
أمين سلام لـ”اندبندنت عربية”: المنطقة تتغير ويجب أن نختار بين الانهيار أو الانضمام لمسار الاستقرار
يمر لبنان بأكثر المراحل تعقيداً في تاريخه، إذ يواجه أزمة متعددة الأبعاد تمزج بين الانهيار الاقتصادي، التصعيد الأمني، والتفكك السياسي والمؤسساتي، مما حول البلاد إلى مسرح لصراعات داخلية وخارجية، أدخلته في دوامة لا تزال مخارجها ضبابية.
اقتصادياً، يقف لبنان على حافة الانهيار التام. أعوام من الفساد وسوء الإدارة أفرغت خزائن الدولة، وأدت إلى انهيار العملة المحلية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة إلى مستويات قياسية، فيما أتت الحرب الحالية لتفاقم الوضع بصورة دراماتيكية، فعطلت تماماً الأنشطة الاقتصادية، مما أدى إلى خسائر تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، وسط ترقب للفاتورة الأكبر لهذه الحرب، التي ستتضح مع إطلاق آخر رصاصة.
أمنياً، يعيش اللبنانيون يومياً تحت وطأة الحرب الثالثة، التي عمقت معاناة السكان وزادت حالات النزوح والدمار، أما سياسياً، فإن الشلل الكامل يسيطر على المؤسسات الدستورية، مع استمرار الفراغ في سدة الرئاسة، وغياب توافق بين القوى السياسية على خريطة طريق واضحة للخروج من الأزمة.
والمشهد السياسي الممزق يضع لبنان في عزلة دولية، ويعوق أي جهود حقيقية لإعادة الإعمار أو تلقي الدعم الدولي.
اقتصادياً، يقف لبنان على حافة الانهيار التام وقد فاقمت الحرب من أزماته (ا ف ب)
اقتصادياً، يقف لبنان على حافة الانهيار التام وقد فاقمت الحرب من أزماته (ا ف ب)
للوقوف عن الوضع اللبناني بأكمله، وتحديداً الملف الاقتصادي، ومرحلة ما بعد الحرب، أجرت “اندبندنت عربية” حواراً مع وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني أمين سلام الذي استعرض بصورة خاصة خسائر لبنان الكبيرة بسبب هذه الحرب، ناهيك بفرص لبنان للاستفادة من المبادرات الإقليمية والدولية، والمسارات المتاحة للخروج من الأزمات.
بعيداً من الملف الاقتصادي، يعلق سلام الذي كان يوجد في أميركا خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية التي فاز بها دونالد ترمب، على عودة الجمهوريين إلى البيت الأبيض ويقول، إن إدارة ترمب ستعيد فور تسلم مهامها تحريك ملف السلام في الشرق الأوسط، ومن ضمن أولوياته السعي لتوقيع اتفاق سلام بين لبنان وإسرائيل، كاشفاً بصورة حصرية لـ”اندبندنت عربية” عن معالم الخطة الأميركية للملف اللبناني بعد انتهاء الحرب التي تتألف من ثلاث نقاط تشمل “انتخاب رئيس للجمهورية ليفاوض على الاتفاقات الدولية وتشكيل حكومة جديدة، وتحصين الجيش ودعمه عسكرياً وأمنياً وإعادة انتظام العمل القضائي في البلاد”.
كذلك كشف في حديثه عن وجود تفاهمات دولية بدأت تظهر ملامحها، بين واشنطن وطهران تحديداً حول تموضع “حزب الله” في الداخل اللبناني، وقال “التفاهمات تقضي بأن يتحول الحزب من حزب عسكري إلى حزب سياسي”.
بين الخسائر والتعافي
ندخل مع سلام إلى الملف الأهم بالنسبة له وهو الخسائر الاقتصادية بسبب الحرب التي شهدها لبنان لسنة وشهرين تقريباً، وهنا يكشف عن أن البلد “يحتاج من ثلاث إلى خمس سنوات ليتعافى” من الحرب التي “أعادته 10 سنوات إلى الوراء”.
وكشف سلام حجم الأضرار التي لحقت بلبنان نتيجة الحرب المستمرة، مؤكداً أن الخسائر تجاوزت كل التوقعات. وقال، “الأرقام التي كشف عنها البنك الدولي، والتي قدرت الخسائر بنحو 10 مليارات دولار لا تمثل سوى جزء من الصورة الكاملة. نحن نعتقد أن الخسائر الفعلية، بما في ذلك الأضرار المباشرة وغير المباشرة، تراوح ما بين 15 و20 مليار دولار”.
وأضاف، “هذه الأرقام تشمل الدمار في البنى التحتية، وتضرر القطاعات الاقتصادية الكبرى مثل الزراعة والصناعة والسياحة، إضافة إلى الانعكاسات الاجتماعية الخطرة. نحن نتحدث عن نزوح أكثر من مليون شخص، مع ارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة. فقط خلال الأشهر القليلة الماضية، فقد أكثر من 400 ألف شخص وظائفهم، مما زاد من حدة الأزمة الاقتصادية”.
ويؤكد وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أن هذه الأرقام مرشحة للارتفاع في ظل استمرار النزاع، مما يجعل الحاجة إلى وقف إطلاق النار أمراً ملحاً، لافتاً إلى أن “كل يوم يمر في ظل الحرب يعيدنا سنوات إلى الوراء، ويزيد من الأعباء التي ستواجهها أي جهود لإعادة الإعمار”.
أزمة فوق أزمة
كشف سلام عن تداعيات الحرب على الأوضاع الاجتماعية في لبنان، مشيراً إلى أن الأزمة الحالية أضافت أعباء جديدة إلى وضع اقتصادي كان يعاني الانهيار أصلاً. وقال، “نحن أمام كارثة إنسانية حقيقية. النزوح الجماعي والبطالة المتزايدة جعلا من الصعب على اللبنانيين تأمين حاجاتهم الأساسية. حتى القطاع الصحي يواجه ضغوطاً هائلة في ظل نقص الموارد، لافتاً إلى أن “الأزمة الاقتصادية الراهنة تعني أن لبنان لا يستطيع تحمل مزيد من الحروب أو النزاعات. نحن في حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار وإلى خطة طوارئ لتخفيف العبء عن الجميع”.