أكثر من أيّ وقت مضى يجرى التداول باسم قائد الجيش العماد جوزاف عون لرئاسة الجمهورية. بين كلّ فترة وأخرى يظهر من يرجّح كفّته ويتحدّث عن مساندة عربية ودولية لوصوله. غالباً ما تنطلق أولى الشرارات من قبل أشخاص مقرّبين أو ينتمون إلى الماكينة الإعلامية المحسوبة على قيادة الجيش. لم يعد سرّاً أنّ اسم قائد الجيش كما اسم الوزير زياد بارود طرحا في لقاء باريس الثلاثي (السعودي- الفرنسي- الأميركي) قبل أشهر. يحظى ترشيحه بموافقة فرنسية وأميركية، قطرية ومصرية على المستوى العربي بينما لم تظهر السعودية موقفها بعد.
محلياً وحتى الأمس القريب كان يصطدم ترشيحه بعدم وجود كتلة نيابية تبنّت ترشيحه جدّياً. لا يتحمّس لوصوله «الثنائي الشيعي»، ومسيحياً كانت «القوات» أوّل من رشّحه قبل أن تتبنّى ترشيح ميشال معوّض في صناديق الإقتراع، أمّا «التيّار» فقد عبّر على لسان رئيسه جبران باسيل عن موقف معارض إلى حدّ القطيعة. الموقف المستجدّ والمستغرب ورد على لسان رئيس الحزب الإشتراكي وليد جنبلاط المعارض لتكرار تجربة الجيش في الرئاسة، قبل أن يُحدث إستدارة جديدة في موقفه، فيقصد عين التينة حاملاً لواء العماد عون بعدما مهّد لها وفد نوّاب حزبه في بكركي.
في عين التينة قوبل اقتراحه بجواب صريح وواضح. لم يماشِ رئيس المجلس نبيه بري حليفه إلى حيث يريد. وإذا كان وفد «حزب الله» ردّ على اقتراح جنبلاط بالقول إنه يؤيد من يتّفق عليه مسيحياً فإنّ بري عاجل صديقه بالسؤال «من وين جبتلي ياها». يتمنّى جنبلاط تمرير الإستحقاق بأي مرشح يتم التوافق عليه، ويعتبر أنّ انتخاب قائد الجيش متوقف على موافقة «حزب الله» أو الثنائي الشيعي عموماً. عارفوه يشبّهون إعلانه بالقنبلة الصوتية.
في تحليل الأبعاد يمكن فهم ضخّ الأجواء الإيجابية في إطار الردّ على هجوم رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل على العماد عون وإشاعة أجواء تزكّي حظوظه على مشارف انعقاد لقاء باريس، لكن في الوقائع، لن يكون انتخابه بهذه السهولة لأسباب عدة منها الخارجية والمتصلة بتسوية لم تنضج بعد، وسط اللهيب على خط إيران اليمن والعراق، وداخلياً حاجة انتخابه إلى تعديل الدستور. تلك الكأس المرّة التي لا يستعدّ لها برّي في الظروف الطبيعية فكيف وهي تفتح الباب أمام تمديد مهام مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم التي عادت إلى نقطة الصفر بعدما منيت المحاولات بالفشل؟
في استطلاع أجواء جهات سياسية مختلفة يتبيّن أنّ ترشيح جوزاف عون سيصطدم بمعارضة باسيل، قد لا يؤيده «حزب الله» لكنّه لن يتبنّى ترشيحه. تقول مصادر سياسية واسعة الإطلاع إنّ رئيس «المردة» سليمان فرنجية لا يزال هو مرشح «الثنائي» لكن هذا لا يقفل الباب على نقاش خيارات أخرى تطرح مسيحياً، خصوصاً أن ترشيح فرنجية تعترضه قوى إقليمية ودولية لاعتباره مرشح «حزب الله» وسوريا.
من بين الأسماء المتداولة الوزير السابق جهاد أزعور والمصرفي سمير عساف والوزير السابق زياد بارود. إذا لم يتمّ التوافق على أزعور يطرح ترشيح جوزاف عون للنقاش. نهاية فترة مهامه بعد عامين تستوجب تعديلاً دستورياً لانتخابه، يرفضه عدد من الكتل النيابية لغاية اليوم. ويعدّ «حزب الله» من القوى التي ترفض بشدّة إنتخاب قائد الجيش رئيساً. حتى وقت ليس ببعيد كان يردّد «الحزب» على مسامع المستفسرين أنه لن يكرر «خطأ» انتخاب ميشال سليمان مجدداً، لكن ظروف اليوم قد تختلف عن الماضي. لم يعد «حزب الله» يمون على القوى السياسية بالشكل الذي كان عليه في السابق. يلحّ هو أيضاً لحل الأزمة الإقتصادية والإجتماعية وطيّ صفحة الرئاسة بمرشح يحظى بتوافق القوى المسيحية ولا يكون مستفزاً أو معادياً للمقاومة.
ليس الموضوع بسهولة ما سلف تقول مصادر أخرى وتتابع: الرئاسة ليست محسومة لأي مرشح وما يؤكد وصول قائد الجيش حصول هزّة أمنية كبرى في البلد تجعل الجميع يستسلم لخياره. وتابع، إن ترشيحه لا يزال موضع اعتراض.
قد تكون زوبعة إعلامية أو فقاعة لكنّ الحقيقة أنّ الكل مأزوم في تسمية البديل عن مرشحه. في لحظة إختارها جنبلاط ومن دون أن يعلمه مسبقاً، قال إن ترشيح النائب ميشال معوّض إستنفد، وقد يخرج ليقول صيغة مشابهة عن ترشيح العماد عون طالما لن يحظى بموافقة الثنائي. لكن الطرح بذاته حرّك الجمود وفتح أبواب البحث عن البدائل. ولكن يبقى أخطر ما قيل هو ربط انتخاب قائد الجيش بتطوّر أمني خطير وهو ما يطرح مخاوف بشأنه بفعل التطورات الدراماتيكية المتصلة بتحقيقات ملف المرفأ والشرخ في الجسم القضائي.
المصدر : نداء الوطن