لم تشكّل الحكومة أمس، كما كان متوقعاً. لكن التأخير، لم يُضعف التفاؤل بتأليف قريب. بعد زيارة الرئيس المكلف إلى عين التينة، كان منتظراً أن يكمل طريقه إلى قصر بعبدا، لكنه لم يفعل. سرعان ما تبيّن أن التأخير مرتبط بالسعي إلى حل عقد محدودة طرأت أخيراً. عُقد قيل أنها غير جوهرية تتعلق ببعض الحقائب. أما الأساسيات فظل الاتفاق عليها منجزاً. حكومة تكنوقراط مؤلفة من 18 وزيراً، لا ثلث معطل لأحد فيها. أما العقد، فقد اعتبرها مصدر معني مساعي اللحظات الأخيرة لتحصيل مكاسب إضافية. وتركزت هذه العقبات في مطالبة النائب طلال ارسلان بحقيبة ثانية، وباعتراض كاثوليكي على حصول الطائفة على مقعد واحد، وبمطالبة الحزب القومي بمقعد حكومي.
من جهتها، رجّحت وزارية مقربة من رئاسة الجمهورية لـ”الشرق الأوسط” أن يتم الإعلان عن تشكيلة الحكومة اليوم بعد لقاء مرتقب بين دياب ورئيس الجمهورية ميشال عون”، مشيرة إلى أن لمسات أخيرة توضع على أسماء وزراء الاقتصاد والخارجية والدفاع”، مع العلم بأن هذه الوزارات هي من حصة الرئاسة و”التيار الوطني الحر.”
العقبات أمام التأليف
اذاً، لا تزال العقبات مستمرة أمام تأليف الحكومة، على الرغم من كل المساعي التي تبذل لتذليلها، وبحسب “النهار” استمرت ضغوط الساعات الاخيرة قبل الولادة المرتقبة للحكومة غداً أو بعد غد، للحصول على حقائب اضافية أو استبدال اسماء بأخرى ما يوحي بان موعد الولادة اقترب جدياً. وبرز اعتراض كاثوليكي من جديد على حصر الطائفة بحقيبة البيئة، ومطالبتها بحقيبة ثانية، وهو المطلب الذي كان نائب رئيس المجلس الاعلى للطائفة ميشال فرعون نقله الى الرئيس المكلف. وقد اعلن النائب ميشال ضاهر انه “اذا لم تُمثّل طائفة الروم الملكيين الكاثوليك بحقيبتين كما الطائفتين الكريميتن الدرزية والارمنية فلن أعطي الثقة للحكومة انطلاقاً من مبدأ عدالة التمثيل لا من منطلق طائفي”
.وأفاد متابعون ان الخلاف على الحصة المسيحية لم ينته بين الرئيس المكلف والوزير باسيل الذي يعمل على وضع فيتو على بعض الاسماء من أجل استبدالها باخرى تحقق له الثلث المعطل، وهو ما يعترض عليه أكثر من طرف شريك في الحكومة. فالحزب السوري القومي الاجتماعي يطالب بمقعد ارثوذكسي، فيما يطالب “تيار المردة” بحقيبة ثانية من حصة وزيرتها، ما يفسره قريبون من “التيار” بانه سيناريو منسق يحمل رسالة غير مباشرة الى باسيل ما يستدعي تصلبه في مواقفه. وهذه الامور مجتمعة تدفع جهات متابعة الى التشكيك في الولادة القريبة.
الاّ أنه في المقابل، يشير متابعون عبر “اللواء” الى ان الأمور أصبحت في خواتيمها بالنسبة لتشكيل الحكومة، إذا امكن معالجة عقبات اللحظات الأخيرة، قبل وضع رئيس الحكومة المكلف الروتوش النهائية على تشكيلته الحكومية قبل تقديمها إلى الرئيس ميشال عون، إذ ذكرت معلومات انه بقيت نقطة واحدة، والبعض يقول نقطتان، تتعلق بدمج حقيبتين هما الدفاع والاقتصاد لنائب رئيس الحكومة بهدف الالتفاف على الحصة المسيحية التي يريد الوزير جبران باسيل الاستئثار بها، أي ان يكون له ستة وزراء، ما دفع تيّار “المردة” إلى المطالبة بوزيرين بدل وزير واحد، وهذه النقطة لا تزال قيد البحث بين الرئيس المكلف ورئيس “التيار الوطني الحر” باعتبار المنصب من الحصة المسيحية، اما باقي الحقائب الإسلامية تحديداً، فتم الاتفاق عليها حسب التوزيع السياسي والطائفي، في غداء عين التينة الذي جمع الرئيسيين نبيه برّي والدكتور دياب، لكن يبدو ان الاجواء لا تميل إلى صدور مراسيم التشكيل، قبل بت هذه النقطة أو النقاط العالقة وسواها، بما يتعلق ببعض الأسماء ويفترض ان يطلب دياب بعدها موعداً لزيارة القصر الجمهوري لعرض التشكيلة النهائية على الرئيس عون، وعلى هذا رجحت المعلومات ان يتم تأخير التشكيلة من اليوم إلى غد السبت، وربما إلى مطلع الأسبوع، إذا ما تبين ان العقدة الدرزية لم تعالج
غداء بري- دياب
وكان جرى خلال اللقاء بين الرئيسين بري وحسان دياب “الاتفاق على حكومة من 18 وزيراً وليس 24، من الاختصاصيين تمثل اوسع شرائح ممكنة، على ان ننتقل الى التأليف في اقرب وقت”.
وحسب المعلومات توزعت الحقائب كالاتي على أن يُصار الى إسقاط الاسماء كلها بشكل نهائي فور التوافق كون ليس كل الاسماء محسومة:
للمسيحيين: الخارجية والطاقة والعدل والدفاع والاشغال والعمل والبيئة والاقتصاد والسياحة والاعلام والتنمية الادارية.
للمسلمين حقائب: التربية والشباب والرياضة، الداخلية، الاتصالات. للطائفة السنية. وحقائب: المالية والصناعة والزراعة والثقافة. للطائفة الشيعية.
الحصة الدرزية: الشؤون الاجتماعية والمهجرين.
اما الوزارات السيادية فبات معروفاً انها توزعت ما بين الدفاع لرئيس الجمهورية (اللواء ميشال منسى)، الخارجية للتيار الوطني الحر(ناصيف حتي او ربما يتم تغييره)، المالية لحركة امل(غازي وزنة)، والداخلية لرئيس الحكومة(العميد طلال اللادقي وربما يتم تغييره وثمة من يقول ان الرئيس دياب اقترح اسم العميد المتقاعد محمد فهمي).
وبانتظار ما ستحمله اتصالات الربع الساعة الأخير لمحاولة تذليل عقدة “المردة”، أفادت مصادر مواكبة لهذه الاتصالات “نداء الوطن” أنّ البحث في ما يتصل بحقيبة الداخلية تركز أمس على ارتفاع أسهم ضابط سابق من بيروت العميد محمد فهمي لتولي هذه الحقيبة وهو معروف بأنه كان مقرباً من الرئيس السابق إميل لحود.
لكن معلومات لمصادر قريبة من أجواء بعبدا، اشارت إلى بروز بعض العراقيل، ومنها ان أسماء بعض الحقائب من حصة رئيس الجمهورية والتيار العوني لم تحسم بعد، لا سيما حقائب الدفاع والاقتصاد والخارجية، إلا انها يفترض ان تحسم في لقاء الرئيس عون مع الرئيس دياب، مع العلم ان أي تعديل في إسناد أي حقيبة لأي اسم ينسحب على تعديلات أخرى في التشكيلة، وهو أمر قد يرجئ إعلان التشكيلة لبعض الوقت.
ولفتت إلى وجود ارجحية بأن يتولى أحد معاوني الوزير منصور بطيش حقيبة الاقتصاد يحمل صفة الاختصاص وهو الاقتصادي ايمن حداد، لكنه لا يحظى بموافقة.
وكشفت ان تيار “المردة” غير موافق على ان يحظى تكتل لبنان القوي بـ6 وزراء مقابل وزير واحد له. واذ اوضحت المصادر ان هناك اتصالات مسائية لتذليل العقدة التي استجدت تخوفت من ان يطيح ذلك بالجو الايجابي الذي يشهده الملف الحكومي.
وفي حين كشف مصدر نيابي لـ”نداء الوطن” أنّ بري تدخل لحل الأزمة مع المردة شدد لفرنجية على “ضرورة أن تتشكل الحكومة” أجابه رئيس “المردة”: “فليكن ونحن سنبقى خارجها”.
العقد قابلة للحل
لكن في المقابل، ثمة من يجزم أن هذه العقد سرعان ما ستجد طريقها إلى الحل، خاصة أن العقد الكبرى قد حلّت، ولاسيما مطالبة الوزير جبران باسيل بالثلث المعطل. وبعد أن كان باسيل متمسكاً بالحصول على 6 وزراء مع وزير سابع من حصة الطاشناق، عاد ووافق على اقتصار حصته على 5 وزراء من بينهم وزير للطاشناق. وهذه الموافقة هي التي فتحت باب التفاؤل، كما يفترض أن تنهي اعتراض سليمان فرنجية الذي طالب بحقيبتين في حال حصول التيار الوطني الحر على ستة مقاعد.
وبحسب مصادر موثوقة لـ”نداء الوطن”، فإنّ تشكيلة أكثرية 8 آذار الحكومية على وشك أن تبصر النور بعد الانتهاء من بعض “الروتوش” على تركيبة حصصها وأسمائها وحقائبها خلال الساعات القليلة المقبلة.
الثورة تتحضر للمواجهة
في هذا الوقت، بدأت مجموعات الثورة الشعبية تتعاطى بكثير من الحذر مع ما تم تسريبه حيال التركيبة الحكومية المرتقبة، بحيث أكد قيادي في إحدى هذه المجموعات مساءً لـ”نداء الوطن” أنّ “الطريقة التي تشكلت فيها الحكومة لا تبشر بنية معالجة الأزمة التي يمرّ بها البلد، لأنه بات واضحاً أنها تمّت على أساس المحاصصة التي سينتج عنها بطبيعة الحال محاصصة صفقات في مجلس الوزراء”، كاشفاً في ضوء ذلك أنّ “اجتماعاً عقد مساءً لمجموعات الحراك وتقرر فيه الدعوة إلى الإضراب العام والتظاهر أمام البرلمان” اليوم
في جميع الأحوال، تؤكد مصادر قريبة من قصر بعبدا لـ”نداء الوطن” أنه بغض النظر عن أي اعتراضات وعقبات تعترض ولادتها فإنه “من المؤكد ان حكومة حسان دياب ستتشكل في خلال ساعات لتكون حكومة الظرف الاستثنائي وأقل الأضرار الممكنة”، لكن وأياً كان رئيسها وكيفما أتى شكلها وعديدها وتوزيعها الطائفي والتحاصصي، يبقى أنّ معمودية الحكومة الجديدة ستكون في حقيقة الأمر مرهونة ببرنامج عملها ولن تستطيع تسويف ما هو مطلوب منها وفي مقدمة ذلك الشروع فوراً في وضع خطة إصلاحات قابلة للتنفيذ بشكل عملي وسريع وذلك بالتوازي مع تأمين دعم مالي خارجي لا يقل عن 10 مليارات دولار كمرحلة أولى، وهو أمر لن يكون متاحاً ما لم يلمس المجتمع الدولي والصناديق الدولية والدول المانحة خطوات حقيقية باتجاه ضبط عجز الخزينة ورفع عبء الكهرباء عن المالية العامة عبر سلسلة إجراءات فورية لا يتعدى تطبيقها الأسابيع بدءاً من تعيين الهيئة الناظمة للقطاع وتشكيل مجلس إدارة جديد لمؤسسة “كهرباء لبنان”، فضلاً عن تصحيح عجز ميزان المدفوعات من خلال سلة إصلاحات لوقف الفساد وضبط الهدر يتصدر أولوياتها بسط سلطة الدولة الكاملة على المرفأ، وإعادة جدولة الدين أو شطبه لا سيما وأنّ الخبراء الدوليين باتوا يتحدثون بشكل علني عن إمكانية تصنيف لبنان كدولة متعثرة عن سداد ديونها.