“لقاء خلدة” : استراتيجي نهضوي لاستعادة حقوق مسلوبة – د. هشام الأعور
يعبّر كثيرون من دروز لبنان عن قلقهم مما آلت اليه اوضاع طائفة الموحدين بعد محاولة ” الأحادية” الهيمنة على قرار الطائفة واسترسالها في مشاريع متقلبة وظرفية تهمل شؤون ابناء الدروز وتطلعاتهم لمصلحة ادوار شخصية وكأنها تأخذ بهم الى ما يشبه الانتحار.
بعد “غزوة الجاهلية” في ١ كانون الاول ٢٠١٨ والتي ادت الى استشهاد محمد ابوذياب بدأ الحديث عن مشروع استراتيجي نهضوي لاستعادة حقوق طائفة الموحدين المسلوبة وبلورة نبض جديد على الساحة الدرزية وهو ما يعرف ” بلقاء خلدة” الذي يشكل ترجمة واضحة للتفاهم الحاصل بين الأمير طلال ارسلان والوزير وئام وهاب حول ضرورة وضع استراتيجية نهضوية لاستعادة الحقوق المسلوبة من طائفة الموحدين ورفع الظلم والاجحاف اللاحق بها على الصعيد الوزاري والاداري والخدماتي والاسراع باستحداث مجلس شيوخ تكون رئاسته من حصّة الدروز. البحث
وإذاكانت نهاية ” الغربة” قد عكست تفاهما بين ارسلان – وهاب على أثر استشهاد محمد ابوذياب ،الا ان ذلك لا يمنع من ان يشكل “لقاء خلدة” ، الاطار المناسب الذي يجمع بين كافة الأقطاب الدرزية وفي طليعتهم النائب وليد جنبلاط ما دام يوجد مصلحة مشتركة عند جميع المرجعيات الدرزية في الجبل للخروج من حالة التقهقر والاحباط التي تولدت عند طائفة الموحدين بعد انتهاء الحرب وتراجع حضورهم الذي يتزامن أيضا مع انخفاض مستوى التمثيل السياسي للطائفة.
ففي حين كانت طائفة الموحدين تحصل على اهم الوزارات مثل وزارة الدفاع التي اسندت للأمير مجيد ارسلان في حكومة الاستقلال، الى جانب وزارة الداخلية التي كانت من حصة الطائفة الدرزية من خلال الزعيم الوطني كمال جنبلاط والنائب بشير الاعور بالاضافة الى الوزارات الخدماتية أو أكثر، تراجع التمثيل الدرزي بعد اتفاق الطائف ١٩٨٩ كثيرا عما كان عليه سابقا.
اما مجلس الشيوخ، الذي رأى فيه البعض بأن رئاسته هي جائزة ترضية للطائفة الدرزية ، فبقي حبرا على ورق الطائف. وبدا واضحا في الأعوام القليلة الماضية ، على عكس الشائع، عجز الطائفة الدرزية عن أداء دور ” بيضة القبان” بين المتنازعين وقد تبلورت هذه الحقيقة بشكل ساطع بعد التقارب بين الطوائف الثلاثة الكبرى الموارنة والسنة والشيعة الامر الذي انعكس سلبا على حجم التمثيل الدرزي في السلطة وزاريا واداريا وخدماتيا.
وبنتيجة المقارنة بين ما كانت الطائفة الدرزية عليه في يوم من الايام ، نظرا للدور التاريخي الذي لعبته تلك الطائفة في بناء الفكرة الاستقلالية مع الموارنة وتأسيس الكيان اللبناني وبين ما وصلت اليه اليوم اوضاع الموحدين وتراجع دورهم السياسي وتزايد معاناتهم الاجتماعية والاقتصادية كان من الطبيعي ان يتبلور ” لقاء خلدة” كمساحة مشتركة للبحث بشؤون طائفة الموحدين وأن يدعو الى اظهار وحدتها وعصبيتها ورفع الظلم عن ابناء الطائفة.
ان ” لقاء خلدة” لا يخشى ان يذهب الظنون بامرىء ليظن ان المرجعيات الدرزية في الجبل قد بدّلوا من نهجهم في النظر الى مسائل الوطن او من نوع مقاربتهم لقضايا الامة، ومنها القضايا الراهنة الضاغطة والملحة لشرائح واسعة من طائفة الموحدين الآن، ولكن لنعترف جميعا انه من المثالية والطوباوية والغباء، بل والخداع لجمهور المجتمع الدرزي، لو ان البعض يزعم ان امور طائفة الموحدين في لبنان منذ فترة هي في أحسن حال، أو أن أمر علاقتهم بالادارات اللبنانية، وحقوقهم فيها على وجه التحديد، هي طبيعية ، عادلة ، ومماثلة لعلاقة او حقوق أية فئة اخرى من الفئات الطائفية الأخرى المكونة للمجتمع اللبناني.
ان اوضاع طائفة الموحدين في الكيان اللبناني وحقوقهم فيها باتا منذ فترة، وتحديدا بعد اتفاق الطائف، على خلل فادح لا يليق بوطن يجب ان يتساوى افراده ومجموعاته في الحقوق والواجبات، ولا يليق بطائفة كيانية تجمع مخطوطات المؤرخين انها حكمت امارة جبل لبنان لمئات السنين بالحكمة والعقل وسعة الصدر والتنوع والمشاركة من كل الفئات الدينية المكونة للمجتمع اللبناني. فوجود كل الطوائف والمذاهب الاسلامية والمسيحية في جبل لبنان هو دليل ساطع على سياسة الدروز وانفتاحهم المجتمعي.
لا نكشف سرا حين نعلن عن الضائقة الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها غالبية الاسر الدرزية الفقيرة والمتوسطة الحال، وبخاصة في الارياف والاطراف. فالبطالة منتشرة بين صفوف الشباب بشكل متزايد، فضلا عن الهجرة الكثيفة الى اي مكان وبأية شروط طمعا بفتات من المال يقي شبان الدروز شر العوز والحاجة في مجتمع لم يتعوّد مد الأيدي او الصراخ طلبا للمساعدة.
وعلى قاعدة ان الشكوى لغير الله مذلّة ،لا يمكن لطائفة الموحدين ان تنجو من هذا المصير سوى الاقلاع عن سياسة العضّ على الجراح ، والدخول في مشروع القيامة النهضوي الذي يمثله “لقاء خلدة” لعلّ الايام القادمة تحمل لطائفة الموحدين العدل والانصاف فيُرفع عن قراهم الظلم والاجحاف المحيطان بها منذ سنوات، ويعطي ابناؤهم وأجيالهم الشابة الأمل في التخلص من كل معاني الألم والأسى والقهر والحرمان والظلم والبطالة والتسلط والعذاب.