لا شك أن لبنان يمر بمرحلة سياسية جديدة اختلطت فيها العوامل الداخلية والخارجية وأدت الى تأليف الحكومة بعد تسعة أشهر من الانتظار. لقد أدرك أصحاب الشأن بالتشكيل (رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، رئيس الحكومة سعد الحريري، حزب الله والوزير جبران باسيل) أن الأوضاع الاقتصادية والمالية والسياسية وضغط الواقع الاجتماعي لم يعد يسمح بالمزيد من تضييع الوقت. وترافق ذلك مع نضوج العوامل الخارجية التي سهلت على المعنيين في الداخل اتخاذ قرار اخراج الحكومة من عنق زجاجة التعطيل، واعادت ضخ الحيوية بمنظومة الامان المحصنة للبلد خارجياً ولو بالحد الادنى، وهذا ما أنتجته باريس خلال رعايتها اتصالات مع الايرانيين والروس والسعوديين بهدف إعادة إنتاج حالة ما يسمى الستاتيكو السائدة في لبنان، لا سيما ان وظيفة هذه الحكومة الجديدة خدمة المرحلة الانتقالية التي تعيشها المنطقة والتي لم تتبلور صورتها النهائية بعد.
على هذا الاساس، فإن العمر الافتراضي لهذه الحكومة التي ستنال الثقة يوم السبت اذا انقضى يوم الجمعة ولم ينته مسلسل كلمات النواب في الجولة الخامسة من مناقشة البيان الوزاري؛ مرتبط بظروف المنطقة وصيرورتها في المرحلة المقبلة؛ وبالتالي فإنه قد يكون طويلاً، وقد لا يكون تبعاً لمجموعة عوامل اقليمية لا تزال خارج التبلور والوضوح، فالصراع الاميركي – الايراني على اشده ولم تظهر حتى الساعة إشارات يمكن ان تؤدي في المستقبل الى تفاوض جديد أو تقاسم نفوذ.
لا يستغرب المتابعون مسارعة كل من ايران والسعودية الى ارسال موفدين عنهما الى لبنان. فزيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف والموفدالسعودي المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا تأتي في سياق تأكيد طهران والرياضشراكتهما كلا من موقعه في انتاج اللحظة الحكومية وتقديم الدعم والمساعدة. فلبنان ساحة تنافس وساحة تصارع وساحة تلاق في الوقت عينه.
وبمعزل عن أن الدبلوماسي الظريف كان السباق في عرض مساعدة بلاده للبنان في المجالات العسكرية والصحية والكهرباء لكنه كان على يقين أيضاً أن هذه المساعدات لن تدخل حيز التنفيذ لاعتبارات سياسية لبنانية، فايران تتفهم موقف لبنان وخصوصيته، علما ان طرح المساعدات جاء، بحسب مصادر مقربة من حزب اللهوفق صيغة لا تسبب حرجا للدولة اللبنانية ولا تتعارض مع العقوبات الاميركية. أما عودة السعودية الى لبنان عبر زيارة العلولا الذي سيشارك اليوم في ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري، بعدما شارك امس في احتفال حمل عنوان “منتدى الطائف.. إنجازات وأرقام” نظمته السفارة السعودية بالتعاون مع “مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة”، فتحمل، بحسب مصادر مطلعة لـ”لبنان24″، مقاربة ايجابية جديدة متقدمة تجاه الواقع اللبناني الداخلي، كانت اولى تباشيرها اعلان السفير السعودي وليد البخاري من السراي الحكومية ان المملكة رفعت تحذيرها للمواطنين المسافرين إلى الجمهورية اللبنانية، سواء كان من المملكة العربية السعودية أو من أي جهة دولية أخرى، مع تشديد المصادر على ان الزيارة السعودية مقدمة للتعاون مع الحكومة لا سيما ان هناك اتفاقيات كانت تنتظر التشكيل لتدخل مسار التنسيق بين الرياض وبيروت، والرياض أبلغت المعنيين عبر العبوات وقوفها الى جانب لبنان ومساعدته في المجالات كافة، من دون أن تخفي المصادر عينها ان المملكة لن تترك لبنان ساحة مفتوحة لطهرانفهي لا تخفي موقفها وخططها لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة والحد من دور حزب الله.
وعليه، فإن التحدي الحقيقي امام “حكومة إلى العمل” يكمن في ان تستطيع تسييل الرغبات الداخلية الايجابية المدعومة خارجيا لكونها مرتبطة بمقررات مؤتمر سيدر، إلى خطة عمل، رغم أن منطق المتاريس لا يزال مواكبا لهذه الحكومة وان كانت النيات التهدوية حتى الان هي الطاغية. لكن جلسات الثقة وما تخللها من رسائل مبطنة استهدفت في الكثير منها الحلفاء قبل الخصوم تؤكد ان منطق المتاريس لا يزال سيد الموقف داخل الحكومة كما هو خارجها، لا سيما ان الخلاف المفاهيمي قائم والصفقات قائمة، قوننة الفساد مستمرة، الامر الذي يؤكد بحسب مصادر مقربة من حزب الله لـ”لبنان24″ أن ليس هناك جديا اي منطق له علاقة بلعبة الارقام داخل الحكومة لصالح أي أحد. فحكومة العهد الاولى قد تشهد تقاطعات لم تعهدها الحكومات السابقة على خلفية توجس بعض الفرقاء من ثنائية الرئيس الحريري – الوزير باسيل، رغم كل محاولات لم شمل ما يسمى ب 14 اذار، مع تشديد المصادر نفسها على ان الحكومة ستنتج بالتوافق وتفشل خارج التوافق.
زر الذهاب إلى الأعلى