تحليل السياسات

مرجعية النجف تدق ناقوس خطر..صححوا أخطاءكم قبل فوات الأوان

بغداد - وليد إبراهيم

ليس خطاباً عابراً بتوقيت عابر، ذاك الذي أعلنته المرجعية الشيعية في العراق قبل أيام، بل هو صرخة مدوية أرادت من خلالها دق جرس إنذار قبل فوات الاوان. هي نفسها المرجعية التي كانت قد أعلنت في الماضي القريب “بُحت أصواتنا”، عندما لم يستمع إليها من يعينهم الأمر حين دعت في أكثر من مناسبة إلى تصحيح أخطاء الماضي التي يعتقد كثيرون أنها كادت، أو تكاد، أن تجهض ديمقراطية العراق الناشئة وتطيح بها.
تعود اليوم، وهي التي تحظى بقدسية شيعة العراق بشكل خاص واحترام العراقيين بشكل عام، لتصدح بصوت عالٍ وتحذر من تداعيات محتملة على الشأن العراقي بسبب تطورات خطيرة  تحدث في المنطقة وصفته بأنها “بالغة الخطورة وأن العراق لن يكون بمنآى عن تداعياتها عاجلاً أم أجلاً”.
مسارات التصحيح
وكعادتها، عمدت المرجعية في كلمتها التي ألقاها قبل بضعة أيام الشيخ عبد المهدي الكربلائي، إلى تحديد ثلاثة نقاط أساسية لتصحيح المسارات ابتدأتها بمنع التدخلات الخارجية وأنهتها بمحاربة الفساد، مروراً بحصر السلاح بيد الدولة، وهو التحدي الذي بات الشغل الشاغل لكثير من النخب الذين ما انفكوا يحذرون من تداعيات التأخير في مواجهة استحقاقاته.
وبلغة هي أقرب إلى التحذير منها إلى التنبيه، دعت المرجعية من وصفتهم بالنخب الواعية، إلى اتخاذ إجراءات حقيقية لضمان تحقيق هذه المسارات “وإلا فإن مستقبلهم لن يكون أفضل من حاضرهم”.
يتفق كثيرون أن لا جديد في هذا الموقف الذي أعلنته المرجعية، ولا حتى المسارات الثلاثة التي دعت إلى تبنيها. لكن الجديد هو أنه جاء في توقيت حساس وخطير تشهد المنطقة فيه تطورات خطيرة، حيث يعتقد كثيرون أن كرة اللهب التي تحركت في الجوار العراقي ستصل إلى الداخل، وأن على صانع القرار العراقي الاستعجال بتصحيح الأخطاء واتخاذ ما يضمن حماية الداخل العراقي من أية اهتزازات قد تعرض التجربة العراقية إلى الخطر.
ورغم أهمية الموقف واستشعار الكثيرين خطورته، ذهب آخرون إلى التساؤل عن مغزى هذه الدعوة وما تضمنتها من تحذيرات، خصوصاً وأن الطبقة السياسية التي تسيطر على مقاليد السلطة في البلاد هي نفسها التي تتحكم بالمشهد السياسي منذ نحو عقدين من الزمن، وهي التي لم تحرك ساكناً رغم كل دعوات التصحيح المتكررة التي أطلقتها المرجعية سابقاً.
ورغم وجود ما يرتقي إلى القناعة الجامعة بضرورة تصحيح مسارات المشهد السياسي وأن هذا الأمر بات يتطلب وجود بيئة قانونية قادرة على إنضاج وتمرير تشريعات وقوانين تضمن وصول وجوه وقوى جديدة قادرة على إحداث التغيير بعيداً عن تلك التي هيمنت على المشهد منذ أكثر من عقدين من الزمن، الا أن القناعة الحاضرة أيضاً أن تحقيق هكذا مسار بات صعباً جداً في ظل وجود طبقة سياسية سيطرت تماماً على المشهد ولم تعد تعير اهتماماًً لدعوات التغيير والإصلاح لأنها تتعارض مع مصالحها بالدرجة الأساس. يضاف إليها أن هذه الطبقة السياسية لا نية لها بالتنحي أو التراجع لفسح المجال أمام صعود قوى سياسية جديدة قادرة على إحداث التغيير وتصحيح المسارات.
هذه القناعة دفعت البعض إلى الحديث صراحة أن إحداث التغيير من الداخل أصبح أقرب إلى المستحيل، وبالتالي لا بد من وجود آليات غير تقليدية قادرة على فرض التغيير حتى وإن كان بالقوة، وهو موقف يعارضه طيف آخر يعتقد أن مثل هكذا دعوات يمكن أن تتسبب بانزلاقات خطيرة داخل العراق.
حصر السلاح بيد الدولة
ورغم أن المرجعية حددت ثلاثة مسارات للتصحيح. ألا أن الحديث عن مسار حصر السلاح بيد الدولة تجدد بقوة في الأيام الماضية وبات الشغل الشاغل لحديث كواليس السياسة، حيث ساهمت التطورات المسلحة الاخيرة التي شهدتها المنطقة بإعادته بقوة إلى الواجهة.
ليست المرة الأولى التي يتصاعد فيها الحديث عن ضرورة وجود إجراءات تضمن إنهاء ما بات يعرف بـ”السلاح المنلفت” وحصر السلاح بيد الدولة. خطورة وأهمية هذا الكلام تعني إنهاء الوجود المسلح للفصائل المسلحة العراقية وغيرها، وهي مهمة يتفق كثيرون أنها ليست سهلة لعدم وجود إرادة سياسية حقيقية تضمن تحقيق هذه الامر.
ويبرر المدافعون عن الوجود المسلح لهذه الفصائل والتي تعتبر نفسها جزءاً من “محور المقاومة”، بأن إلغاء وجودها سيضعف الدولة ويهدد نظامها السياسي، خصوصاً مع وجود تهديدات حقيقية في الجوار العراقي، وهو ما يستدعي بقاء هذه الفصائل للدفاع عن العراق إن اقتضى الأمر. هذا الموقف يعارضه كثيرون يعتقدون أن وجود الفصائل سيكون سبباً رئيسياً لما قد يواجهه العراق من تداعيات من الولايات المتحدة تحديداً، قد تتمثل باتخاذ عقوبات ضده أو ربما تنفيذ ضربات جوية محتملة قد تستهدف هذه الفصائل وقادتها، وهذا هو السبب الرئيسي للدعوة التي أطلقتها المرجعية، بحسب هؤلاء.
في هذا الإطار، كشف النائب السابق الشيعي، القاضي وائل عبد اللطيف، أن التحذير الذي أطلقته المرجعية جاء على خلفية رسالة أميركية وصلت قبل أيام إلى جهات عراقية رفض تسميتها، تضمنت تحذيرات صريحة موجهة للفصائل المسلحة مفادها “حُلوا أنفسكم وسلموا سلاحكم وإلا فإننا سنتدخل ونُحلِكم بالقوة”.
وقال في مقابلة تلفزيونية، إن هذه “الرسالة كانت السبب وراء إطلاق المرجع (علي السيستاني) هذا النداء”.
استحقاقات المسقبل
هذه التطورات لم تاتِ اعتباطاً لكنها تصاعدت بالتزامن مع ما شهدته المنطقة من تداعيات على خلفية المواجهة المسلحة بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أُخرى، والتي هددت فصائل عراقية مسلحة مقربة من إيران، بأنها ستتدخل في هذه المواجهة وستستهدف المصالح الأميركية في المنطقة إذا تدخلت الولايات المتحدة لدعم إسرائيل ضد إيران.
ورغم نجاح حكومة بغداد في تجنب تورط أطراف عراقية بهذه المواجهة، الا إن هذا لم يمنع من تأزم الوضع الداخلي العراقي الذي راقب بقلق كبير تطور المواجهة بين الطرفين لحظة بلحظة.
هذا الأمر دفع كثيرين إلى التأكيد والتذكير بضرورة حسم حصر السلاح بيد الدولة واتخاذ إجراءات ناجعة بحل هذه الفصائل التي لا تزال ترفض التخلي عن سلاحها.
ومع تراجع حدة المواجهة بالجوار العراقي، إلا أن ما تحدثت عنه المرجعية والتحذيرات التي أطلقتها، يؤكد أن الوضع العراقي سيكون على موعد مع تطورات ساخنة ومهمة وأن دعوات تصحيح المسار وبالذات حصر السلاح بيد الدولة، سيكون خياراً لا مفر من مواجهة استحقاقاته قبل فوات الأوان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى