كتبت نهلا ناصر الدين في “أساس ميديا”:
أكثر من ثلاثة أسابيع مرّت على فضيحة تلقيح أكثر من 15 ألف شخص من خارج المسجّلين على “المنصّة”، ولا أحد يعلم أين أصبح الملفّ. والثابت أنّ عدد المتوفّين بفيروس كورونا، منذ لحظة الكشف عن الفضيحة في 25 شباط الماضي حتّى 22 آذار الجاري، تجاوز 1300، بمعدّل وسطيّ 50 شخصاً يوميّاً، معظمهم من كبار السنّ، الذين لو لم تُسرق أدوارهم في اللقاح فلربّما كانوا الآن أحياءً يُرزقون.
وبينما تصرّ وزارة الصحة على رواية “الخطأ التقنيّ”، في أرقام “المنصّة”، تخيّم الضبابيّة على ملفّ اللقاحات التي تأتي إلى لبنان “بالقطّارة” بالتزامن مع المرحلة الرابعة من فتح البلاد.
فما مصير هذه القضيّة؟ وكيف تسير عمليّة التلقيح وفي أيّ مرحلة أصبحت؟ ماذا عن الرقابة الرقميّة، وما هي الثغرات؟ وهل يستورد لبنان “أسترازينيكا” بعد الجدل الحاصل حوله أم لا؟
رئيس التفتيش المركزيّ القاضي جورج عطيّة كشف في حديث خاصّ لـ”أساس” أنّ القضيّة قيد التحقيق: “طلبنا إدراج الأسماء التي تلقّت اللقاح من خارج المنصّة، على المنصّة، لتكون ضمن الرقم العام، وسنتابع أوضاعهم”.
وأوضح أنّ هذه الخروقات تزامنت في الأسبوع الأول مع قطع الإنترنت والطقس السيّء وتخوُّف البعض من اللقاح وقلّة ثقتهم به: “وأبلِغنا طبّيّاً أنّ هناك وقتاً محدّداً بعد تذويب اللقاح لاستعماله، وعمدت بعض المستشفيات، جرّاء عدم مجيء عدد من المسجّلين في مواعيدهم، إلى منح الجرعات الباقية لأشخاص آخرين، بعضهم من خارج الفئة العمريّة، ومعظمهم من ضمنها. واليوم نحن بصدد تحقيق مفصّل للتدقيق في هذه الأسماء لمعرفة ما إذا كان بعضها من غير المستحقّين، تمهيداً لاتخاذ الإجراءات اللازمة”.
وتحدّث عطيّة عن أهميّة الرقابة الرقميّة في موضوع اللقاحات، التي أدّت إلى تنظيم العمل بنسبة كبيرة مقارنة مع المرحلة الأولى، إذ يُصدر التفتيش المركزيّ تقريره الأسبوعيّ ويضمّنه ملاحظات دوريّة لإصلاح الثغرات بالتزامن مع التنفيذ، ويصدر تقييماً لمدى التزام الوزارة بالملاحظات السابقة.
بينما تصرّ وزارة الصحة على رواية “الخطأ التقنيّ”، في أرقام “المنصّة”، تخيّم الضبابيّة على ملفّ اللقاحات التي تأتي إلى لبنان “بالقطّارة” بالتزامن مع المرحلة الرابعة من فتح البلاد
ويؤكّد عطيّة أنّ الخطّة تُنفّذ “تقريباً” تنفيذاً كاملاً ما عدا بعض الثغرات “المتعلّقة بعدم كفاية اللقاحات، وعدم تلبية كل متطلّبات الفئات العمريّة والنقابيّة والوظيفيّة. وهي التوصية التي تضمّنها تقرير التفتيش المركزيّ الرابع بتسريع وتنويع مجالات استيراد اللقاحات”.
ولا ينفي عطيّة وجود استثناءات ومخالفات: “لكنّنا نعمل اليوم عملاً دؤوباً على الإدارة وعلى استكمال التحوّل الرقميّ بصفته وسيلة إداريّة من أجل تحسين أساليب العمل وتنسيق الأعمال المشتركة بين الوزارات والإدارات، لإعادة الثقة وتحقيق العدالة المجتمعيّة”.
بحسب متابعات التفتيش المركزيّ فإنّ “الفئة العمريّة الأولى يقدّر عددها بين 105 و110 آلاف، بالإضافة إلى 75 ألف شخص من القطاع الصحيّ، وتقريباً ستُلقّح كلّ هذه الفئة خلال أسبوع، فخلال أربعة أسابيع لُقِّح 120 إلى 130 ألفاً، وكان يصل إلى البلد حوالى 30 ألف لقاح أسبوعياً”.
“تسير عمليّة التلقيح في لبنان ببطء، وبالكاد تجاوز عدد الملقَّحين حتى الآن 100 ألف، بينما مليون شخص تسجّلوا في المنصّة”، بحسب رئيس اللجنة الوطنية لإدارة اللقاح عبد الرحمن البزري، الذي يضيف: “يفترض أن ننتهي من تلقيح المسجّلين بحدود شهر حزيران، فيما لو سُرِّعت عملية التلقيح مع بدء استيراد المزيد من اللقاحات، ولدينا قدرةً تلقيحيّةً أكثر ممّا لدينا لقاحات. فلبنان لو أراد أن يشتغل بكامل قدرته التلقيحيّة لكانت وصلت أعداد الملقَّحين إلى 50 أو 60 ألفاً أسبوعياً، لكن حالياً لا تتجاوز 6 إلى 7 آلاف أسبوعياً”، ويكشف في حديث لـ”أساس” أنّه خلال أسبوع ستبدأ عمليّة تلقيح الفئات الأخرى، بالتزامن مع استكمال الفئة العمريّة الأولى.
لا ينفي عطيّة وجود استثناءات ومخالفات: “لكنّنا نعمل اليوم عملاً دؤوباً على الإدارة وعلى استكمال التحوّل الرقميّ بصفته وسيلة إداريّة من أجل تحسين أساليب العمل وتنسيق الأعمال المشتركة بين الوزارات والإدارات، لإعادة الثقة وتحقيق العدالة المجتمعيّة”
وتوقّع البزري أن “تصبح العمليّة أسرع مع بدء استيراد الأسترازينيكا الأسبوع المقبل، بعد أن منحته الأمم المتّحدة ومنظّمة الدواء الأوروبيّة ومنظّمة الصحّة العالميّة الضوء الأخضر، وبعد أن تلقّى الجرعة الأولى منه كلّ من رئيس جمهورية فرنسا ورئيس الوزراء البريطاني ليثبتا أنّ الملاحظات التي صدرت حول أسترازينيكا غير صحيحة، حتى إنّ الدول التي علّقت العمل به عادت لاستخدامه”.
“وسيأتي أسترازينيكا إلى لبنان بكمّيات معيّنة ومن مصادر مختلفة، بينها المصدر الهندي، وهو المزوّد الرئيس للجامعة اللبنانية عبر منصّة “الكوفاكس” العالمية، وأيضاً من الشركة نفسها.
وكانت الحكومة أعلنت عن رغبتها بتلقيح المعلّمين لذا ستذهب كمّية من اللقاحات إلى المدرّسين في الصفوف النهائيّة، وإلى الجسم الإداريّ. أما الأرقام المنتظرة من أسترازينيكا فغير واضحة.
وبحسب البزري “بين نيسان وأيّار قد يصل ما بين 400 إلى 500 ألف لقاح من أسترازينيكا، بالإضافة إلى لقاحات “فايز”ر، وسُمح لشركة “فارما لاين” باستيراد اللقاح الروسيّ “سبوتنيك” للقطاع الخاصّ، لكن مؤسّساتياً، أي من خلال المؤسّسات حصراً”.
ستكون هذه العمليّة ضمن إطار المنصّة، و”السجلّ الوطنيّ نفسه”، لتخضع للرقابة الرقميّة التي يقوم بها التفتيش المركزيّ نزولاً عند توصيته “لأنّ هذا الموضوع ليس خاصّاً، بل هو مرتبط بمناعة مجتمعيّة وبتنظيم مجتمعيّ، ولذلك هو مسؤوليّة عامّة ومجتمعيّة”، كما أوضح رئيس التفتيش المركزيّ جورج عطيّة، الذي لفت إلى أهمية هذا التنظيم بما فيه تنظيم الإفادة من التلقيح، ويمكن للّقاح أن يكون جزءاً من جواز السفر في وقت لاحق ليس فقط داخلياً “لأنّنا لا نعرف إلى أين نذهب، وأيّ تنظيم في هذا الملفّ سيستفيد منه اللبنانيّ والمجتمع اللبنانيّ حاضراً أو في المستقبل القريب أو البعيد، ولذلك تشترط الوزارة اليوم على كلّ الشركات عدم بيع أيّ لقاح إلّا من خلال المنصّة”.
ومع دخول القطاع الخاصّ على خطّ اللقاحات، وارتفاع نسبة التفاؤل بتسريع عمليّة التلقيح، يبقى التخوّف من الثغرات التي قد تفتح الباب أمام الأخطاء المقصودة أو غير المقصودة.
سيأتي أسترازينيكا إلى لبنان بكمّيات معيّنة ومن مصادر مختلفة، بينها المصدر الهندي، وهو المزوّد الرئيس للجامعة اللبنانية عبر منصّة “الكوفاكس” العالمية، وأيضاً من الشركة نفسها
هنا يتوقّع وزير الصحّة السابق غسان حاصباني المزيد من التخبّط في “المنصّة البدائيّة وغير المتطوّرة جدّاً لتحديد المواعيد وتوزيعها”، ويتابع: “الكثير من المعايير لا تأخذها المنصّة بعين الاعتبار، ومن غير المعروف على أرض الواقع مَنْ يحدّد المواعيد: أهي المنصّة أم المستشفيات والمراكز؟ وغير معروف أيضاً الأساس الذي تستند إليه هذه المنصّة في درس البيانات وإصدار المواعيد، فهناك أشخاص أعمارهم كبيرة ولديهم مشاكل صحّيّة لم يأتِ دورهم، والبعض حالتهم غير حرجة حُدِّدت لهم مواعيد”، ويسأل حاصباني: “هل من تدخّل يدويّ في هذه العملية أم هي ممكننة كلّيّاً؟”.
ولم تأخذ المنصّة، برأي حاصباني، العمر الزمنيّ للقاح الذي لديه 30 إلى 50 دقيقة بعد الفتح قبل أن يتلف، وماذا يحصل لو لم يأتِ بعض الأشخاص في مواعيدهم، ويسأل: “ماذا نفعل بالجرعات الباقية؟”، ويستذكر حاصباني في حديثه لـ”أساس” الحادثة التي حصلت قبل أكثر من شهر عندما نُقِلت فجأةً جرعات شارفت أن تنتهي مدّتها قبل دقائق من فسادها إلى مستشفى البترون وعمّت الفوضى.
“هذا الموضوع قيد التنظيم”، بحسب القاضي عطيّة: “نحن في إطار تنظيم عملية ما يبقى من جرعات في كل مستشفى بسبب عدم مجيء الأشخاص في مواعيدهم”، واتُّفِق في آخر نقاش للتفتيش المركزيّ مع وزير الصحة على أن تُدرَس الملفّات الطبّيّة الحسّاسة للأشخاص الذين لا تتجاوز أعمارهم سبعين عاماً ولديهم حالات صحّيّة قاهرة قد تعرّضهم للوفاة في حال الإصابة، وسيسمح بتقديم طلبات لدراسة حالتهم في الوزارة “واليوم نعمل على مكننة هذا الملفّ ليُحمّل الملفّ الصحّيّ للمريض ويذهب إلى اللجنة الخاصّة مباشرة”.
ودعا الوزير حاصباني إلى “تحسين الأسلوب المتّبع لإدارة أزمة كورونا والتلقيح، وتطوير المنصّة، لتفادي تكرار الأخطاء في حال زيادة أعداد اللقاحات، وهو أمر ضروريّ لتحقيق المناعة المجتمعيّة”.
وطالب بمنح “مرونة أكبر للمراكز لترتيب المواعيد، فعلى سبيل المثال في أميركا يتّصل الشخص بالصيدلية فيُحدّد موعدٌ للتلقيح، وفي حال كان مستوفياً للشروط يُسجّل ملفّه على المنصّة ويتلقّى اللقاح”، ولفت أيضاً إلى ضرورة “منح شهادة تلقيح لمتلقّي اللقاح”.
زر الذهاب إلى الأعلى