كيف يوحّد الموحدون مشيخة عقلهم؟ د. هشام الأعور
تشهد طائفة الموحدين في لبنان منذ فترة سجالا يتعلق بمشيخة العقل بعد ان اتفق الموحدون الدروز منذ القدم على وجود شيخا عقل ، واحد للجنبلاطيين وآخر لليزبكيين.
وفي أوائل السبعينات توفي شيخ عقل اليزبكيين الشيخ رشيد حمادة ، فلم يتم تعيين شيخ آخر مكانه. إذ اتفق زعيما الدروز في ذلك الحين الراحلان كمال جنبلاط والأمير مجيد أرسلان على أن يستمر شيخ عقل الجنبلاطيين محمد أبو شقرا شيخ عقل لطائفة الموحدين في لبنان، واتفقا على ضرورة توحيد مشيخة العقل بادخال التعديلات اللازمة على النصوص القانونية والمعمول فيها بهدف تجنب الخلافات واشاعة تفاهم بين الموحدين على رغم انقساماتهم العائلية. لكن الحرب ما لبثت أن اندلعت بعد سنوات قليلة من وفاة حمادة فلم يتيسر للزعيمين الدرزيين انجاز ما اتفقا عليه.
– [ ] وكان الشيخ محمد ابوشقرا وقبل وفاته في العام 1991 وكان على فراش الموت قد استدعى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مطالبا منه ضرورة الحفاظ على وجود الموحدين وكرامتهم وأرضهم وقال له:”لي عندك وصية هي الموافقة على أن يكون الشيخ بهجت غيث قائمقام شيخ عقل بعد وفاتي”. وقدّم له ورقة خطية ممهورة بتوقيعه تضمنت تكليف الشيخ غيث بالمنصب نظرا لما قدمه الأخير الى الطائفة في الظروف الصعبة.
– [ ] بعد سنوات قليلة على تعيين بهجت غيث قائمقام شيخ عقل الموحدين الدروز نشبت خلافات حادة بين غيث والنائب وليد جنبلاط ما لبثت ان توسعت لتشمل عددا من المراجع الدينية الدرزية.
– [ ] وعلى الرغم من كل المحاولات لمعالجة وضع البيت الداخلي منها التوصل في احداها الى اتفاق النائب وليد جنبلاط والأمير طلال ارسلان يقضي بتقاسم مقاعد المجلس المذهبي ومعالجة ملف الاوقاف وتوحيد منصب مشيخة العقل والتوافق على تعيين الشيخ ابوعلي سليمان ابوذياب في هذا المنصب. الا انه سرعان ما سقط هذا الاتفاق مع الطعن الذي تقدم به الشيخ غيث الى المجلس الدستوري وبقي الحال على ما هو عليه.
– [ ] وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان والتي تبعهما اجراءالانتخابات النيابية عام 2005 تمكن جنبلاط من احتكار المقاعد النيابية الممثلة لطائفة الموحدين للمرة الأولى منذ الاستقلال بعد استفادته من الحلف الرباعي الذي ضمه الى تيار المستقبل وخزب الله وحركة امل مستبعدا الفرقاء الآخرين، وسارع الى تقديم مشروع قانون الى المجلس النيابي لتنظيم احوال الطائفة ،قبل ان يتم البت في الطعون المقدمة الى المجلس الدستوري.
– [ ] ورغم قيام بعض الاعتراضات وأبرزها القانون المُرد من قبل فخامة رئيس الجمهورية العماد اميل لحود، غير أن قيام جلسات تشريعية أيام 3و4 أيار 2006 إذ صدّق مجلس النواب بأكثرية 73 صوتا من بينهم 4 نواب من كتلة الرئيس نبيه بري صدر قانون تنظيم شؤون طائفة الموحدين ، ومن دون توقيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ونشر في الجريدة الرسمية رقم 30 بتاريخ12/06/2006.
– [ ] وهكذا تم انتخاب اعضاء المجلس المذهبي الدرزي ، ثم كلن اجتماع المجلس المذكور في 5 تشرين الثاني سنة2006 برئاسة أكبر الأعضاء سنا وحضور 79 عضوا من أصل 89 حبث أعلن فوز الشيخ نعيم حسن شيخ عقل بالتزكية.
– [ ] وعلى الفور سارعت المعارضة الدرزية التي تمثلت بالأمير طلال ارسلان والوزير وئام وهاب والنائب فيصل الداوود والحزب السوري القومي الاجتماعي الى رفض محاولة جنبلاط الاطباق على شؤون الطائفة من خلال مشيخة العقل ومصادرة المجلس المذهبي ، معتبرين ان هناك كرامات يجب المحافظة عليها خصوصا ان الصراع الدائر بين جنبلاط وأقطاب المعارضة الدرزية هو في حقيقته صراع بين الديمقراطية في الجبل وعند الموحدين وبين الزعامة الأحادية، التي حققها جنبلاط في سنوات الحرب في حرب الجبل تحديدا والتي يحاول الحفاظ عليها بكل قوته غير مدرك او غير معترف بالتطورات التي حصلت منذ سنوات وابرزها انتهاء الحرب وعودة الوضع الدرزي الى ما ما كان عليه قبلها وبروز شخصيات وازنة ولها حيثيتها السياسية والشعبية على الساحة الدرزية.
