عالم التداول بين الربح والخسارة.. خبير اقتصادي يحذّر ويطمئن- جاد الحكيم
نقبل الدفع بعملة البيتكوين.. هذه العبارة بتَّ تستطيع أن تجدها في معظم متاجر لبنان، حيث أنه ومع تردي الأوضاع الإقتصادية منذ سنة ٢٠١٩ ومع شحّ العملة الصّعبة بظل الحصارالمفروض على لبنان، فإنّ ثورة حصلت بعالم النقد، ليفرض نظاماً جديداً من الدفع، يستهوي من خلاله أعداداً كبيرة من الشباب الذين يبتغون الربح السريع والوفير والسهل. فما هو هذا النّظام وما هي آثاره، وواقعه في لبنان؟
يمكن القول حالياً بأن لبنان قد دخل فعلياً أوج عمليات الدفع عبر العملات الرقمية، إذ باتت الأراضي اللبنانية تعتبر أرضاً خصبة لجذب مزارع التعدين، إذ تنتشر حالياً مزارع كبيرة وعديدة على مختلف الأراضي اللبنانية. فما هي “مزارع التعدين”، وما هي عمليات التعدين أصلا؟
عالم جديد-قديم
بحوار خاص مع موقعنا يشير المحلل الإقتصادي علاء زين الدين بأن خيار الذهاب نحو العملات الرقمية هو من الخيارات الجيدة المتاحة اليوم، ويقول بهذا المجال:” إن هذا العالم هو متواجدٌ منذ القدم، إلا أن سوء الأوضاع في لبنان اليوم فتح المجال أمام العديد من الشباب أن يقوموا بالدخول إلى هذا المجال.”
الخوف والخسارة
لا يخفي المحلل الإقتصاديّ علاء زين الدين خوفه من المخاطر، خاصة وأنّ هذا القطاع هو قطاع غير منظّم في لبنان، ومن هنا يشدّد زين الدين على ضرورة أن يقوم الشخص الذي يرغب بالدخول بعالم التداول بتلقي ما أوجبَ من معلومات وتدريبات قبل دخوله بعالم التداول.
ومن أكادميته في سن الفيل يشرح المحلل الإقتصاديّ علاء زين الدين كيف أنشأ وأعد فريقًا متكاملا انطلق معه برحلة التداول ليلقن العديد من الشباب والشابات أصول التداول كي لا يقعوا بالمحظور.
الوظيفة أو التداول
لا ينفي المحلل الإقتصاديّ علاء زين الدين بأن التداول فتح له فرصة لجني الأموال، وهو ما أغناه عن وظيفته، لكن هل حقًا يستطيع أي كان أن يستغني عن وظيفته ويدخل بهذا العالم؟
طبعًا لا، إلا إذا كان هذا الشخص ممتهنًا، أو على الأقل قد تلقى لأساسيات التداول، ومن هنا يشدد زين الدين على أنّ أي دخول بهذا العالم يجب أن لا يكون عن جهل، بل على العكس تمامًا، إذ أن الامتهان سيوفر الكثير من الخسائر على المتداول.
الدولار أم الذهب؟
من عالم التداول إلى عالم الذهب، يؤكّد المحلل الإقتصاديّ علاء زين الدين على أن العالم الاقتصادي الجديد سيكون مختلف كليًّا عن عالمنا اليوم، إذ يصرّ على أنَّ الملجأ الآمن والأفضل سيكون الذهب، ويشدّد على أنّه على المدى البعيد، فإن العملات ستتغير، ولنأخذ حرب أوكرانيا وروسيا مثلا، إذ أنّه وبمجرد إعلان الحرب هبط اليورو في أوروبا ليقارب مستويات قياسية تاريخية مع الدولار.
التعدين
للأطلاع أولاً على عملية تعدين العملات في لبنان، فإن الأمر يتم أولا من خلال استيراد آلات خاصة لعملية التعدين، وهذه الآلات بطبيعة الحال غير متوفرة في لبنان ما يعني ضرورة استيرادها من الصين، وتتنوع هذه الآلات ما بين تلك التي تتمتع بقوة محدودة، وأخرى تتمتع بقوة أكبر، ومن هنا يقول أحد المعدنين لموقعنا:” تختلف قوة الآلات، فكلما زاد حجمها زاد ربحها، وتوازياً يزيد مصروفها.” فآلات التعدين تحتاج إلى قوة كبيرة وكبيرة جداً من الكهرباء، وذلك لسببين؛ السبب الأول يتمثل بأن تبقى هذه الآلات مشغلة ٢٤/٢٤ والسبب الثاني هو عملية التبريد المتواصلة التي تحتاجها هذه الآلات، ومن هنا تبدي جهات سياسية كبيرة حذرها من عملية استهلاك الطاقة الكبير الحاصل جراء هذه الأعمال خاصة وأن المعدنين يسحبون كميات كبيرة من الكهرباء لتحقيق أرباح خاصة بهم فقط.
الأمر الآن لم يعد كما كان مثل قبل، هكذا يوضح أحد المعدّنين لموقعنا، إذ أشار خلال كلامه الذي يعتريه الكثير من الحسرة على ندمه لأنّه دخل هذا المجال، ووضع كافة رأس ماله، حيث يشير إلى أنّه ببداية مشواره قرّر شراء آلة رخيصة لا يزيد استهلاكها عن ٥ أمبير من الكهرباء، فكانت تدرُّ له شهرياً ٣٠٠$ أو أقل بقليل، وهكذا بقى يربح ويربح، ويشتري المزيد من الآلات إلى أن أصاب سوق العملات الرقمية ركوداً كبيراً، وانخفضت قيمة العملات، فباتت تكلفة إنتاج العملات صعبة وكبيرة جداً نسبة إلى قيمتها.
هذه الخسارة محصورة بلبنان طبعاً نسبةً إلى انقطاع الكهرباء المتواصل، بالإضافة إلى التكلفة العالية للمازوت في حال استعمال المولدات، ما يعني عملياً الخسارة لهكذا مشاريع بظل بنى تحتية سيئة في لبنان هو أمرٌ مضمون. وهنا يبرر المعدّن بأن الثورة الحاصلة على الطاقة الشمسية هي أمر شبه منطقي، إلا أن فعاليتها تبقى غير مضمونة ١٠٠٪.
أما قانونياً، وبظل انتشار ظاهرة التعدين في لبنان، فإن المشرّع اللّبناني لم يسنّ تشريعات يحيطها بالغطاء القانوني، حيث أن مصرف لبنان أوعز للمصارف بأن التعامل بهذه العملات تعتريه المخاطر إلا أنه لم يكن هناك منع صريح لذلك. ومن هنا ولإلقاء نظرة قانونية على هذه العملات تقول الدكتورة المحاضرة في القانون عزّة سليمان بحديث خاص مع موقعنا عن أن العملات الرقمية تواجه التحدي الأبرز اليوم، فهي تعتبر أداة للتعامل، إلا أن مشروعية التعامل بها تستند على حرية الإرادة، إذ نحن في مرحلة تجارية نيوليبرالية، غامزةً من زاوية الضمانات للتعامل بها ودور الدولة لحماية المتعاملين بها.
وتضيف د. عزّة سليمان إلى أنه “تعتبر عديدة المخاطر التي قد تنتج عن التعامل بالعملات، وعليه كل دولة تقوم بتشريع العملات تنطلق إلى وضع أطر خاصة بعملات محددة، خاصةً وأنّ هذه العملات هي عملات لامركزية، وغير رسمية، بمعنى أن الدولة المشرّعة لاستعمالها وتداولها لا دور لها بتصنيعها أو تصديرها”، مشددة على أن الخطورة الأكبر تكمن لناحية فقدان السيطرة على هذه العملات من قبل الدولة ما يعني تلقائيا فقدان الدولة لجزء من سيادتها.
أما عن الوضع القانوني لهذه العملات في لبنان، وقابليتها لأن تشكل خطوة تحفيزية للاقتصاد تقول سليمان: “حالياً الدولة أصلاً لا قدرة لها على ضبط العملة الرسمية، وما تبعه من وسائل الدفع الأخرى، فمن غير الممكن اعتبار هذه العملات بمثابة الحل السريع والآمن، خاصة وأن لا أطر قانونية لها، فهذه العملات هي بحد ذاتها لها مخاطر خاصة، إضافة إلى أن النّاس أو الوسطاء الذين يقومون بإدارة عمليات التداول هم أيضاً يشكلون مصدر خطر إذ يعملون من دون أيّة قيود”.
وتبدي د. عزّة سليمان تخوفها من ما يحصل خاصة لناحية غباشة الصورة فيما يتعلق بدور المصارف في لبنان، وما هو مرسوماً لها، خاصة بعد المواقف المتجددة من قبل الجهات الرسمية.
وتشدد سليمان على أن “فكرة عدم التشريع الآن هو أمر غير منطقي إذ أن العملات منتشرة في لبنان، وعملية التعامل بها هو أمر قائم، وعليه لا يمكن بالطبع منعها، أضف إلى أن العالم الإقتصادي اليوم هو نيوليبرالي، أو ما يعرف بالحريات المتطرفة، ما يعني حرية التداول والتعاقد، وهذا ما يتناقض تماماً مع منع التعامل بها، وما يستدعي ضرورة تنظيمها قبل أن تصبح هذه الظاهرة أقوى من الدولة ونظامها.
وعليه، لا يمكن أبداً التغاضي عن هذه الظاهرة الكبيرة، والحسّاسة، إذ أن انتشارها المتزايد يوماً بعد يوم يفرض على الجهات المعنية ضرورة التحرك والعمل على صيانة التعامل بها، خاصةً بعد الأفعال الشاذة عن القانون التي حصلت بالأونة الأخيرة حيث أن عمليات إساءة الإئتمان من خلال سرقة أموال الناس استشرت كثيراً.