في لحظة وطنية دقيقة وبعد شعور مسيحي بأن وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية لم يُعِد المسيحيين بقوة الى الدولة في ظل فائض القوة لدى الثنائي الشيعي، احتشد الزعماء والنواب الموارنة تحت قبّة بكركي لاطلاق صرخة “انقاذ الوطن”
، والبحث في ما آلت اليه الاوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية في لبنان وما يجب القيام به لدرء المخاطر وطمأنة جميع اللبنانيين.وحضرت الى الصرح 33 شخصية من اصل 36 تمّ توجيه الدعوة اليها، ابرزهم رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل،رئيس ” تيار المردة ” سليمان فرنجية ، رئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميل، رئيس “حركة الاستقلال” النائب ميشال معوض، في حين غاب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع وعقيلته النائبة ستريدا جعجع لوجودهما خارج البلاد وتمثّلت القوات اللبنانية بنائب رئيس الحزب النائب جورج عدوان.
واستهل البطريرك الراعي مار بشاره اللقاء بالتوضيح ” أن اجتماعنا كموارنة هو من أجل لبنان وكل اللبنانيين. وليس في نيتنا إقصاء أحد أو التباحث في أمور خاصة بنا دون سوانا. وجل ما نرغبه أن تشركوا زملاءكم في الحكومة والبرلمان والتكتلات النيابية والأحزاب بكل ما نتداوله، وأن تعملوا مع جميع المسؤولين في لبنان بيد واحدة وقلب واحد وفكر واحد على حماية لبنان من الأخطار المحدقة به، التي استدعت وجوب عقد هذا “اللقاء التشاوري”.
وقال ” لا أحد منكم يجهل خطورة الوضعين الإقتصادي والمالي، المنذرين بالتهاوي، وخطورة وجود 1.500.000 نازح سوري.وكلكم تعلمون أن الأزمة السياسية الراهنة تكمن في أساس هذه الأوضاع الخطرة. وهي أزمة تتفاقم يوماً بعد يوم، متأثرة بالحروب والنزاعات الجارية في منطقتنا الشرق أوسطية، ومرتبطة بشؤون داخلية خلافية تتأجل وتتراكم، حتى بات الرأي العام يتخوّف من إنفجار يطيح بالكيان والخصوصية اللبنانية التي جعلته صاحب رسالة ودور بناء في منطقتنا. من أجل هذه الخصوصية لبنان محبوب من بلدان المنطقة ومن المجتمع الدولي. والدليل على ذلك مشاركة هذه البلدان في ثلاثة مؤتمرات لدعم لبنان في شهرَيمارس/ آذار وأبريل/نيسان الماضيين. كما أنه يشكل علامة رجاء لمسيحيي الشرق الأوسط “.
ورأى الراعي أن ” من أسباب هذه الأزمة السياسية عدم تطبيق إتفاق الطائف والدستور المعدَل بموجبه، بنصهما وروحهما، لأكثر من سبب داخلي وخارجي. بل أدخلت أعراف وممارسات مخالفة لهما، وسواها مما جعل من المؤسسات الدستورية ملك الطوائف لا الدولة، فأضعفت بالتالي هذه الأخيرة حتى باتت كسفينة في عرض البحر تتقاذفها الرياح. ونشأت مخاوف حيال ما يطرح في السرّ والعلن: عن تغيير في النظام والهوية، وعن مؤتمر تأسيسي، وعن مثالثة في الحكم تضرب صيغة العيش المشترك المسيحي -الإسلامي المشبه بنسر ذي جناحين، وعن غيرها، فيما تفصلنا سنة وسبعة أشهر عن الاحتفال بالمئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير. فمن المؤسف أن يتراجع نحو الوراء بعد ما حقق من إنجازات إقتصادية ومالية وثقافية “.
واضاف ” أمام هذا الواقع المقلق، وتجاه رغبة العديد من اللبنانيين المطالبين هذا الصرح العمل على القيام بمبادرة إنقاذية، رأيت من واجب الضمير أن أدعوكم إلى هذا اللقاء التشاوري المسؤول. فيجب أن نتباحث من أجل توحيد الرأي حول كيفية الخروج من حالة الخطر السياسي والاقتصادي والمالي، وحول مفاهيم ذات طابع دستوري من مثل: الدولة المدنية، وإلغاء الطائفية السياسية، واللامركزية، وحياد لبنان، والثلث المعطِل، والائتلاف الحكومي وارتباطه بقانون الانتخابات الجديد “.
ولفت البطريرك الراعي الى ” أن الوحدة اللبنانية مهدَدة اليوم. وقد سماها خادم الله البطريرك الياس الحويك “الوديعة الثمينة” التي بذل الجهود في سبيلها، لأنها بنظره “ترسي أسس الميزة اللبنانية، وهي الأولى في الشرق، إذ تحلّ المواطنة السياسية محل المواطنة الدينية “.
ثم بدأ النقاش بين النواب الموارنة وتناول البحث كل القضايا، ولم تخل المناقشات من سجالات بين رئيس تيار المرده سليمان فرنجية وعضو ” تكتل لبنان القوي ” النائب زياد اسود الذي طالب بتقوية موقع رئيس الجمهورية فردّ عليه فرنجية ” لم نأت الى هنا لدعم الثلث المعطّل لرئيس الجمهورية والحكومة ” بتمشي إذا بيتخلى التيار عن اسم واحد”.
ثم تشكّلت لجنة لصياغة البيان الختامي ضمّت النواب ابراهيم كنعان ، جورج عدوان، سامي الجميل ، اسطفان الدويهي، فريد هيكل الخازن ، هادي حبيش وبمشاركة المطران سمير مظلوم.وجاء في هذا البيان ” انطلاقاً من قناعة الموارنة الراسخة بأن لبنان ليس لهم بل هم للبنان، انعقد في الصرح البطريركي لقاء ذو بعد وطني. فالصرح البطريركي كان المجاهد والعامل الاول على قيام لبنان وهو ضنين به.
وبعد نقاش معمٌق أكد المجتمعون النقاط التالية:
اولاً: تبّني مضمون الكلمة الإفتتاحية لصاحب الغبطة والنيافة.
ثانيًا: ان لبنان المجتمع والدولة نشأ من التلاقي الحضاري والإنساني العميق بين المسيحيين والمسلمين من ابنائه وذلك منذ تلاقي هاتين الديانتين على ارضه. وهوية لبنان التاريخية هذه، التي تعكس كيانه الروحي العميق، هي التي طبعت دستوره، وليس لاحد ان يصنع للبنان هوية جديدة مغايرة لحقيقته.
ثالثًا: تعلّقهم بالوحدة الوطنية وبالميثاق الوطني والعيش مع شركائهم في الوطن وبحسن ادارة التعددية على اساس الشراكة الوطنية العادلة والمحقّة والمتوازنة وتمسّكهم باحترام الدستور وسيادة الدولة ورفض كل ما من شأنه المسّ بتوازن المؤسسات الدستورية وصلاحيات كل منها وفي مقدمتها رئاسة الجمهورية بما هي رئاسة للدولة ورمز لوحدة الوطن. لان احترام الصلاحيات المناطة بمسؤولي الدولة والتعاون المتكافىء بين السلطات الثلاث يحمي الدستور ويخدم مصلحة الوطن والناس ويعزز مناعة الدولة وهيبتها.
رابعًا: التمسّك باستقلالية القرار الوطني وبمصلحة لبنان العليا في صياغة علاقاته الخارجية والالتزام بمقتضيات انتمائه الى المنظومتين العربية والدولية حتى لا تتشوَّه هوية لبنان ويصبح في عزلة عن محيطه العربي والدولي.
خامسًا: وجوب تطبيق الدستور، نصًا وروحًا، ورفض تحويل اي استباحة له الى عرف جديد واعتبار المؤسسات الدستورية الإطار الوحيد لمناقشة الأزمات السياسية وحلِّها ورفض جميع الأساليب التي تهدّد بالانقلاب على الدولة او السطو على قرارها.
سادسًا: ان حضور المسيحيين في لبنان ودورهم الفاعل فيه، ومحافظتهم على الأرض وعلى الحرية هي شروط لاستمرار “لبنان الرسالة” كنموذج للتعددية والتنوع والحرية والديمقراطية.
سابعًا: الدعوة الى الاسراع بتشكيل حكومة وفق الدستور وآلياته تكون منتجة وتشكّل حافزاً لدى المجتمع الدولي لمساندة لبنان. والتعاون مع فخامة رئيس الجمهورية ودولة الرئيس المكلف اللذين اناط بهما الدستور عملية التأليف حتى لا يبقى لبنان عرضة للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ثامنًا: التنديد بالانتهاكات الإسرائيلية المتكررة لسيادة لبنان ومواجهة خطرها بمزيد من التضامن الوطني تحت سقف الدولة والمطالبة بتنفيذ القرارات الدولية، ورفض أي محاولة لتوطين اللاجئين الفلسطنيين في لبنان وتأكيد حقهم في العودة.
تاسعًا: دعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية للقيام بواجبهم في الدفاع عن لبنان وحفظ أمنه وسيادته.
عاشرًا: القيام بكل ما من شأنه تأمين عودة النازحين السوريين الى ارضهم بأسرع وقت والتأكيد على حقهم في العودة الآمنة الى أرضهم، لان النزوح بات يمثل تحديًا وجوديًا جديًا ويعرّض هوية لبنان وكيانه لخطر بليغ، وقد اصبحت معالجته ملحّة”.
وأخيرًا جدّد المجتمعون التزامهم “بشرعة العمل السياسي في ضوء تعاليم الكنيسة وخصوصية لبنان” الصادرة عن البطريركية المارونية.
” القدس العربي “