أخبار محلية

ثقة مشروطة لافرام وتسجيل غياب “الإنتاجيّة” و”خلق فرص العمل”

ثقة مشروطة لافرام وتسجيل غياب “الإنتاجيّة” و”خلق فرص العمل”

  1. لم يكن غريباً على من تابع النائب نعمة افرام في جلسة منح الثقة للحكومة مطالعة المنحى الإنساني في كلمته، تماماً كما مفاصل الاقتصاد الوطني والحماية المجتمعيّة. في الوقت عينه، كانت ملفتة إشارته إلى “انتهاك الكرامة البشريّة في مستوى الحياة اليوميّة وأبسط حقوقِ الانسان في لبنان”، وصادماً قوله أنّ ” الانتحار لم يعد خبراً عاجلاً، وصورة البحث عن طعام في صناديق القمامة باتت روتينية”.
    إلاّ أنّ ما مّيز منحه الثقة للحكومة، هو ربطها بفترة سماح مدّتها مئة يوم وجعلها مشروطة بالموافقة على خطّة جامعة للكهرباء بكل جزئيّاتها تحقّق التوازن المالي في كهرباء لبنان في موازاة تأمينِ التغذية للمواطنين 24/24، وتسميةُ الهيئة الوطنيّة الناظمة لإدارة النفايات الصلبة في لبنان، واقرار مراسيم تطبيقية لقانون إدارتها، وإقرار سياسة عمل منسّقة بين كلّ الوزارات لخلقِ 30.000 فرصة عمل سنويّاً، تحال إلى مجلس النواب للموافقة عليها وتكون بمثابة خارطة طريق للاقتصاد الوطني.
    كلمة النائب افرام التي ناقشت البيان الوزاري في إيجابيّاته، سجّلت غياب مصطلحات وتعابير الإنتاجيّة وخلق فرص العمل ووضع مهل زمنيّة للإصلاحات التي طرحتها الحكومة على كافة المستويات.
    مطالعة افرام
    “في زمنِ تتعاظَمُ فيهِ الأوجاعُ ويعلو فيهِ الأنين، يتطلّعُ إلينا شعبُنا منتظراً مِنّا الفرج، طالباً من كلِّ واحدِ منا متواجدٌ اليومَ في حرَمِ هذا الصَرْحِ الوطنيّ العريق، العملَ بِما يخفّفُ عنه وطأةَ الأيامِ وقهرَها وما يُنقذُ الوطنُ من موتِ رحيم.
    اقتصادُنا يعاني من آفاتٍ مهلكة وقد أنهكت مجتمعنا الأمراض العضال. كبارُنا يفتقدون إلى نظام تقاعديّ وحماية اجتماعيّة لائقة. شبابُنا في بطالة جاورت الـ 40 %. مهنيّاً وصحيّاً وتعليميّاً وسكنيّاً وخدماتيّاً، الأوضاع مزرية. الانتحار لم يعد خبراً عاجلاً، وصورة البحث عن طعام في صناديق القمامة باتت روتينية. بنانا التحتيّة في تآكل مخيف، وهي وُضِع معظمها لتخدم اقتصاد الستينات. لا مياه ولا كهرباء ولا مواصلات، ولا شبكات صرفٍ صحيّ بالمستوى المطلوب، ولا إدارة بيئية سليمة للنفايات.
    وإذ أقف اليوم أمام المجلس النيابي الموقّر مُناقشاً الحكومة العتيدة، وهي المرة الأولى لي بالمناسبة، لا أخفي عليكم ما في داخلي من كابوسِ يطاردني… ومن حُلُمِ يُراودني.
