تلعب الملابس دوراً هاماً في حياة البشر، فهي إحدى الاحتياجات الأساسية اليومية، التي لا يمكن لأي فرد الاستغناء عنها.
وترتبط الملابس بصناعة الموضة والأزياء، التي تعتبر من الصناعات الملهمة القائمة على الابتكار المتجدد، إضافة إلى دورها الكبير في دعم الاقتصاد العالمي. فمع تطور الحياة وانتشار العولمة، أصبحت الموضة صناعة تدر أرباحاً طائلة، وسط إقبال متزايد من المستهلكين، على اقتناء أحدث الصيحات في عالم الألبسة.
ورغم الصورة الجميلة التي تتمتع بها صناعة الموضة والأزياء، إلا أنها في الوقت عينه تعد من الصناعات المذنبة، على صعيد تلويث البيئة، والتسبب بارتفاع درجة الحرارة نظراً للانبعاثات الكربونية التي تصدرها.
شاحنة قمامة كل ثانية
تقول الأمم المتحدة إن صناعة الأزياء في العالم تبلغ قيمتها 2.4 تريليون دولار أميركي، وتوظف ما يقرب من 300 مليون شخص، ونظراً لحجمها الكبير فإن الممارسات غير المستدامة لهذه الصناعة لها تأثيرات كبيرة على البيئة، إذ أنها مسؤولة عما يقدر بنحو 2 إلى 8 بالمئة من انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم، و20 بالمئة من مياه الصرف الصحي.
وأيضاً بحسب الأمم المتحدة، فإن صناعة الأزياء تستهلك حوالي 215 تريليون لتر من المياه سنوياً، حيث أن صنع بنطال “جينز” واحد يحتاج إلى حوالي 7500 لتر من الماء، كما أنها مسؤولة عن إلقاء كمية من الألياف الدقيقة، تعادل بتلوثها عملية إلقاء 3 ملايين برميل من النفط في المحيط، مشيرة إلى أن العالم يشهد عملية طمر أو حرق، ما يعادل شاحنة قمامة واحدة مليئة بالمنسوجات في كل ثانية، مع إدراك أن 85 بالمئة من المنسوجات العالمية، ينتهي بها المطاف في مطامر القمامة أو في الحرق، في حين أن معظم هذه المواد يمكن إعادة استخدامها في حال خضعت لعملية إعادة تدوير.
صعود نجم “الأزياء الرخيصة والسريعة”
ورغم الجهود التي يقوم بها تحالف الأمم المتحدة من أجل الأزياء المستدامة، الذي يهدف إلى تغيير مسار الموضة، والحد من آثارها البيئية السلبية، من خلال العمل مع الجهات الفاعلة في قطاع الأزياء، إلا أن نسبة الضرر البيئي الذي تتسبب به الملابس يتجه للازدياد، مع صعود نجم مفهوم “الأزياء الرخيصة والسريعة”، الذي يقوم من خلاله مصنعو الملابس، بإنتاج ملابس رخيصة ذات دورة حياة أقصر من أي وقت مضى، ويقدمونها للمستهلكين بأسعار منخفضة جداً، ما يدفع هؤلاء إلى شراء المزيد من الألبسة.
والواقع أن “الأزياء الرخيصة والسريعة” تلحق الضرر بالبيئة بشكل أساسي، من خلال تسببها بتكدس المزيد من نفايات الملابس، فهذه الأزياء تكون ذات الجودة منخفضة وغير مصممة لتستخدم لفترات طويلة، ليقوم المستهلك برميها وإعادة شراء غيرها بفترات قياسية من الزمن.
مؤذية للبيئة والبشر
ويقول مصمم الأزياء العالمي، نجا سعادة، في حديث خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الأزياء الرخيصة والسريعة، التي نجدها رائجة أكثر عبر المتاجر الإلكترونية، مبنية على مبدأ الإستهلاك والتجديد الدائم، لأن الربح في هذه التجارة قائم على كثرة الشراء، فالأزياء الرخيصة لا تعود بالأرباح المادية إلا في حال تم بيعها بكميات كبيرة، ولذلك فإن كلفتها الفعلية من الناحية المادية والبيئية، تكون عالية أكثر من الأزياء الراقية، كونها لا تدوم كثيراً.
وأشار إلى أن معظم الملابس المتوفرة في السوق والتي تنتمي إلى فئة “الأزياء الرخيصة والسريعة”، يكون مصيرها في “مدافن النفايات”، فهي لن تعود صالحة بعد غسلها وكيها لمرات عديدة، ما يدفع المستهلك إلى شراء غيرها خلال فترة قصيرة، في حين أن شراء الملابس التي تنتمي إلى فئة “الأزياء الراقية”، يضمن من خلالها الشخص مدّة استهلاك أطول بسبب استدامتها.
ويشرح سعادة أن الأزياء الرخيصة تضر بالبيئة أيضاً، لأنها مصنوعة من كميات كبيرة تتخطى الـ 60 بالمئة من مادتي البوليستر والنايلون، كما أنّها تضر أيضاً بصحة الأشخاص، كونها مؤذية للبشرة وهي مُسبّب أساسي للحساسية بسبب التعرق الذي تفرضه كميات البوليستر والنايلون، ما سيدفع المستهلك لشراء الأدوية للعلاج، وهذه أيضا زيادة تكلفة عليه، كاشفاً أن الأزياء الرخيصة وخلال كيها أو لدى تعرضها للحرارة، تبعث بمادة الـCO2 والغازات السامة ما يؤثر سلباً على صحة المستهلك والبيئة.
وزيرة هولندية: الاقتصاد الدائري حل أساسي لقضايا المناخ
هل يمكن تغيير طريقة تصنيع الملابس؟
وشدد سعادة وهو المالك والمدير الإبداعي لدار نجا سعادة للأزياء، على أن الحل لمُعالجة التلوث الناتج عن الأزياء الرخيصة والسريعة على البيئة، يكون أولاً من خلال إقرار قوانين، تفرض على المصانع التخفيض من تصنيعها بالدرجة الأولى، فالتخفيف من التصنيع سيُخفّف من نسبة التلوث ومن هدر المياه، لأن البولسيتر والنايلون بشكل خاص يتطلبان كميات كبيرة من المياه.
أما الحل الثاني فيكون عبر إلزام مصنعي الألبسة المباشرة باستخدام تقنيات الاستدامة والأقمشة المعاد تدويرها، وهذا الأمر يتم على مراحل، بحسب ما قاله سعادة، والذي أشار إلى أن الحل الثالث هو في التخفيف قدر المُستطاع من استعمال الصبغات المصنوعة من مواد سامة في الملابس واستبدالها بأنواع من الصبغات الطبيعية والصديقة للبيئة، التي لا تُسبب أضراراً أو تؤدي إلى تلوث نظام الصرف الصحي.
واعتبر سعادة أنه يمكن لصناعة الأزياء، تغيير طريقة تصميم الملابس وتصنيعها بما يتماشى مع البيئة، وذلك من خلال البدء باستخدام الجلود الاصطناعية، ومخلفات الأخشاب والفواكه وغيرها من المواد والألياف العضوية الطبيعية، أو ابتكار مواد تتحلل حيوياً فور التخلص منها، مشدداً على أن استخدام طرق للتعبئة والتغليف الصديق للبيئة، أو استعمال الأقمشة المصنوعة من القطن الطبيعي، يُساعد كثيراً على تصنيع منتجات وفقاً للمعايير البيئية، حيث يبقى تطبيق جميع هذه الحلول، أساسه خطط تفرضها الدول، فالمصانع لا تستطيع الخوض في كل هذه المراحل إن لم تلقَ دعماً من الدولة لهذه الخطوات، إضافة إلى حملات التوعية التي تساهم في اطلاع المستهلكين، على مدى تأثير الأزياء الرخيصة على المناخ وعلى الأفراد في آن معاً.
ورأى سعادة أن المطلوب ليس حرمان المستهلكين من حق الحصول على ملابس باسعار تناسب ميزانياتهم، إنما دفع مصنّعي الملابس لاحترام البيئة، وهو ما سينعكس حتماً لمصلحة المستهلك لناحية حصوله على أزياء ذات جودة أفضل ويمكن ارتداؤها لفترة أطول، لافتاً إلى أن كل فرد في المجتمع مسؤول عن حماية البيئة، والمسؤولية الفعلية تبدأ من معرفة الضرر الفعلي والبحث عن حلول تحمي البيئة على المدى البعيد، مؤكداً أن تشجيع السلوك المُستدام في صناعة الأزياء، يكون عبر اعتماد نهج أكثر وعياً عند التصنيع والاستهلاك، وتوجيه الصناعة نحو نموذج تشغيلي قائم على إعادة التدوير.