– [ ] وفي دارة الأمير مجيد ارسلان في خلدة وبحضور اقطاب المعارضة الدرزية وحشد ديني وشعبي كبير تم تعيين الشيخ ابو فيصل نصرالدين الغريب شيخ عقل طائفة الموحدين بشكل رأى فيه عدد من المراجع الدينية في الجبل خطوة أعادت الاعتبار وأحقت الحق وربما الوسيلة بعناية من الله لتحقيق الهدف المنشود وهو توحيد الكلمة والصف وإعلاء كلمة الحق على الباطل، وهذا هو الهدف الأسمى الذي دفع الشيخ الغريب إلى قبول هذا المنصب الذي حدد في كلمتكة له حينها على ثوابته بثلاث: «رفض قانون المجلس المذهبي رفضا قاطعا، خصوصا انه مخالف لأحكام الطائفة الدرزية الروحية، ولم يراع ملاحظات مراجعنا الروحية. التمسك بأحكام الطائفة الدرزية الروحية وخطوات السلف الصالح في ما خص الأوقاف. دعم المقاومة الشريفة التي حافظت على كرامة لبنان خصوصاً والأمة عموماً، وللطائفة الدرزية دور كبير وتاريخي في تحرير هذه الأمة وصون كرامتها منذ 1200 سنة».
– [ ] واذا كان الشيخ نعيم حسن شيخ عقل “قانوني” نسبة لتعيينه وفقا لقانون عام 2006 الذي أنشأ المجلس المنظم وفق هذا القانون بإجماع النواب الدروز الذين كانوا نواباً آنذاك، بالمقابل فإن الشيخ نصرالدين الدين الغريب هو شيخ عقل”شرعي” بعد ان عيّن على قاعدة عدم الاعتراف بقانون2006 الذي ضرب كل الأعراف والقيم داخل الطائفة وتمت مقاطعته من قبل شريحة واسعة من المرجعيات الدينية بعد ان تنكر القيمين عليه لأي إجماع داخل الطائفة، وبعد قيامهم بتهريب قانون لتنظيم شؤون طائفة الموحدين يتيح لهم التحكم بشؤون الطائفة، واجراء انتخابات مجلس مذهبي شبه مزوّر .
– [ ] وبدل الاسراع الى معالجة هذا الخلل الواضح في البيت الدرزي والتخفيف قدر الممكن من عملية التهميش والاقصاء ومحاولة التفرد بالقرار استمرت سياسة الاحادية على هذا المنوال في رفضها الاعتراف بباقي المكونات الدرزية وقد انعكس هذا الأمر على انتخابات المجلس المذهبي الأخير والذي جاء يثبت حالة التذمر في صفوف الشباب الجامعيين حيث نجح الممثلون عن الجامعيين في المجلس بنسبة أصوات لم تتعد ال 200 صوت فيما طائفة الموحدين زاخرة بالشهادات الجامعية التي تفوق الخمسين ألف شهادة جامعية.
– [ ] ان هذا الاختلاف في الرأي حول ما يتعلق بمشيخة عقل الطائفة الدرزية وما يتفرع عنها من قضايا اخرى تتعلق بمسألة الأوقاف والمجلس المذهبي يستدعي بالضرورة نوع من التواصل والحوار الهادىء بعد البرودة التي عصفت بعلاقة جنبلاط – ارسلان على خلفية حادثة الشويفات واستشهاد علاء ابي فرج والتي امتدت ايضا الى نوع من التوتر على مستوى العلاقة بين جنبلاط – وهاب بعد “غزوة الجاهلية” واستشهاد محمد ابوذياب، وبالتالي التوصل الى صيغة تنظيمية مشتركةعلى مستوى ايجاد حل لمثل هذه المسائل الداخلية والتي تشكل نقاط خلاف بين الاطراف المختلفة لما فيه مصلحة ابناء الطائفة.
– [ ] فوحدة الجبل وأمنه واستقراره وتطوره وازدهاره يجب ان تبقى البوصلة والجامع الاساسي لكي يكون هذا الجبل نموذجا يحتذى به في كل لبنان، وعلى الجميع ان يتعوّد على دروز آخرين، دروز متعلمين ومثقفين، فليتواضع البعض بطموحاته وليفسح المجال امام الدروز لاخذ مساحة من الحرية.
– [ ] لقد آن الآوان ان نعوّد الناس على الاستحقاقات الديموقراطية داخل الطائفة، مهما كانت النتيجة والوصول الى قناعة مشتركة بأن كل موحد يعمل بشكل مستقيم داخل هذا المجلس المذهبي يمثّلنا جميعاً، بعيداً عن عقدة الحصص.
والوصول الى قناعة مشتركة بأن كل موحد يعمل بشكل مستقيم داخل هذا المجلس المذهبي يمثّلنا جميعاً، بعيداً عن عقدة الحصص.
المصدر: كاتب المقال