    أيُعقَلُ أنَّ لدينا في لبنان أفضلَ الخبرات وأكثرَها تميّزاً واحترافاً، ونعاني في الوقتِ عينِهِ من أسوأ الخدمات العامة؟ أيعقلُ لهذا الوطن الذي أعْطى في الثقافةِ، والأسواق الماليّةِ، والصحافةِ، والفنون، والتشريع، والطبّ، والهندسة، والأبحاث، والابتكارات، وفي التكنولوجيا والعلومِ كافةً ما أبهرَ المحيط والعالم، أن يعْجَزَ أمام بديهياتِ أوصلت دولَتَهُ إلى مصافِ الدولِ الفاشلة في إدارةِ هذه القطاعات؟ أيعقل للوطن الذي، بوحيِ من نموذَجِه الفلسفيّ- الأخلاقيّ- الحضاريّ المبدع، والذي صاغَ يوماً بعد الحربِ العالميّةِ الثانية بحكمةٍ وحِنْكةٍ، وبقدسيةِ من بلاغةِ الايمان، شرعة حقوق الانسان، أن يصِلَ الانسانُ فيه عشيّة المئويّة الأولى لإعلان دولتِهِ، إلى هذا الدَرْكِ المُخيف من انتهاكِ الكرامةِ البشريّة في مستوى الحياة اليوميّة وأبسط حقوقِ الانسان فيه؟!
    لقد أنهكني هذا الكابوس ولم يَزَل. وحُلُمي أن يُصبح لبنان الدولة، مؤسَّسة تُشبه في إنجازات قطاعِها العام، ما يضاهي قدرات الفرد اللبناني الهائلة، وأبرع ما يقدّمه القطاع الخاص، من إنتاجيةٍ وهيكلةٍ ونظام تشغيليِّ. حُلُمي أن نعود جميعاً إلى معنى وجوهر لبنان. إلى روحِهِ التي جعَلَتْه أكبرَ من مساحةِ جغرافيّة، وأوسع من باحة تلاقٍ وعيشٍ مشترك. حُلُمي هو الانسان في لبنان القادر على نقلِنا من عوالمِ الكوابيس السود والاحلام المُزْهِرة، إلى واقع مؤسساتي متألق بميثاقٍ جديد.
    دولة الرئيس، الزميلات والزملاء الكرام،
    “إلى العمل”، هو المسار الذي بُتنا نحتاجه بعد أن أضعنا فُرصاً ذهبية. وهدر الوقت كاد أن يودي بما تبقّى لدينا من الدولة إلى الهلاك. كفى، نعم كفى، و”إلى العمل”.
    حسناً فعلت الحكومة باختيارها العمل شعاراً. في تقديري أن التحدّي الأساسي لها ولنا جميعاً، هو في اعتماد أفضل منهجيّة وأفعل خيار لاستعادة ثقة المواطن بالدولة. انّ الثقة بين المواطن والدولة مفقودة. ندرك ذلك جميعاً عندما نسمع أوجاع الناس وهواجس الناس.
    حسناً وصّفت الحكومة الوضع بأنّنا جميعاً في مركب واحد، والثقوب التي تهدّد هذا المركب معروفة، ولم يعد من المجدي تقاذف المسؤوليات حولها.
    حسناً انكبّت الحكومة على تظهير التشريع المطلوب في بيانها الوزاري، وربما للمرّة الأولى، في سبيل إطلاق الاستثمار العام لا سيّما في البنى التحتيّة وكافة القطاعات، التي وصل فيها النموّ إلى حائط مسدود.
    حسناً اعتمدت الحكومة تصحيح الخلل الاقتصادي بزيادة حجم الاقتصاد، وليس بالتقشف المفرط ولا بفرض ضرائب منهكة أو عشوائية. فسياسة استثمارية ذكية وشفافة هي كفيلة كي تفوق نسبة زيادة الناتج المحلي على نسبة زيادة الدين العام. بذلك نطلق نهضة اقتصادية ونعيد ثقة الأسواق المالية بدولة يتحسن فيها مؤشر نسبة الدين العام على الناتج المحلي.
    حسناً أشارت الحكومة بشجاعة أن عليها تحديث القطاع العام وإعادة هيكلته من خلال دراسة متخصصة وشاملة. وهو موضوع عزيز عليّ شخصيّاً وعلى لجنة الاقتصاد والتخطيط، وهي قد باشرت بإطلاق مبادرات مع العديد من الوزارات والمؤسسات العامة والجهات الرقابية والقضائية في هذا المجال.
