أخبار محلية

الحرب..كأداة للكراهية والتعصب والإستزلام!

كتبت د. سيلفا بلوط في “جنوبية”:

لم تكن الحرب الاهلية في لبنان، مجرّد اقتتال دموي بين طوائفه فحسب، بل أيضاً كانت واجهة أو أداة، للقضاء على الهوية الوطنية التي تناثرت كما جثث اللبنانيين. ولسنا هنا في صدد مقاربة أو تحليل سياسيّ لما حدث، على مدى أعوام طويلة، من ويلات توالت حتى هذا الوقت، و تجلّت في التعصب والمحسوبيات و تشكيل الميليشيات التي عبثت بأمن اللبنانيين و أمانهم… لكن لا بدّ من الاشارة، وكما بات معروفاً و مألوفاً أيضاَ، إلى أنه تمّ، و منذ اندلاعها، إقحام لبنان في ملفات إقليمية، و تحويله من ثم إلى ميدان أو ساحة نزاع دولي، لحلّها على حساب وحدته وأمنه و حتى عروبته. كما جرى تعطيل مؤسساته، من خلال نشر الفساد والمحسوبية والوساطات، ليُصار إلى التضحية بها فداءً لمؤسسات الطوائف. وأصبح لكل طائفة مؤسساتها الخاصة، من تربوية إلى اجتماعية وحتى مهنية، استطاعت من خلالها استغلال قسم كبير من أفرادها، هذا عدا عن أنها نهبت ثروات الوطن بما “ملكت أيديها”!
عزّزت الحرب الأهلية اللبنانية، ما لا يقل سوءًا عن مظاهر القتل والخطف والفساد والسرقة، و تجلّى في تحوّل خطير أدخلته في طبيعة التنشئة نفسها. وبدلاً من أن ترتكز على نقل القيم الوطنية، وتعزّز الانتماء إلى الوطن، باتت تغرس في الأجيال، قيماً بعيدة عن الوطنية لتعترف فقط بالانتماء الطائفي. وبذلك، تجلّى وجه آخر للتنشئة تمثّل في الكراهية ونبذ الآخر المختلف. و أتت النتيجة أن ظهرت الروابط “المَرَضية” بين أفراد الطائفة الواحدة، وذلك بسبب ما تميّزت به من تضامن أعمى و تبعية لاعقلانية، وصولاً إلى حالة، هي أشبه بهوس التعلق بالطائفة. وبتنا نرى عند قسم كبير من الأفراد، إستماتة وإنكار للذات، في سبيل الدفاع عن طائفتهم و زعيمها. إقرأ ايضاً: الملف اللبناني «فاتر» عربياً..و«إشتباك» تشريعي بين السلطة والمعارضة! وإذا ما تناولنا التعصّب الطائفي، الذي تجذّر بفعل سنوات طويلة من الاقتتال، لرأينا أنه يحمل وجهين للتدمير. يتمثّل الأول في تدمير الذات، والثاني في تدمير الآخرين، بمعنى آخر، يدفع هذا التعصّب الفرد، إلى تجريد ذاته من قيمتها الفردية، وعدم الاعتراف بها ككيان مستقل له هويته الخاصة به. كما يحمل، أيضاً، تدميراً موجّهاً نحو الآخر المختلف، والذي تتم محاولة تجريده، من استقلاليته وترهيبه فكرياً و جسدياً. و مما لا شكّ فيه أن تدمير الآخر، ما هو إلا اسقاط لتدمير الذات. و لعلّ ما جرى من تصفيات لأصحاب الرأي الحر، خلال هذه الحرب و إبّانها، كان خير دليل على ما غرسه التعصب الطائفي، من تربية “لقطعان” آدمية تم تدجينها، من أجل إنكار ذواتها، ليتم تحويلها بعد ذلك إلى أدوات لتخوين الآخر و ترهيبه.
وأما بالنسبة إلى الكراهية، فهي وجدت قبل الحب، لأنها ترتبط، في الأساس، بالحفاظ على الذات و تماسكها. وهي تظهر في كل مرة يشعر الفرد بتهديد، فيتبدّى سلوكه عدوانياً. ومن هذا المنطلق، يمكن القول، أن دفع الفرد إلى الشعور الدائم بالخطر أو الاضطهاد، يولّد لديه الكراهية. وفي هذا الصدد، يمكن القول أن الحرب الأهلية أظهرت أن زعماء الطوائف، وجدوا في تحريض مواليهم على إطلاق كراهيتهم تجاه الآخرين، معيناً لهم في سبيل الاطباق على السلطة. بمعنى آخر، لقد جعلوا من كراهية مواليهم “متاريساً”، إن جاز التعبير، احتموا بها بعد أن عمدوا إلى استلاب عقول هؤلاء و حوّلوهم إلى “جنود” بهدف ترهيب الآخرين. و لعلّ ما اختبرناه و ما زلنا، حتى هذا الوقت، من عجز قسم الناس على تغيير أنفسهم هو خير دليل على أنهم “أسرى” تعصّبهم الطائفي. ومن هذا المنطلق، ما زال أمام التغيير، طريق معبّد بالكثير من العقبات، و أبرزها عدم قدرة الكثيرين من التحرّر من سجن “طائفتهم”.
ولعلّ المفارقة الأكبر في كلّ ذلك، هو أن المواطن نفسه الذي يهاجم النظام السياسي بسبب طائفيته، ويتهمه بأنه المسؤول الأول والأخير عن فقره و إذلاله أمام المستشفيات والأفران… هو نفسه يرفع المسؤولية عن زعيمه الطائفي و يبرّئه. وهنا، لا يسعنا إلا التحدث عن ازدواجية أو فصام جماعيّ!… خلاصة، في كلّ مرة يتم تناول ما أفرزته الحرب الأهلية من تعصب واستزلام ووصولية… يفرض التغيير نفسه كمنقذٍ. وفي كل مرة يتم فيها تناول التغيير، يغيب عن البال أنه لا يمكن أن يتحقق إلا إنطلاقاً من تغيير الفرد لذاته. وهذا ما يتجاهله قسم كبير من اللبنانيين!…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى