خاص الموقعفن

تحت رايات الدبكة.. فرقة برجا للفنون الشعبية.. قصة تميّز ومحاربة لأجل التّراث

خاص الموقع

 كتب جاد الحكيم في ليبانون نيوز:

ما بين التراث الماديّ وغير الماديّ، يحجز لبنان مركزًا هامًا له على الصّعيد الثقافيّ ما بين الدول العربية والعالميّة، حيث لا يزل  بعضٌ من الأشخاص يحاولون أن يقومون بنقل هذا التراث رغم الصّعوبة من جيلٍ إلى جيلٍ، ليحافظوا على تميّز لبنان بين دول العالم، و لينقلوا التراث إلى ما وراء الحدود اللبنانيّة.

د. خضر ترّو، محاضرٌ جامعيّ، ومسؤول فنيّ في فرقة “برجا للفنون الشّعبيّة” التي تتقن فنّ الدبكة التّراثيّة اللّبنانيّة، يشرحُ عبرَ حديثِ خاص لموقعنا، كيف تطورت الدبكة، وانتقلت من زمنٍ إلى زمنٍ آخر، من خلالِ محطاتٍ تاريخيّة، ترسمُ طريقَ هذا الفن، الذي لا يزال عنصرًا أساسيًّا في حياةِ كلّ لبنانيّ.

 “أينما يحلُّ اللّبنانيّ تحلُّ الدبكة”، هكذا يصف ترّو هذا التّراث الذي يفتخر به أي لبنانيّ، ويحملُه معَهُ إلى أيّ مكانِ تواجدَ فيه، ويشيرُ ترّو إلى أنَّ لبنان من أغنى الدول ثقافةً وتراثًا إذ يحمل العادات والتّقاليد منذ زمن طويل.

الدبكة وليدة المجتمع

“إيد بإيد خلقت الدبك..” هكذا يسرد د. خضر ترّو تاريخ الدبكة اللّبنانيّة التي لديها قصّة إستثنائيّة متميزة، فيقول:” منذ القدم، عند إنشاء وبناء البيوت، وسَقْفِها بالطّين والتّراب،لم يكن هناك محادل، فكان أبناء القرية يشبكون الأيدي ببعضهما البعض ويدبكون على أنغام “العونة، العونة، واللّغة بوقتھا كانت سریانیة،…” لساعاتٍ وساعات يكملُ الرجال الحدل بأيدٍ متشابكة على أنغام “العونة”، إلى أن يحدلوا السّطح، وما يؤرّخ هذه اللّحظات هي أغاني الراحل وديع الصّافي الذي نقل هذه المشهديّة من خلال أغانيه التراثية.

ويكمل ترّو رواية الدبكة، إذ أن قوة “الدلعونا” تختلفُ ما بين منطقة وأخرى، إذ أن الدبكة البعلبكيّة تتميزُ بالمجد التي أعطاها راقصوها لها، مرورًا بدبكة جبل لبنان التّي رسمت هوية خاصّة لها، وصولا إلى العديد من المناطق اللبنانية، التي ولدت منها “دبكات” على أصوات المنجيرة في الجبل، أو المجوز في البقاع، وهذا ما نقله أيضًا الفنان الراحل زكي ناصيف عبر لوحاته الغنائية التراثية.

التاريخ الذهبي

يسرد د. خضر ترو تاريخ تلقين الدبكة اللبنانية، إذ يشير إلى أنّه داخل كلية التربية في الجامعة اللبنانية كان هناك دبلوم مخصص للفلكلور، والتي كانت تقود هذه المهمة الأستاذة وديعة جرار، والتي توازيًا أنشأت أول فرقة في لبنان، حيث كان من أعضاء هذه الفرقة، عبد الحليم كركلا، فهد العبدلله، عمر ترو، وغيرها الكثير من الأسماء، إلى أن استطاعوا أن يخرّجوا أساتذة في الفلكلور.

فرقة برجا للفنون الشعبية

ويشير ترّو إلى أنَّ الأمر لم يكن متوقفًا على المدارس، إذ أن عمالقة الفن اللّبناني أصرّوا على أن يقوموا بنقلِ اللّوحات التّراثيّة إلى لوحاتهم الغنائيّة، والكلام هنا عن عمالقة الفن أمثال فيروز، وصباح، ووديع الصافي، الذين لم يكن يتخيل لأبصار المشاهدين أبدًا أن يطالعوا فيروز بدون فرقة دبكة تشعل المسرح معها.

وهنا يؤكد ترّو على أنّ الأمور الفنيّة التي رافقت هذا الفلكلور تتطورت إلى حدّ باتَ يُضربَ لها مواعيد سنويّة ينتظرُها اللّبنانيون والعرب.

 

 

تحوير الدبكة

يوضح الدكتور خضر ترّو بأنَّ مشكلة كبيرة طرأت على صورة وهوية الدبكة اللّبنانية عند بروزِ فرق الزفة التي تتواجد في الأعراس التي استسهلت خطوات الدبكة اللبنانيّة، بوقتٍ تحتاجُ الدبكة التّراثيّة الأثريّة إلى خطواتٍ دقيقةٍ لا يمكنُ أن يؤديها أيّ كان، ومن هنا يؤكد ترّو على أنَّ هذا الإستسهال يُفقدُ الكثير من أصالةِ الدبكة.

الأمر توازيًا إعلاميًا، إذ أن الإعلام هو شبه غائب عن عرض الدبكة اللبنانية أو تخصيص برامج، أو حتى عروض مخصّصة لها، وهذا ما يسهم بانحدار هذا التراث بدل تقويته من المواقع التي يكون لها الدور الكبير بنقله إلى العامة.

يشدّد د. خضر ترو على أن الدعم شبه غائب لناحية أمور الدبكة اللبنانيّة، إذ أنّه بصفته مؤسس فرقة برجا للفنون الشعبية فإنّهم يعملون باللحم الحي لأجل إكمال المسيرة الطويلة والتي تمتد لأكثر من عشرين سنة، وتوازيًا يؤكد ترو على أن ما يقارب الناديين فقط فيما يخصّ الدبكة لا يزالان يعملان في لبنان، وهذا يعود لعدة عوامل منها الوقت، والكلفة، والصعوبة.

فرقة برجا للفنون الشعبية استطاعت حجز مكان استثنائي لها، إذ أنه ورغم الظروف لا تزال الفرقة قادرة على إعطاء المزيد لهذا التراث من خلال مجموعة من الشابات والشباب عقدوا العزم على الذهاب بعيدًا، وعدم الإستسلام أمام الظروف، ومن هنا يشدد د. خضر ترو على أنّه وطالما هناك إرادة مشتركة من قبل الجميع فإن الفرقة ستبقى نابضة بالحياة، فجميعنا يعلم قيمة الدبكة اللبنانية، وهذا ما فتح لنا المجال بالتواجد في العديد من المهرجانات سواء في لبنان أو خارج لبنان كقطر مثلا.

 

غياب المعنيين

لا يخفى عن أحد حجم التدهور الكبير الذي أصاب القطاعات في لبنان، فما بالك بالثقافة التي تعتبرها الدولة وللأسف من الكماليات. من هنا يؤكد د. ترّو على أن وزارة الثقافة بعيدة كل البعد عن التواجد مع هذه النوادي، أو المبادرات، وهذا ما يفسّر فعلاً الإنحدار الذي أصاب التراث في لبنان، والأمر لا يتوقف عند وزارة الثقافة يضيف ترو، إذ يقول بأن وزارة التربية أيضًا تلعب دورًا هامًا وأساسيًّا في عملية نقل التراث ودعمه، إذ أن الأمر لا يتوقف فقط عند الدعم، لا بل عند مشكلة الإستسهال بتقنيات الدبكة من خلال مسابقات وبرامج لا تمتُّ للدبكة اللبنانيّة التّاريخيّة بأي صلة.

الإرادة والعناد

بهذه الكلمتين يلخّص ترو كلامه حول استمرارية النادي،  معبرًا عن الإستمرارية التي يطمح إليها، من دون أن يخفي حجم التكاليف المادية التي قد تمنع استمرارية أي نادي، ومن هنا يشير د. خضر ترّو إلى أن لوازم الشباب فقط قد تضاهي ٤٠٠٠$، هذا عدا عن لوازم الشابات، والديكورات، وغيرها من اللوازم التي ترافق العرض الإستثنائي.

 

فرقة برجا للفنون الشعبيّة هي مثالٌ حيّ على التفاني، والمحاربة، لأجل الإستمرار بهذا العطاء.. هي مثال على العناد اللبنانيّ الذي لا يستسلم أمام أي ظرف، لا بل رغم الظروف التي يعاني منها لبنان، ظلّت فرقة برجا للفنون الشعبية صامدة، لا بل مستمرةً على إكمال الطريق الذي يعبّر عن لبنان الثقافة، والذوق، والقوة… وستبقى ضربات الدبكة اللبنانية مسموعة طالما هناك فرقة متفانية كفرقة برجا للفنون الشعبيّة..

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى