركائها الاستراتيجيين، لإستقبال الزائر رقم “مليار” منذ إفتتاح أول مطار في دبي بتاريخ 30 أيلول/سبتمبر 1960، وهو أميركي وصل مع عائلته صباح أمس قادما من أورلاندو في ولاية فلوريدا الأميركية على متن رحلة “طيران الامارات”، وخُصصت له زيارة وإقامة (فندق “أتلانتس”) وجولات مماثلة لتلك التي تعتمد لإستضافة كبار الشخصيات.

الخبر الأهم، هو معرفة أن مطار دبي الدولي إستغرق نحو 51 عامًا -منذ 30 أيلول/سبتمبر 1960 ولغاية 31 كانون الأول/ديسمبر 2011- للوصول إلى المسافر رقم “500 مليون”، لكنه إستقبل “نصف المليار” المتبقي في سبعة أعوام فقط، ما بين 2011 و2018.

“عندكن بلبنان، مش متل عنا بدبي”… عبارة تتكرّر في حوار إعلاني محلي يرّوج لأحد منتجاته. فهل يستنسخ لبنان تجارب تسويقية ناجحة عن دبي وسواها؟ ومتى؟ لا تغفلوا أن للوقت كلفة كبيرة!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى