مقالات صحفية

من بورتسودان إلى مشاريع “التفتيت”.. لماذا نحتاج “ناتو عربي” قبل فوات الأوان؟

من بورتسودان إلى مشاريع “التفتيت”.. لماذا نحتاج “ناتو عربي” قبل فوات الأوان؟

داني كرشي

في منطقتنا العربية، لم يعد الخطر يأتي من الخارج فقط. فالمشاريع الهدّامة لم تعد تُخفي وجهها، بل تتسلّل عبر شعارات دينية رنّانة ومقولات مزيّفة، لتزرع الفتن وتُهدّد استقرار الدول. وأخطر هذه المشاريع هو مشروع الإخوان المسلمين الذي تحوّل إلى سرطان سياسي واجتماعي يضرب في عمق عدد من الدول العربية.

الإخوان اليوم ليسوا مجرد تيار عابر، بل منظومة إقليمية متكاملة تسعى للهيمنة على الحكم وتفكيك بنية الدول الوطنية. الخطر يطوّق الأردن باستهداف مباشر، ولا يزال قائماً على مصر التي عرفت جيداً الوجه الحقيقي للإخوان بعد وصولهم إلى السلطة قبل أن يسقطوا تحت ضغط الشعب والجيش. أما السودان، فقد أصبح نموذجاً فاضحاً لهذا الخطر، حيث استولى الإخوان على القرار السياسي والعسكري عبر سلطة بورتسودان التي تدير جيشاً تابعاً لهم وتستخدمه لتكريس الانقسام والحرب الداخلية.

الافتراءات الإعلامية

في هذا السياق، برزت مؤخرًا واحدة من أكثر الأكاذيب وقاحة: مزاعم سلطة بورتسودان بأن الإمارات أوقفت رحلات الطيران من وإلى السودان. وسائل الإعلام الموالية لهذه السلطة تناقلت الرواية، محاولة إلصاق القرار بدولة الإمارات لإظهارها كطرف معتدٍ على الشعب السوداني.

لكن الحقيقة واضحة: مصدر مسؤول في الإمارات نفى بشكل قاطع أن تكون بلاده قد اتخذت أي إجراءات لتعليق الرحلات. القرار اتخذته سلطة بورتسودان نفسها، بقرار أحادي، لأهداف خبيثة تتجاوز الطيران إلى الحسابات السياسية والأمنية.

ضرب الجالية السودانية في الإمارات

هذا القرار لا يضر الإمارات، بل يضر بالدرجة الأولى أكثر من 200 ألف سوداني يعيشون ويعملون هناك. هؤلاء هربوا من جحيم الحرب التي أشعلتها سلطة بورتسودان ضد شعبها، ليجدوا أنفسهم اليوم رهائن لقرارات انتقامية هدفها ابتزاز الإمارات والتغطية على الفشل الداخلي.

النوايا الخبيثة خلف القرار

المعلومات المتوافرة تكشف أن هذه السلطة حاولت استخدام الطيران المدني كغطاء لتمرير عناصر إرهابية إلى الإمارات، تحت ستارة “مضيفي الطيران” في شركات سودانية. وحين انكشف المخطط، سارعت بورتسودان إلى اختراع ذريعة واتهام الإمارات بوقف الرحلات. أي أنّ القصة لم تكن سوى محاولة مكشوفة لتحويل الأنظار عن فضيحة أمنية خطيرة تهدّد الأمن العربي والخليجي على حد سواء.

عزلة دولية

ما قامت به سلطة بورتسودان ليس سوى حلقة جديدة في مسلسل هروبها من مواجهة الحقيقة. فهي فشلت في إدارة الحرب، وفشلت في الحفاظ على وحدة السودان، واليوم تفشل في إقناع المجتمع الدولي بشرعيتها. ومع تزايد الضغوط الخارجية، لم تجد سوى فبركة أزمات واختلاق عداوات مع دول عربية صديقة، لتبرّر انهيارها الداخلي.

درع عربي مشترك

كل ذلك يقودنا إلى سؤال جوهري: هل بتنا بحاجة إلى ناتو عربي؟
الجواب: نعم، وأكثر من أي وقت مضى. فالمشروع الإخواني لا يهدّد دولة بعينها، بل يهدّد المنظومة العربية بأكملها. ومن بورتسودان إلى غزة، ومن دمشق إلى طرابلس، يتكرّر المشهد ذاته: استغلال الدين، عسكرة المجتمعات، ضرب الجيوش الوطنية، وإشعال الحروب الأهلية.

دول الخليج وعلى رأسها الإمارات والسعودية أدركت باكراً خطورة هذا المشروع، لكن المواجهة الفردية لم تعد كافية. المطلوب اليوم تحالف عربي صلب، بمثابة “ناتو عربي”، تكون مهمته مواجهة الأخطار الإخوانية والإرهابية وحماية الأمن القومي العربي من مشاريع التفتيت.

إنّ سكوت العرب على ما يجري في السودان، وترك بورتسودان رهينة لمشروع الإخوان، هو تهاون سيدفع الجميع ثمنه. والخطر لا يهدّد السودان وحده، بل يطرق أبواب كل عاصمة عربية. فإمّا أن نبادر إلى بناء تحالف دفاعي مشترك يُحصّن منطقتنا، أو ننتظر أن تتحوّل كل دولة إلى نسخة ثانية من السودان أو ليبيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى