
من جمعةٍ عظيمة، إلى جمعةٍ عظيمة، والآلام عظيمةٌ جـداً عندنا في لبنان منذ أنْ كان ذلك اللبنان العظيم.
ad
كلّ يـومٍ من أيامنا جمعةٌ عظيمة ودربُ صليب، نُساقُ إلى الجلجلة، نُجلدُ بالسياط، نُطعن بالرماح، نُسقى الخلّ والمرّ ونُصلب بين لصّين وأكثر، وبيلاطس يبـرّئ ذمّتَـهُ ويغسل عن يديه الدم.
خلاصُكِ بيدك يا أورشليم، وأورشليم يعبث البيلاطسيّون بخلاصها وقد تنجَّستِ المدينة الجميلة على يدهم وقيّدت نفسها بقيود الإثم حتى كاد يوم الرحمة المقدّم لها أن ينقضي.
خلاصنا بيدنا، بـأيّ يـدٍ، بيد القيادات والزعامات التي تدنَّستْ في جحيم غرائزها وتلوّثت بكل أنواع المفاسد والآثام السياسية والإنحراف الوطني…؟
بيدهم أصبح الوطن بلا دولة والدولة بلا جمهورية، والجمهورية بلا رئيس، والسلطة بلا دستور، وأوراق الدستور أصبحت شبيهة بأوراق الليرة اللبنانية، مجـرّد لعبة في أيدي الصرّافين.
خلاصُـهُ بيـد شعبه، وقد آن لهذا الشعب أن ينتفض متحرّراً ويحطّم اليـد التي كبَّلتـهُ بالسلاسل.
وإلاّ، فماذا ينتظر ومَـنْ..؟ هل يترك لبنان معلّقاً على «لبنانيةِ» الدول الخمس، وتطبيع العلاقات السعودية الإيرانية، والعلاقات السعودية السورية ، وتظـلّ طريق بعبدا تنتظر القوافل العابرة على طريق الحرير: من الصين وجنوب آسيا وبلاد ما بين النهرين والقارة الإفريقية وصولاً إلى اليونان…؟
قادة الدول الخارجية لياقـةً أو خبثاً، يعتبرون الإستحقاق الرئاسي شأناً داخلياً وقادة الدولة اللبنانية وقاحةً أو ذلاًّ، يعلّقون الإستحقاق الرئاسي على الشأن الخارجي.
وأهل الفقيد يتلون صلاة الغائب ورنين الأجراس يغنّي في الفضاء، ولم تتحقق أعجوبة إقامة ليعازر الرئاسي من بين الأموات.
ثلاثة وخمسون تلميذاً في عليّـة بيت عنيا، يتفقون دائماً على «اللاّ» ويختلفون على «النعم»، بينهم غير توما لا يؤمن حتى يضـع إصبعه في خاصرة المسيح، ومنهم من يصلّي ليغيّـر وجهـة تمثال العذراء لمصلحته، على غرار ما كان على عهد الرئيس فـؤاد شهاب.
كلّهم، يطالبون برئيس منقـذٍ وطني حيادي سيادي، والسيادة حسب القاموس، هي شـرفٌ ومجـدٌ وقـدْرٌ رفيـعٌ ومنصبٌ كريم.
ad
ولهذا، فإنّ اللاّسياديّين لا ينتخبون سيداً.
المسيح لُقّـب بالسيد، وهكذا كـلّ من ينتسب إلى السلالة النبوية.
اللاّسياديون الذين صلبوا المسيح، هـمُ الذين اغتالوا الحسين في كربلاء.
يتذرعون بالسيادة وكـلّ فريق يريد رئيساً لـه، رئيساً لجمهوريته، رئيساً يؤمّـن مصالحه ويعمل لحسابه وحساب الذين يعمل لحسابهم، أمّـا أن يكون هناك رئيس سيادي حياديّ وطني جامع «بـيَّ الكـل»، فهذه أسطورة ذهبت مع الذين ذهبت أخلاقهم وذهبوا.
مع هذه المنظومة، لا سيادة ولا رئاسة ولا قيامة، حتى ينتفض الشعب ويدحرج عن القبر الحجر.