حصلت «الأخبار» على نسخة من برقية سرية بعثت بها السفارة اللبنانية في واشنطن إلى بيروت، تتضمّن موقف الولايات المتحدة الرافض لدعوة سوريا إلى القمّة الاقتصادية، والمهدّد بالعقوبات على لبنان في حال مشاركته في إعادة إعمار سوريا
سوريا خارج القمّة الاقتصادية، بطلب من الولايات المتحدة الأميركية. والأخيرة هدّدت لبنان بفرض عقوبات عليه، في حال مُشاركته في إعادة إعمار «الشام». الموقف الأميركي، أُبلغ رسمياً إلى وزارة الخارجية والمغتربين، بأكثر من طريقةٍ، كتولّي السفارة الأميركية في بيروت نقل رسالة إدارتها، مُباشرةً، إلى المسؤولين المعنيين في قصر بسترس. أما القناة الأخرى، فتمثلت بإبلاغ وزارة الخارجية الأميركية موقفها إلى سفارة لبنان في واشنطن. ولكن، في الحالة الثانية، لم يكن الأمر «تبليغاً»، بل لبنان هو الذي دقّ الباب طالباً «النصيحة».
الرسالة الأميركية، أتت ردّاً على طلب البعثة الدبلوماسية في الولايات المتحدة الأميركية، معرفة «وجهة نظرها» من دعوة سوريا إلى القمّة التي ستُعقد في بيروت يوم الأحد المُقبل. فقد حصلت «الأخبار»، على نسخةٍ من برقية سرية (الملّف 6/4، فاكس رقم 4/11، تاريخ 3/1/2019) مرسلة من البعثة اللبنانية لدى الولايات المتحدة الأميركية إلى وزارة الخارجية في بيروت، تحت عنوان «رصد المواقف من احتمال دعوة سوريا إلى المشاركة في القمة العربية التنموية: الاقتصادية الاجتماعية في بيروت». وورد في البرقية، ما حرفيته: «أَبْلَغَنا مكتب لبنان في وزارة الخارجية الأميركية، خطياً عبر البريد الإلكتروني، بعد مراجعة الموظف لرؤسائه في الوزارة (الخارجية الأميركية) تبعاً لسؤالنا، بما يأتي: «نحثّ لبنان وجميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية على الإحجام عن توجيه الدعوة إلى سوريا. كما نحثّ لبنان على عدم اتخاذ أية خطوات تُساهم في تأمين الموارد المالية للنظام السوري، وعلى سبيل المثال إجراء استثمارات أو إرسال تمويل لإعادة البناء. وإنّ أي دعم مالي أو مادي لنظام الأسد أو الداعمين له قد يكون خاضعاً للعقوبات الأميركية»».
قرار تعليق عضوية سوريا في الـ2011، نفّذه يومها وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، لمصلحة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون. ورغم كلّ بوادر الانفتاح العربي – الخليجي على الدولة السورية، يبدو أنّ «زرّ» عودة الأخيرة إلى «الجامعة»، لن يُضغط اليوم أيضاً إلا بقرارٍ أميركي. كلّ المؤشرات تُشير إلى ذلك، وآخرها «حثّ» واشنطن للبنان والدول العربية على الإحجام عن دعوة سوريا إلى القمّة الاقتصادية. فهل هذا هو السبب الفعلي خلف غياب دمشق عن قمّة 20 كانون الثاني، وليس ما يُقال بأنّ لبنان مُجرّد مُنظِّم للقمّة وهو يوجّه الدعوات باسم جامعة الدول العربية؟ خاصة أنّ اللغة التي كُتبت بها البرقية المُرسلة من واشنطن في 3 كانون الثاني الجاري، توحي بأنّ لبنان طلب معرفة التوجّه الأميركي، ليبني على الشيء مقتضاه، في تناقض تامّ مع المواقف المُعلنة للوزير جبران باسيل.
ينفي مسؤولٌ في «الخارجية» اللبنانية أن يكون عدم دعوة سوريا إلى القمّة نتيجة لقرار أميركي، «فهذه مسألة عربية ولا دخل للولايات المتحدة بها». يقول إنّ الموقف الأميركي من مُشاركة سوريا «معروف وقد أبَلَغنا إيّاه مسؤولون في السفارة الأميركية في بيروت خلال زيارة للوزارة، وعبر طُرق أخرى». إلا أنّ المسؤول يُشدّد على أنّ «رأي واشنطن غير مُلزم لنا. العديد من الدول تُبدي وجهة نظرها من مسائل عدّة، لا يعني ذلك أن نكون مُلزمين بتنفيذها». ولماذا إذاً بادرت البعثة اللبنانية لدى الولايات المتحدة إلى طلب معرفة موقفها من مسألة عربية، إذا كنّا غير آبهين لما يصدر عن واشنطن؟ يردّ المسؤول بالقول إنّه «قد تكون البرقية مُصوغة بشكل خاطئ، فنحن لم نطلب من بعثتنا في واشنطن سؤال المسؤولين الأميركيين عن موقفهم، ولا يجوز أصلاً القيام بذلك».
«الخارجية»: لم نطلب من بعثتنا في واشنطن سؤال الأميركيين عن موقفهم
النقطة الثانية الخطيرة في البرقية الواردة من واشنطن، هي التهديد بفرض عقوبات على لبنان في حال المُشاركة في إعادة إعمار سوريا، مع ما يُحكى عن تحذيرات أميركية تلقّتها رسمياً شخصيات سياسية لبنانية. والسؤال المطروح هو إن كان لبنان سيخنع للضغوط الأميركية، ويفوّت على نفسه فرصة إعادة علاقته مع دمشق إلى السكّة الصحيحة، لما فيها من مصلحة سياسية واقتصادية. تصريحات الوزير جبران باسيل العلنية، لا توحي بأنّه سيكون مُنفّذاً للتوجهات الأميركية. فهو أكّد يوم الجمعة الماضي: «لقد خنقتنا الحرب في سوريا وأقفلت الأسواق العربية في وجهنا، فمن غير المقبول أن نخنق أنفسنا في زمن السلم. نحن طليعة المطالبين بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، ولن نكون مجرد تابع لغيرنا نلحق به إلى سوريا عندما يقرر هو ذلك. بعد الحرب هناك عمران، فهل من المعقول أن نعاقب أنفسنا ولا نشارك، لأن هناك دولة تمنعنا وتفرض عقوبات إذا شاركنا؟». وتعمّد باسيل تظهير هذا الموقف، بعد اجتماعه أوّل من أمس بوكيل وزارة الخارجية الاميركية للشؤون السياسية دايفيد هيل، مُبلغاً إياه بأنّ «لبنان مهتم بالانخراط في إعادة إعمار سوريا، ولا بد من مراعاة ذلك». فهل الخارجية اللبنانية قرّرت «مُسايرة» واشنطن في موضوع عدم دعوة سوريا إلى القمّة الاقتصادية، مُقابل التمسّك بأن يكون لبنان شريكاً أساسياً في إعادة إعمارها؟ أم أنّ ما حصل هو فعلاً «صياغة خاطئة» من السفارة اللبنانية لدى الولايات المتحدة للتقرير الذي أرسلته؟ بالنسبة إلى مصادر دبلوماسية مُعارضة لباسيل، موقفه من الانفتاح على سوريا «موجّه إلى الدول العربية، وتحديداً السعودية، وليس الولايات المتحدة الأميركية، والدليل الطلب من السفارة في واشنطن استمزاج رأي وزارة الخارجية الأميركية، فمن المُستبعد أن يلجأ السفير إلى هكذا خطوة من دون تكليف إدارته له بذلك». وتجدر الإشارة إلى أنّ البعثة الدبلوماسية لم تكتفِ بسؤال المسؤولين الأميركيين عن موقفهم من دعوة سوريا إلى القمّة الاقتصادية، فقد طلبت معرفة وجهة نظر سفراء دول عربية، منها مصر والكويت وتونس. وَضَع السفراء العرب الكرة في ملعب جامعة الدول العربية، مُتلطين خلف موقفها في هذا المجال. أما السفير المصري في واشنطن، فقد لفت إلى أنّ بلاده لم تقطع علاقتها بدمشق، طوال فترة الأزمة. في حين أنّ السفير التونسي أعلم السفارة اللبنانية بأنّ تونس لم تتخذ موقفاً نهائياً بعد من دعوة سوريا إلى القمة العربية التي ستُعقد في آذار، أو الإحجام عن ذلك، إذا لم تُقرّر الجامعة العربية إعادة تفعيل عضوية سوريا.