
وبس تكبر، شو رح بتصير؟” السؤال المغمور بالأمل، الممتلىء بشغف الغد. السؤال الذي يحتمل رفاهية الترف، وأنين الاختناق في آن وكأنما الصعود إلى الشمس سلّم يمرّ بالأماني المرصوفة في عيون الأهل وعيون الأطفال. تغيّر الزمن وتغيرت الأحلام وكأنها روّضت فما عادت جامحة، شكّلها واقع الحال في قوالب، علّقها على مشانق تارة، وأطلقها للريح مرات ومرات.
أحلام مدولرة
من على مقاعد الدراسة في مدرسة مرموقة في ضواحي بيروت يجلس كارل إلى جانب زميلته صوفي وهما في الابتدائي الأول. تسأل كارك ” شو رح تصير بس تكبر؟” ويجيب ” رح صير مهندس مثل بابا وبدي أصنع طيارة كبيرة…” وتجيب صوفي عن السؤال نفسه لتقول” أنا بدي صير عارضة أزياء وحلوة وبدي ضل إلبس حلو…”
المدرسة نفسها في الصف العاشر يجيبك جاك” لا فرق ، رح إدرس شو ما كان واستلم شركات بيي…” وأما مازن ” لدي مختبري الفيزيائي ، جهزه والدي بما أحتاج وأحاول تطويره، سأدرس “الروبوتيكس” وسأكون مخترعا، وإن لم تشجعني هذه البلاد، سأسافر وأفجر طاقاتي في المغترب”.
واقع متعثّر إلا من الحلم
على مسافة لا تبعد كيلومترات من المدرسة الأولى دخلنا مدرسة رسمية وكانت عذه المفارقة. لين تلميذة في الصف الخامس، تجيب” بابا بدو ياني صير دكتورة، رح جرب إدرس وآخد منحة، أنا شاطرة، ورح أوصل، وبدي أهلي يفتخروا فيي ويرتاحوا…” وأما جاد وهو في الصف التاسع ” ما بعرف شو رح صير ،أنا بدي صير إشيا كثير، بس هل رح إقدر ووين بتعلم بالجامعة اللبنانية، وكيف بشتغل وشو… أهلي تعلموا وشهاداتن وجعتن وكل يوم بينوجعوا معنا وعلينا… بدي لاقي طريقة ذكية إشتغل أونلاين بالعملة الرقمية ،بالتجارة ، بدي شي يعيشنا صح ويعيش ولادي بعدين صح…”
وأما سليم وهو تلميذ تيرمينال” كان لازم كون أكثر حدن قادر يجاوبكم، وحوابي ما بعرف ،أحلامي كبيرة بس ما في حظ، يلي ما عندو مصاري بتتحجم أحلامو، رح سجل أي شي باللبنانية، بلكي بلاقي باب هجرة وبفل…”
أحلام الطرقات
لا مقاعد دراسية، وبوجوه غلّفها الغبار وبقي بريق العيون يشق صرخات الشوارع، ويتعثّر بعلبة “تشيكلتس” وابتسامات باهتة أحيانا ومتّقدة لبلوغ الفرح أحيانا أخرى.
على تماس نافذة السيارة، اقتربت وسألتها عن اسمها قالت ” لولو” وسالتها ” شو رح تصير بس تكبري” أجابت بخجل وبضحكة أخفتها خلف أصابعها الصغيرة ” بدي يصير عندي بيت وتياب حلوين وبدي مثل سيارتك.” عاودت السؤال ” وانت شو بدك تصيري؟” تجيب” بدي صير، ما بعرف، بدي مصاري وصير حلوة ومحترمة وامرق بالشارع هيك مثلك”.
أمتار قليلة تجد سيف ، طفل في التاسعة أكل الشحم وجهه فهو ” صبي الميكانيكي” .” يا سيف شو رح تصير بس تكبر؟ ” بدي صير معلم لحام، ما بعرف بدي صيرقبضاي مثل معلم رجا، وافتح محل ميكانيك، بدي صير بي وعلم ولادي بالمدارس.” وإنك لي مش بالمدرسة؟ ” أيا مدرسة، نحنا بدنا نتعلم العلم للمعن مصاري شو بدي اتعلم قال…”
“شو بدك تصير بس تكبر؟” ” بدي عيش طفولتي وحقوقي وإكبر بدون هم”
” وبس تكبر، شو رح بتصير؟” السؤال المغمور بالأمل، الممتلىء بشغف الغد. السؤال الذي يحتمل رفاهية الترف، وأنين الاختناق في آن وكأنما الصعود إلى الشمس سلّم يمرّ بالأماني المرصوفة في عيون الأهل وعيون الأطفال. تغيّر الزمن وتغيرت الأحلام وكأنها روّضت فما عادت جامحة، شكّلها واقع الحال في قوالب، علّقها على مشانق تارة، وأطلقها للريح مرات ومرات.
أحلام مدولرة
من على مقاعد الدراسة في مدرسة مرموقة في ضواحي بيروت يجلس كارل إلى جانب زميلته صوفي وهما في الابتدائي الأول. تسأل كارك ” شو رح تصير بس تكبر؟” ويجيب ” رح صير مهندس مثل بابا وبدي أصنع طيارة كبيرة…” وتجيب صوفي عن السؤال نفسه لتقول” أنا بدي صير عارضة أزياء وحلوة وبدي ضل إلبس حلو…”
المدرسة نفسها في الصف العاشر يجيبك جاك” لا فرق ، رح إدرس شو ما كان واستلم شركات بيي…” وأما مازن ” لدي مختبري الفيزيائي ، جهزه والدي بما أحتاج وأحاول تطويره، سأدرس “الروبوتيكس” وسأكون مخترعا، وإن لم تشجعني هذه البلاد، سأسافر وأفجر طاقاتي في المغترب”.
واقع متعثّر إلا من الحلم
على مسافة لا تبعد كيلومترات من المدرسة الأولى دخلنا مدرسة رسمية وكانت عذه المفارقة. لين تلميذة في الصف الخامس، تجيب” بابا بدو ياني صير دكتورة، رح جرب إدرس وآخد منحة، أنا شاطرة، ورح أوصل، وبدي أهلي يفتخروا فيي ويرتاحوا…” وأما جاد وهو في الصف التاسع ” ما بعرف شو رح صير ،أنا بدي صير إشيا كثير، بس هل رح إقدر ووين بتعلم بالجامعة اللبنانية، وكيف بشتغل وشو… أهلي تعلموا وشهاداتن وجعتن وكل يوم بينوجعوا معنا وعلينا… بدي لاقي طريقة ذكية إشتغل أونلاين بالعملة الرقمية ،بالتجارة ، بدي شي يعيشنا صح ويعيش ولادي بعدين صح…”
وأما سليم وهو تلميذ تيرمينال” كان لازم كون أكثر حدن قادر يجاوبكم، وحوابي ما بعرف ،أحلامي كبيرة بس ما في حظ، يلي ما عندو مصاري بتتحجم أحلامو، رح سجل أي شي باللبنانية، بلكي بلاقي باب هجرة وبفل…”
أحلام الطرقات
لا مقاعد دراسية، وبوجوه غلّفها الغبار وبقي بريق العيون يشق صرخات الشوارع، ويتعثّر بعلبة “تشيكلتس” وابتسامات باهتة أحيانا ومتّقدة لبلوغ الفرح أحيانا أخرى.
على تماس نافذة السيارة، اقتربت وسألتها عن اسمها قالت ” لولو” وسالتها ” شو رح تصير بس تكبري” أجابت بخجل وبضحكة أخفتها خلف أصابعها الصغيرة ” بدي يصير عندي بيت وتياب حلوين وبدي مثل سيارتك.” عاودت السؤال ” وانت شو بدك تصيري؟” تجيب” بدي صير، ما بعرف، بدي مصاري وصير حلوة ومحترمة وامرق بالشارع هيك مثلك”.
أمتار قليلة تجد سيف ، طفل في التاسعة أكل الشحم وجهه فهو ” صبي الميكانيكي” .” يا سيف شو رح تصير بس تكبر؟ ” بدي صير معلم لحام، ما بعرف بدي صيرقبضاي مثل معلم رجا، وافتح محل ميكانيك، بدي صير بي وعلم ولادي بالمدارس.” وإنك لي مش بالمدرسة؟ ” أيا مدرسة، نحنا بدنا نتعلم العلم للمعن مصاري شو بدي اتعلم قال…”
وأما شقيق سيف الجالس بقربه على حجر في المكان، يراقبنا من بعيد ويسمع. قال لدى سؤاله وانت شو رح تصير؟” ” أنا بدي صير معلم” ساندويشات، كل السندويشات لحمة وجبنة واشيا واشيا..” ويضيف” بدي بيع سندويشات واكل وبس صير منيح بدي سافر بالطيارة بيع سندويشات باوروبا…”
بلاد متعثرة أحلام متعثرة
لعل هذه العينات، تعطيك فكرة موجعة عن واقع البلاد. أيّ واقع هذا بتشابك كل هذه الفصول بهوجاء فصل.غد البلاد أطفالها، وكثيرهم ما عاش ترف الطفولة.
من المسؤول؟ وإن وجد كيف يرمم جيلا بأكمله؟
الأجوبة متناثرة بهباء الافتراض، في ظل غياب الدولة بمسؤوليها، وفي ظل الانحدار السريغ الذي يجرف العائلات كلها نحو قعر الواقع، فيما يطفو من نجوا برفاعية العبور إلى أحلام ملونة.
قنبلة موقوتة
في حديث مع الباحثة في علم النفس الدكتورة مهى دكروب تقول ” هذا الواقع أزمة تلقي بثقلها على الكثير من وجوه الحياة، والخطورة فيها هو الوقع النفسي العنيف الذي تفرضه على عقول ونفسيات بذور اليوم الذين هم الأطفال.
إن المعاناة التمييزية الجذر التي تستهدف الأطفال بشكل خاص إن في القدرة على الحصول على الغذاء والدواء والألعاب والمسكن والملبس والدراسة و… لهو أمر في غاية الخطورة. يربط الأطفال احلامهم بالواقع، بالحاجة او الاكتفاء على حد سواء. ويكون الغد مقيدا بأثقال اليوم. “وتضيف دكروب” ليس لدى كل الأطفال قدرة النهوض والاستقواء على الواقع فتأتي الرؤية نقيدة بهموم الواقع ويصبح الحق حلما”.
تشير دكروب إلى دراسة للمعالج النفسي الأميركي سيبالو والذي بدوره تربى في عائلة فقيرة، أوضح فيها مسالة تأثير الفقر في صحة الاطفال النفسية. فتقول ” يوضح سيبالو أن أدمغة الأطفال الفقراء تبدو مختلفة عن أدمغة أطفال العائلات المتوسطة الدخل أو الثرية. فقشرة الدماغ هي التي تتأثر بالحالة الاجتماعية، خصوصاً أنها أساسية للوظائف العصبية التنفيذية، ما يجعلها مرتبطة بالذكاء وبالنجاح الأكاديمي، والملفت أنه عندما تتحسن حالة العائلة الاجتماعية، فتعاني نسبة أقل من الفقر، تتحسّن قدرة الطفل على التذكّر وعلى التنظيم. وأوضح المعالج النفسي ذاتُه أن تأثّر الجهاز العصبي والحالة النفسية بالفقر يعودان لتعرّض المرء للجوع والبرد والقلق النفسي الدائم منذ طفولته. فيعمد بالتالي إلى تشكيل أحلامه طبقا لمجريات واقعه الذي يعيشه”.
عواقب الفقر على الأطفال
الأطفال هم من بين أكثر الفئات تضررا من الفقر.وهذا ما يتبلور في الشقين التعليمي و التطويري.
في التعليم
لا يستطيع الأطفال الذين يعيشون في فقر عادة الوصول إلى أفضل المؤسسات الأكاديمية ، لذلك يميلون إلى أداء أسوأ في المدرسة مقارنة بأقرانهم الأكثر ثراءً. يتغيب الأطفال الفقراء عن المدرسة في كثير من الأحيان بسبب مشاكل صحية. من غير المرجح أن يلتحق الشباب الفقراء بالجامعة ، مما يحد من فرصهم في العمل بأجر جيد والحراك الاجتماعي في سنوات البلوغ.
في التطوير
قد ينتهي الأمر بالأطفال الذين ينشأون في فقر متخلفين جسديًا وعقليًا واجتماعيًا. يمكن أن يؤدي نقص الطعام المغذي وعالي الجودة إلى إعاقة نمو الطفل والتسبب في مشاكل صحية ، كما هو مذكور أعلاه. قد يؤدي عدم القدرة على تحمل تكاليف تعليم جيد أو المشاركة في أنشطة مثل الرحلات المدرسية وأيام الخروج مع الأصدقاء إلى حرمان الأطفال فكريًا واجتماعيًا.
قيصر والأزمة الأخيرة
أفرزت الازمة الثقيلة التي فرضت على لبنان والشام والتي تمثلت بتطويق ارهابي وحروب متنقلة لا سيما في الشام و بحصار اقتصادي وتطويق خانق تدهورت معه العملة وأفرز تهالكا في كل الميادين الاقتصادية والصحية والثقافية والخدماتية و…
وكنتيجة حتمية للواقع اضمحلت الطبقة الوسطى بشكل هستيري، وغرق كثيرون في مستنقع الفقر والعوز. المتضررون من الواقع هم الكل، باستثناء طبقة فيها قلة مرتاحون إلى حد كبير.
ومن الفئات المتضررة هم الأطفال. فلقد حرمهم التهجير من دفء بيوتهم، حاجيلتهم، ذكرياتهم، أمانهم، وجود أهلهم وأقاربهم… وأفرز التهحير اوضاع إنسانية صعبة غيرت حال الكثير من الهائلات التي ربت أبناءها بعوز، وولد لها آخرون ليعيشوا بالعوز نفسه.
وعلى المقلب الآخر تغير حال الأطفال الذين تعثرت عائلاتهم اقتصاديا وان لم يهجروا.
أصبحت تجد أن هذه البلاد، التي شكلت اول الحضارات وأقدمها، وأنجبت العباقرة والعلماء والمتميزين الذين استقطبهم الغرب فحولوه جنّات، بات يعيش اطفالها بأحلام هزيلة تنوء تحت وزر ” ساندويش” منعها الجوع عن أمعائهم. فبات اللباس النظيف والجميل والحاجيات الأساسية والتعلم حقوق على شكل أحلام. وبقي التمييز يتسكع بين أطفال المناطق نفسها، فيسيل لعاب المحرومين، فيما البطر على المقلب الآخر سيد الموقف.
شو بدك تصير بس تكبر؟
” بدي عيش طفولتي وحقوقي وإكبر بدون همّ