تحليل السياسات

“حزب الله” بين صيف 2006 وخريف 2024

مروان الأمين-"نداء الوطن"

 

 

لطالما كانت الحروب نقطة تحوّل حاسمة في مسارات الدول والجماعات، فهي تصوغ معادلات جديدة وتعيد تشكيل الواقع السياسي والاجتماعي. لبنان، وعلى وجه الخصوص المكوّن الشيعي فيه، لم يكن استثناءً من تأثيرات الحروب، حيث لعبت النزاعات دوراً رئيسياً في تحديد الملامح والمسارات.

 

إذا ما نظرنا إلى حرب تموز 2006 وحرب أيلول 2024 كمثالين بارزين، يتّضح التناقض الصارخ في نتائجهما وتداعياتهما على لبنان بشكل عام، وعلى الطائفة الشيعية بشكل خاص.

 

خرج “حزب الله” بعد حرب 2006 بحالة تنظيميّة صلبة سياسياً وأمنياً وعسكرياً. كما أن السيد حسن نصرالله، أصبح أيقونة سياسية ذات أبعاد تتخطى حدود الانتماء الحزبي، ليطال سحرها الرأي العام الشيعي بمجمله. رسّخت هذه الحرب محوريّة “حزب الله” في رسم الحياة السياسية اللبنانية.

 

في المقابل، شكّلت حرب 2024 زلزالاً وجودياً لـ “حزب الله”، إذ أطاحت بقياداته العسكرية وأفقدته رمزه الأبرز وأيقونته السياسية، السيد نصرالله. خرج “الحزب” من هذه الحرب مُثقلاً بخسائر جمّة، أسفرت عن انهيار الصورة الأسطورية التي بناها على مدار أربعة عقود. أمّا قيادته الجديدة، فتفتقد للحضور والرمزية التي كانت تشكّل، إلى جانب عوامل أخرى، ركناً مهماً في حضور “الحزب” ودوره أمام أبناء مِلّته وعلى المستوى الوطني.

 

بعد حرب 2006، برزت مؤشرات قوّة “حزب الله” ومكانته، حيث أظهر حلفاؤه تمسكاً أكبر بتحالفهم معه، مجاهرين بالدفاع عنه وعن خياراته من دون أي تحفظ. كما سعى خصومه إلى إيجاد مساحات للتلاقي ولعقد تسويات معه.

 

لكنّ حرب 2024 شكّلت نقطة تحوّل، إذ شهد “الحزب” تراجعاً في قاعدة حلفائه، حيث هجره العديد منهم، بينما لم يتردد الباقون في توجيه انتقادات علنية لخياراته. أمّا خصومه، فقد أصبحوا في موقع أفضل بكثير مقارنة بما كانوا عليه قبل الحرب.

 

انتهت حرب 2006 بانسحاب إسرائيلي كامل من قرى الجنوب، وعودة فورية للجنوبيين إلى قراهم على الحدود مع اسرائيل. هذا الأمر أتاح لـ”الحزب” نسج سرديّة “الردع”، التي عززت حِجّته السياسية لجهة الاحتفاظ بسلاحه.

 

لكن حرب 2024 جاءت لتقلب هذه المعادلة رأساً على عقب. إذ أنّ الزلزال العسكري والأمني الذي أصاب “الحزب” أسقط سردية الردع ومعها أسطورة “الحزب”. كما أن هيبة “الحزب” تهشّمت بسبب تسليمه ببقاء الجيش الإسرائيلي على جزء من أرض الجنوب، وعدم قدرة الناس على العودة إلى قراهم، واستمرار الضربات لمنشآته العسكرية.

 

ألحقت حرب 2024 ضرراً بالغاً بصورة إيران في البيئة الشيعية. خرجت إلى العلن حالة التململ نتيجة ما وُصف بالتخاذل الإيراني في الرد على اغتيال السيد نصرالله، إضافة إلى التقاعس في ملف المساعدات وإعادة الإعمار. هذا الوضع دفع “حزب الله” إلى تكثيف حملاته الترويجية والإعلانية، في محاولة لإعادة ترميم هذا التصدّع. إن صورة إيران “الداعم والسند الكبير” التي ترسّخت في وجدان بيئة “حزب الله” بعد حرب 2006، أصيبت بتشوّهات يصعب ترميمها بسهولة.

 

في الخلاصة، بعد حرب 2006، سطع نجم النفوذ الإيراني مُتحكّماً في المشهد السياسي اللبناني، كما تعززت سيطرة “حزب الله” المطلقة على الطائفة الشيعية. إلا أنّ حرب 2024 مثّلت أفولاً لنجم هذا النفوذ في لبنان وفي المنطقة أيضاً، وبرزت في أوساط الطائفة الشيعية تساؤلات جوهرية حول مفاهيم الحماية، وجدوى الحروب، ودور السلاح، ومستقبل العلاقة مع إيران.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى