
هل خطر ببالك أن تسأل ماذا تعني كلمة “دولار”؟ العملة الأشهر في العالم.. نعم، السؤال هذا يخطر في بال الجميع، وقد يكون السؤال الأهم أيضاً: كيف يتحكم الدولار باقتصاد العالم؟
بالطبع، إن اتفاق السعودية مع الولايات المتحدة على تسعير وبيع النفط بالدولار الأميركي، والذي خلق مصطلح “البترودولار” في سبعينيات القرن الماضي، كان عاملا أسهم في قوة هذه العملة. لكنه ليس الوحيد.
لو رجعنا إلى الوراء قليلا، فإن الرئيس الأميركي، ريتشارد نيكسون، سئم من تبعات ربط الدولار بالذهب، فأوقع طلاقا بين العملة الأميركية والذهب عام 1971، ولهذا الطلاق أهمية في لغة المال.
وحول العالم، هناك 65 دولة تربط عملاتها المحلية بالدولار الأميركي، منها البحرين، والسعودية، والإمارات، والأردن، وقطر، وعُمان.
من أين جاءت كلمة “دولار”؟
يعود أصل كلمة “دولار” إلى أنها النسخة الإنكليزية من كلمة “تالر” الألمانية، وهي نسخة مختصر من الجذر الألمانية “تال” ويعني الوادي، و”تالر” ترجمتها الحرفية هي “شخص أو شيء من الوادي” وفق الموقع الإلكتروني لـ”المتحف التشيكي في هيوستن”.
ونشأ هذا الأسم في بلدة “ياخيموف” في منطقة “بوهيميا” في مطلع القرن السادس عشر، والتي تعرف حالياً باسم التشيك، حيث بدأ فيها “سك وإصدار” عملات من الفضة، والتي انتشرت في أوروبا حينها باسم “شليكن تالر”. وبحلول منتصف هذا القرن، أصبحت تستخدم هذه العملات باسمها الألماني المختصر وهو “تالر”، والتي ترجمت للإنكليزية على أنها “دالر”، بحسب قاموس “ميريام ويبستر”.
هيمنة الدولار
رغم وجود نحو 180 عملة حول العالم، فإن عدداً محدوداً منها يتم استخدامه على نطاق واسع في التعاملات الدولية التي يتربع على عرشها الدولار الأميركي وبدرجة أقل عملات أخرى مثل اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني، وفق بيانات دولية.
ويهيمن الدولار “على النظام المالي العالمي والتجارة العالمية”، فيما يرجح استمرار احتفاظه بـ”الهيمنة كعملة للاحتياطي” الأجنبي في الدول المختلفة حول العالم، بحسب بيانات نشرتها دراسة لصندوق النقد الدولي.
ولم تؤثر التحولات الهيكلية التي شهدها “النظام النقدي الدولي” طيلة العقود الماضية على “هيمنة الدولار الأميركي”، فيما تشير وزارة الخزانة الأميركية إلى أن حصة الدولار من “الاحتياطيات لا تزال نفسها منذ ثلاثة عقود.. وبقيت أعلى من 50 في المئة” من مجمل الاحتياطيات الأجنبية حول العالم.
وتعود جذور هيمنة الدولار الأميركي على النظام المالي العالمي إلى اتفاقية “بريتون وودز” عام 1944، والتي تبعها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية نشأة “البنك الدولي” و”صندوق النقد الدولي”.
وولدت هذه المؤسسات في تموز 1944 في مدينة بريتون وودز بولاية نيوهامشير في الولايات المتحدة بمبادرة من 44 بلداً لتجنب أزمة شبيهة بتلك التي حدثت في 1929، وكلف صندوق النقد الدولي حينذاك بمهمة ضمان الاستقرار المالي العالمي، بينما على البنك الدولي العمل من أجل إعادة الإعمار والتنمية قبل أن يتكرس لخفض الفقر.
وجاءت اتفاقية “بريتون وودز” لتنظيم التجارة العالمية وتحقيق نوع من الاستقرار المالي الدولي، ونصت حينها على “اعتماد الدولار الأميركي” كعملة رئيسية لتحديد أسعار عملات الدول الأخرى، وكان الدولار حينها مرتبطا بالذهب عند سعر 35 دولاراً للأونصة.
وأصبحت العديد من الدول تقوم بتثبيت سعر صرف عملتها مقابل الدولار، بحسب تقرير نشره موقع “أن بي أر”.
ووفق وزارة الخزانة الأميركية مع انهيار نظام بريتون وودز مطلع السبعينيات، وصعود القوى الاقتصادية الأخرى، كانت هناك تنبؤات بزوال هيمنة الدولار، ولكنها لم تتحقق.
في الستينيات من القرن الماضي، بدأت الولايات المتحدة تواجه عجزا ونفادا في احتياطاتها من الذهب، الأمر الذي يعني أن حفاظها على وعدها بربط الدولار بالذهب أصبح صعبا، وهو ما دفع الرئيس الأميركي الأسبق، ريتشارد نيسكون إلى إجراء “طلاق ما بين الدولار والذهب في عام 1971”.
وأجرى نيكسون حينها ترتيبا يحدد قيمة الدولار اعتماد على مزيج من “المؤشرات والقوى والعوامل السياسية والاقتصادية”، ورغم ذلك بقي الدولار مسيطرا ويعتبر العملة الأولى للاحتياطيات الأجنبية في الدول.
فخ الدولار
الخبير الاقتصادي الأميركي، إسوار براساد قال إن من عوامل قوة الدولار واستمرار همينته أن الجميع يرغب باستمرار وجود “دولار قوي”، خاصة وأن حوالي دين الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة يبلغ 53 تريليون دولار، وجزء كبير منها يملكها مستثمرون أجانب، بما فيها دول منافسة مثل الصين، وفي حال انخفاض قيمة الدولار رغم المكاسب التي ستحققها واشنطن إلا أن هذا يعني بالضرورة تراجع قيمة أصول هذه الديون التي يمتلكها المستثمرون الأجانب، وهو ما يطلق عليه البعض اسم “فخ الدولار”.
ويرجح براساد في مقال نشره موقع صندوق النقد الدولي أن “يستمر الدولار كعملة احتياطية مهمة حتى لو تراجعت مكانته كعملة للدفع”.
ويوضح بارساد أن تفوق الدولار يمنح الولايات المتحدة نفوذا كبيرا، إذ أن غالبية المعاملات حول تجري بالدولار، وهو ما يدعم النظام المصرفي الأميركي، ناهيك عن قدرة السياسات المالية والنقدية الأميركية على التأثير على بقية العالم من خلال “قيمة الدولار”.
تحديات
وتشير دراسة أعدها مركز الأبحاث التابع للكونغرس الأميركي إلى وجود 3 تحديات لاستمرار هيمنة الدولار والتي من أبرزها تصاعد الدور الصيني في الاقتصاد العالمي والتي تحاول تعزيز استخدام عملتها بشكل أوسع عما هي عليه.
وتضيف أن التحدي الثاني هو “العقوبات المالية الأميركية” والتي تستفيد الولايات المتحدة منها على الصعيد السياسي، ولكن الخزانة الأميركية حذرت في أوقات مختلفة من أن الاستخدام المكثف للعقوبات المالية قد يهدد الدور المركزي للدولار والنظام المالي الأميركي، إذ أنه يدفع بعض الدول للبحث عن أنظمة أخرى لتقليل اعتمادهم على الدولار.
مايكل هارتنت محلل اقتصادي في “بنك أوف أميركا” قال في تحليل في مارس من 2022 إن “استخدام الدولار كسلاح في حقبة جديدة من العقوبات ستؤدي إلى انخفاض الدولار الأميركي”
أما التحدي الثالث، فهو ظهور العملات الرقمية والتي أوجدت أسواقا خاصة، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تدرس إنشاء سلة عملات رقمية أميركية تدعم الحفاظ على مكانة الدولار في المدفوعات الدولية.
الكاتب الاقتصادي الأميركي، راندال فورسيت قال في مقالة نشرها موقع “بارونز” إن “الدولار الأميركي” إذا لم يواجه المشاكل التي يواجهها قد يكون “في مسار مشابه للمسار الذي اتبعه الجنيه البريطاني منذ قرن مضى ليصبح لعنة”.
وأضاف أن التهديد الأكبر هو “التخلف عن السداد إذا لم يرفع الكونغرس سقف الدين، إذا ما ترافقت مع عدم وضع الديون على مسار مستدام طويل الأجل”.
واستعرض المقال التبعات الاقتصادية التي لحقت بالصناعات الأميركية، ودفعها لنقل الإنتاج خارج الولايات المتحدة، ولكن بعد مشاكل سلاسل التوريد خلال جائحة كورونا دفعت بإعادة توطين الصناعات الأميركية في داخل الولايات المتحدة. (الحرة)