    وحسناً عدّدت الحكومة الإصلاحات الهيكليّة والقطاعيّة المطلوبة، مقرّة بالخلل المزمن في تجاهل القطاعات المنتجة ومنها الصناعيّة، متطرّقة إلى الحماية الاجتماعيّة واللامركزية الإدارية والشراكة بين القطاعين العام والخاص والبيئة والتربية وغيرها.
    دولة الرئيس، الزميلات والزملاء الكرام،
    إنّي، وبعدَ قراءةٍ معمّقة في مندرجات البيان الوزاري للحكومة، أجدُ فيه خارطة طريقٍ إنقاذية لا بأس بها. في الوقتِ عينه، كنتُ أتمنّى، لا بل كنتُ أصِر، على الإشارة في البيان إلى مصطلحات وتعابير، أعتبرها أساسيّة وضروريّة لهذه المرحلة، كي تدخل في قاموس تعاملنا الرسميّ.
    ففي ظلِّ المسؤوليةِ المفصليّة التاريخيّة الكبيرة الملقاة على عاتقِ هذه الحكومة، وفي سبيلِ بناء ذهنيّةٍ وثقافةٍ جديدة في العمل، ولأنّ الحكومة ارتضت لذاتها العمل شعاراً، كان ينبغي عدم اغفال كلمة الإنتاجية. كان ينبغي التمعّنَ والاستفاضةَ بمفهوم الإنتاجيّة كمبدأ عام.
    فخلق القيمة المُضافة هي أساسٌ في القطاع العام، ولو كان التمثيلُ والتوازن الميثاقيّ والسياسيّ مطلوبان أيضاً، لكنّهما لا يعلوان على ماهيةِ المؤسّسات الرسميّة في الإنتاجيّة أي: تقديم الخدمة الفضلى بأدنى كلفة ممكنة بشفافية واحتراف.
    كان ينبغي بالقدرِ عينه، عدم إغفالِ مفهوم وآلياتِ خلق فرص العمل. إذ أنّ رسالة الكيانات الوطنيّة والقوميّة هي تطويرُ حياةَ الانسان وحمايتَها، وتبدأ بتفجيرِ طاقاتِ أبناء الوطن على أرضه. لذلك، يكون بصميم لوحة تقييم جودة الإدارة والحوكمة الرشيدة عادة، مؤشّران هما، مؤشّر خلق فرص العمل الجديدة ومؤشّر البطالة. ان الترابط السببيّ بين الإنتاجية وخلق فرص العمل، هما أساسٌ في إطلاقِ النموّ الاقتصاديّ وتعبيدِ الطرقِ أمامَ الحماية المجتمعيّة.
    دولة رئيس مجلس الوزراء،
    إسْمَحْ لي أن أتوجَّه إليكَ مباشرة، سائِلاً إياكَ والسيدات والسادة الوزراء الكرام، اعتماد الإنتاجيّة ومفهوم خلق فرص العمل نهجاً وأسلوب تخاطب دائم، خلال التداول في مجلس الوزراء. وكم كنتُ أتمنّى، لو تمّت الإشارة في البيان إلى بعضِ المُهل الزمنيّة للإصلاحات التي طرحتها الحكومة على كافة المستويات. فنحن لم نعُد، ولم يَعُد اللبنانيّون معنا يحتملون الوعود والانتظار. نريدُ صدمةً إيجابية واحدة تلوَ الأخرى. لم يَعُد لدى الحكومةِ ولدينا، ترفَ التمهُّل أو التأجيل أو النكايات في أخذ القرارات في وقتِها وبسرعة.
    دولة الرئيس، الزميلات والزملاء الكرام،
    منذُ سنواتٍ، تحوَّلَ كُلُّ استحقاقٍ إلى أزْمةٍ وكُلُّ قرارٍ إلى شلل. تعطّلت آليّاتُ العمل، فانهارت المؤشِّراتُ الاقتصاديّةُ ووصَلَت إلى القَعْر، واضمحلت الحمايةُ الاجتماعيةُ حتّى الحَضيض. بين الشلل المضني والفساد الذي فاقَ كلَّ حدود، بات يَزيدُ دينَنا سنة بعدَ أخرى، ويقتربُ بسرعةٍ فائقة من عتبة المئة مليار دولار.
    في الوقت الذي نحتاجُ فيه إلى خلْقِ 30 ألف فُرْصةِ عملٍ سنويّاً أمامَ شبابِنا، هَيهاتِ أن نتمكّنُ مِن تأمينِ 5 آلافٍ منها. مواطنونا يَسْتَجْدونَ جَوازاتِ سفَرٍ أجنَبية. وبدَلَ استقطابِ اللبنانيّين من الانتشار، نستبدلُهم بلاجئينَ ونازحينَ دونَ آليّاتٍ تنظيميّة. فهلْ أُكمِل؟
    الميثاق روحٌ ووعد، وهو ناظمُ العملِ السياسيّ في لبنان والضابطُ له. شخصيّاً، أجدُ أنّ العيشَ المشترك في لبنان لم يَعُد ميثاقاً كافياً. فالعيشُ العقيمُ هو موتٌ سريريّ محتّم، يجب استبداله وتطويره بالعيشَ المُشترَك المُنتِج. هذا هو الميثاقُ الجديد.
    وحدها منظومةُ الشراكةِ الجديدةِ على أساسِ الإنتاجيّة، تستطيعُ أن تُوقِفَ دُوّامة الشللِ والهواجِس والهجرة، فتبني دولةً جديدةً، عادلة، قادرة، ومُنتجة، في كِيانٍ مستقرّ في خدمة الإنسان.
    إنّي أرى في هذه الحكومةِ بالذات، دوراً محوريّاً في تاريخ حكومات لبنان. فهي ستشهدُ نهاية المئوية الأولى من لبنان الكبير، وتُدْخلنا في المئوية الثانيّة. أتريدون مئوية ثانية كالمئوية الأولى؟ أقولها بحرقةِ قلبٍ وتأقلماً مع الأمرِ الواقع: حسناً فعلت الحكومة بتغييب ثلاثة مواضيع جوهريّة: الاستراتيجيّة الدفاعية وحياد لبنان القويّ والإيجابيّ والدولة المدنيّة الرافعة للوعود والحاضنة للتعدد.
    حسناً فعلت الحكومة في تفادي طرحِ هكذا مواضيع أساسيّة… ولكن شرط أن ترحّل إلى طاولةِ حوارٍ وطنيّة. فبالله، نريد أن ننتهي بنيويّاً من كابوس العقم والفرص الضائعة والمسارات الانحدارية… لندخل زمن التألق والابداع الذي يليق بلبنان الرسالة وشعبه المميز.
    دولة الرئيس، الزميلات والزملاء الكرام،
    إنّي إذ اقترح درس الموازنة على مدى خمس سنوات وليس سنة واحدة، لمواكبة المشاريع الإصلاحية والاضاءة على أثر تنفيذها أو عرقلتها، مع وضع خطّة خمسيّة للوزارات، على أن تكون موازنة 2019 جزءاً منها، أمنحُ ثقتي للحكومة مشروطة بتحقيقِ ثلاثة أهدافٍ خلال مئة يوم، أراهم منطقيّين غير تعجيزيّين ولكن ضروريين للدخول بالمنعطف الإيجابي المرجو:
    الموافقة على خطّة جامعة للكهرباء بكل جزئيّاتِها، تحقّقُ التوازنَ المالي في كهرباء لبنان في موازاة تأمينِ التغذيةِ للمواطنين 24/24. تسميةُ الهيئة الوطنيّة الناظمة لإدارة النفايات الصلبة في لبنان، واقرار مراسيم تطبيقية لقانون إدارة النفايات الصلبة لتمكين هذه الهيئة من مباشرة عملها وفق ما نصّ عليه القانون. وإقرار سياسة عمل منسّقة بين كلّ الوزارات لخلقِ 30.000 فرصة عمل سنويّاً، تحال الى مجلس النواب للموافقة عليها وتكون بمثابة خارطة طريق للاقتصاد الوطني. متمنياً النجاح للحكومة والازدهار للبنان”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى