أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنياميان نتنياهو موافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار مع لبنان. أسباب كثيرة بعضها تبريرية وأخرى سرّية هي التي دفعته إلى ذلك. وصف نتنياهو ما جرى بأنه مبادرة هو تقدّم بها، وطبعاً سجالات كثيرة ستنتج حول المنتصر والمهزوم، وحول اليوم التالي للاتفاق. قبل خروج نتنياهو وإعلان وقف النار، كانت الساعات التي انتظرها اللبنانيون كأنها دهر، على الرغم من كل التطمينات والأجواء الإيجابية التي تبلّغها المسؤولون اللبنانيون من الفرنسيين والأميركيين طوال يوم الثلاثاء. إذ كان التواصل مفتوحاً ساعة بساعة، إلا أن الخوف بقي قائماً من أي فخ ينصبه الإسرائيليون، ومن أي تراجع سيقدم عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.
تسريبات إسرائيلية
طوال ساعات الانتظار والتنسيق حول آليات إعلان وقف النار، والتي كان الاتفاق أن تبدأ من إسرائيل بعيد اجتماع الحكومة المصغرّة، وإعلان نتنياهو للأمر، على أن يتم تبليغ الأميركيين رسمياً ليعلن الرئيس الأميركي جو بايدن الاتفاق على وقف إطلاق النار، كما سيفعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأمر نفسه، وهو فكّر جدياً بالقيام بزيارة إلى لبنان لتتويج هذا الاتفاق لاحقاً.
على قلق راقب لبنان كل المسارات وانتظر، خصوصاً أن التسريبات الإسرائيلية حول نقاط أساسية لم تكن تبشر بالخير. إذ تعمّد الإسرائيليون تسريب 3 نقاط أساسية:
طوال ساعات الانتظار والتنسيق حول آليات إعلان وقف النار، والتي كان الاتفاق أن تبدأ من إسرائيل بعيد اجتماع الحكومة المصغرّة، وإعلان نتنياهو للأمر، على أن يتم تبليغ الأميركيين رسمياً ليعلن الرئيس الأميركي جو بايدن الاتفاق على وقف إطلاق النار، كما سيفعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأمر نفسه، وهو فكّر جدياً بالقيام بزيارة إلى لبنان لتتويج هذا الاتفاق لاحقاً.
على قلق راقب لبنان كل المسارات وانتظر، خصوصاً أن التسريبات الإسرائيلية حول نقاط أساسية لم تكن تبشر بالخير. إذ تعمّد الإسرائيليون تسريب 3 نقاط أساسية:
– تمسكهم بحرية الحركة في لبنان في حال حصول أي خرق، وإعلانهم عن تحصيل ضمانة أميركية بهذا الصدد.
– إصرارهم على انسحاب حزب الله في الأيام الأولى لوقف النار، وقبل أن يبدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي بالانسحاب من جنوب لبنان.
– إصرارهم على أن يسلّم حزب الله سلاحه للجيش اللبناني بشكل علني، وتحت رقابة لجنة المراقبة التي يقودها جنرال أميركي.
لبنان: النقاط على الحروف
في المقابل فإن لبنان كان يوضح النقاط الأساسية للاتفاق والتي تتعارض مع ما طرحه الإسرائيليون، وأبرزها:
– لا وجود لأي حرية حركة للإسرائيليين. وفي حال حصل أي خرق يتم إبلاغ لجنة المراقبة التي تولي المهمة إلى قوات اليونيفيل والجيش اللبناني.
– يبدأ انسحاب الجيش الإسرائيلي فور وقف إطلاق النار ويبدأ الجيش اللبناني بالانتشار.
– بعد دخول الجيش إلى الجنوب يبدأ حزب الله بالانسحاب.
وحسب ما تقول مصادر متابعة فإن لبنان الرسمي لا يريد مناقشة بنود الاتفاق بشكل علني، حتى في الاجتماع الوزاري الذي دعي إليه صباح الأربعاء. لم يكن هناك رغبة لعرض الاتفاق بتفاصيله على الوزراء كي لا يتم تسريبه، بل سيكتفي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بـ:
– الإعلان عن اتفاق وقف النار والترحيب به.
– توجيه الشكر إلى الأميركيين والفرنسيين على جهودهم.
– إعلان بدء انتشار الجيش اللبناني في الجنوب إلى جانب قوات اليونيفيل.
– العمل على تعزيز الأمن والاستقرار والسعي إلى إعادة الإعمار.
مهلة لسحب السلاح؟
بعد الاجتماع الوزراي، يزور قائد الجيش جوزيف عون السراي الحكومي، ويتبلغ القرار السياسي بتعزيز وجود وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب. فضّل لبنان الرسمي أن يبقي الكثير من التفاصيل طي الكتمان، لما يساعد في سبيل تطبيق الاتفاق. في الموازاة، تفيد مصادر متابعة بأن حزب الله، كان يصرّ على عدم تسليم السلاح للجيش اللبناني. وعدم سحب السلاح بطريقة علنية وأمام وسائل الإعلام. وطلب الحزب مهلة زمنية ليعمل على إنجاز الترتيبات اللازمة لسحب السلاح من جنوب نهر الليطاني.
فوق كل هذه التفاصيل، وعلى الرغم من الضمانة الأميركية والفرنسية حول إنجاز اتفاق وقف النار، بقي لبنان خائفاً من تراجع نتنياهو وبانتظار الإعلان الرسمي الإسرائيلي. لا سيما أن الشكوك والمخاوف كانت نابعة من احتمال لجوء الإسرائيليين إلى الإعلان عن أن لبنان رفض الموافقة على الشروط التي يريدونها، بسبب التضارب في التسريبات حول نقاط الاتفاق. علماً أن لبنان بقي مصراً على أن العبرة في التنفيذ وفي مدى التزام الإسرائيليين بكل مضمونه.
مما لا شك فيه أن أسئلة كثيرة تطرح حول الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى الموافقة على وقف النار. خصوصاً أن كل التقديرات السياسية في لبنان، والديبلوماسية تشير إلى أن هذا الاتفاق بصيغته وتوقيته لا يلبي كل الطموحات الإسرائيلية. إذ كانت اسرائيل تريد انتصاراً ساحقاً على حزب الله، وتغيير الوقائع العسكرية والأمنية والسياسية في لبنان، وهو ما لم يتحقق. كذلك خرج الكثير من الأصوات في الداخل الإسرائيلي لمعارضة الاتفاق واعتباره منقوصاً وغير واضح، وفيه الكثير من الالتباسات، ويمكنه أن يوفر فرصة حقيقية لحزب الله لإعادة ترتيب قوته وصفوفه. أي هناك من يشبهه بصيغة نهاية حرب تموز عام 2006.
من التقييمات أيضاً أنه على الرغم من ضرب قيادة حزب الله ومسؤوليه العسكريين، بقي الحزب قادراً على تنفيذ عمليات قوية استهدف فيها العمق الإسرائيلي، وخصوصاً تل أبيب وحيفا. كما أن الحزب لا يزال يتمتع بقدرات عسكرية كبيرة وصواريخ بعيدة المدى تطاول عمق إسرائيل، وإن لم تكن موجودة في جنوب نهر الليطاني، وكذلك بالنسبة إلى المسيّرات التي يتم إطلاقها من البقاع. ما يعني أن إسرائيل لم تتمكن من إزالة تهديدات الحزب وإنهاء قوته.
أسباب غير معلنة
وللتدقيق في الأسباب التي قد تكون دفعت إسرائيل للقبول بهذا الاتفاق، لا بد من العودة إلى بضعة أشهر سابقة، عندما برزت تسريبات إسرائيلية عن نقص كبير في الذخائر لدى الجيش الإسرائيلي؛ وهذا الأمر ليس تفصيلاً في لعبة الوقت والرهان عليه في الحروب وامتناع الأميركيين عن تزويد الإسرائيليين بالأسلحة اللازمة لمواصلة الحرب الطويلة. بينما بقي حزب الله محتفظاً بقدرة عالية من الصواريخ التي يطلقها على الداخل الإسرائيلي. فالإدارة الأميركية ضغطت في مسألة عدم منحه المزيد من الأسلحة والذخائر، والذهاب إلى مجلس الأمن لتمرير قرار بوقف إطلاق النار (علماً أن نتنياهو لم يقم أي اعتبار لقرار مجلس الأمن بوقف الحرب على غزة، وإسرائيل لم تلتزم يوماً بأي قرار صادر عن مجلس الأمن)، ذلك سيمثل تحولاً في الموقف الأميركي تجاه إسرائيل، والذي يأتي معطوفاً على قرار المحكمة الجنائية الدولية تجاه نتنياهو. وهذا الأمر أيضاً، ليس تفصيلاً، في سياق الضغط الدولي على نتنياهو الذي يطالب بضمانات أميركية لحمايته من المحكمة.
ملفات الداخل الإسرائيلي
من بين الأسباب أيضاً، هو لجوء الإدارة الأميركية إلى خطوات تتعارض مع مصلحة نتنياهو وترامب معاً، وقد أقدمت على تجربة من خلال السماح لأوكرانيا بضرب العمق الروسي، في مسار مخالف كلياً لاستراتيجية ترامب، الذي يريد التهدئة ووقف الحرب والتقارب مع روسيا، وما سينجم عن ذلك من ردّ روسي عنيف ومباشر. لذا، فيمكن للإدارة الأميركية الذهاب إلى اتفاق معدّل مع إيران، وتضع ترامب أمام أمر واقع وتفرض مسار جديد في المنطقة. ما سيكون له تداعيات كثيرة على المنطقة وعلى المسار الذي يريده ترامب. فنتنياهو يريد تجنب حصول أي اتفاق إيراني أميركي. علماً أن بعض المعلومات والتسريبات التي تتحدث عن موافقة إيرانية على وقف إطلاق النار، وعن مفاوضات غير مباشرة مع الأميركيين، بالإضافة إلى معلومات أخرى تفيد بأن مفاوضات فرنسية إيرانية حصلت في سبيل استئناف التفاوض بين طهران والأوروبيين مقابل وقف النار في المنطقة وخصوصاً في لبنان. عنصر جديد يمكن إضافته لإلزام نتنياهو بالموافقة على الاتفاق، وهو فتح ملفات كثيرة لنتنياهو في الداخل الإسرائيلي، حول التحقيقات في أحداث 7 تشرين، والتحقيقات حول تسريب معلومات، وملفات أخرى تجعله مضطراً للتراجع خطوة إلى الوراء.
التحكّم بعودة النازحين
سيسعى نتنياهو من خلال الاتفاق للحصول على ذخائر أميركية، وعلى ضمانات من واشنطن في السماح له باستمرار القيام بعمليات في الداخل اللبناني. كما أنه سيحاول وضع الكثير من الشروط في الآليات التطبيقية لتنفيذ القرار طوال فترة الستين يوماً، خصوصاً لجهة عودة السكان ومحاولة التحكم بالذين سيعودون، أي سيمنع الكثيرين من العودة بحجة انتمائهم لحزب الله، كذلك بالنسبة إلى آلية الانسحاب الإسرائيلي من القرى اللبنانية، علماً أن الدخول إلى هذه القرى لم يكن في سبيل احتلالها والبقاء فيها، بل لفرض وقائع يريدها حول الوضع السياسي والعسكري في الجنوب، والتحكم بكل المسارات حول الذين سيعودون، ومنع بناء حزب الله لقدراته وبناه التحتية، والإشراف على إعادة الإعمار.
ما حاول نتنياهو فرضه في الاتفاق أيضاً، هو عدم البت في مسألة الإفراج عن أسرى حزب الله الذين تم اعتقالهم من قبل الجيش الإسرائيلي. كما هناك إصرار إسرائيلي على تأجيل البحث في مسألة ترسيم الحدود إلى ما بعد الستين يوماً. وهذا يعني ترك المسألة معلّقة رهن التطورات أو أي عرقلة قد يتعرض لها الاتفاق والعودة إلى حالة الحرب، خصوصاً أن إسرائيل لا تزال تتحدث عن الخط الأزرق ولا تتحدث عن الحدود الدولية، وتسعى إلى تأجيل البحث بمسألة مزارع شبعا.
هذا الوضع سيتعاطى معه حزب الله بأن بقاء قوته المقاومة هو حاجة وضرورة، أولاً في سبيل تحرير الأسرى من المعتقلات الإسرائيلية، وثانياً في سبيل تحرير الأرض وتحقيق الانسحاب الإسرائيلي منها.
هذا الوضع سيتعاطى معه حزب الله بأن بقاء قوته المقاومة هو حاجة وضرورة، أولاً في سبيل تحرير الأسرى من المعتقلات الإسرائيلية، وثانياً في سبيل تحرير الأرض وتحقيق الانسحاب الإسرائيلي منها.