تحليل السياسات

“قمة فلسطين” تتصدى للتهجير… عون والشرع ناقشا “الحدود” والنازحين”

اجتمع القادة العرب في القاهرة في قمة فلسطين الطارئة، واضعين أمامهم تحدياً وجودياً يهدد مستقبل الشعب الفلسطيني: مشروع التهجير القسري. لم تكن القمة مجرد اجتماع بروتوكولي، بل صرخة سياسية مدوية ترفض المساعي الرامية إلى اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، وتحذر من التداعيات الكارثية لأي حلول تلتفّ على الحق الفلسطيني الثابت في الأرض والهوية.

وفيما أكد رئيس الجمهورية جوزاف عون في كلمته أن دمار الدول العربية ليس نصرة لفلسطين، التقى على هامش القمة الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي مُزق بلده، وقُتل شعبه، ودمرت مدنه وقراه، بأقسى أنواع الديكتاتورية، والذريعة كانت القضية الفلسطينية.

ينفض الرئيسان عنهما اليوم غبار السطوة الايرانية، ويتطلعان إلى المستقبل في الحضن العربي، حيث الاستقلالية والسيادة هما العنوان الأبرز للمرحلة المقبلة. هذا اللقاء لم يكن مجرد اجتماع بروتوكولي، بل حمل دلالات سياسية عميقة، تعكس إرادة البلدين في استعادة قرارهما الوطني بعيداً عن أي وصاية خارجية، فلبنان، الذي يسعى إلى تثبيت سيادته الكاملة على أراضيه وتعزيز استقراره الداخلي، وسوريا، التي تتطلع إلى استعادة موقعها العربي بعد سنوات من العزلة، يدركان أن الطريق إلى الاستقرار يمر عبر تعزيز العلاقات العربية، لا عبر الارتهان لمحاور خارجية، لم تجلب إلا الدمار والخراب، حاملة لواء القضايا المحقة زوراً.

ونقلت وسائل الاعلام عن مصادر حكومية لبنانية، أن الرئيسين ناقشا ملفات حساسة، أبرزها قضية النازحين السوريين، وضبط الحدود، ومكافحة التهريب عبر المعابر غير الشرعية. كما تناول اللقاء مستقبل العلاقات اللبنانية – السورية، بما في ذلك مراجعة الاتفاقيات الثنائية والمجلس الأعلى اللبناني – السوري.

وأشارت المصادر إلى أن هذا الاجتماع قد يمهد لمحادثات حكومية أوسع، برعاية إقليمية، بهدف إعادة صياغة العلاقة بين البلدين وفق أسس جديدة.

عون: تدمير الدول العربية ليس نصرة لفلسطين

في كلمته أمام القادة العرب، قدّم الرئيس عون رؤية سياسية تجمع بين الواقعية والمبادئ، مؤكداً أن القضية الفلسطينية ليست مجرد ملف سياسي، بل حق تاريخي وإنساني وقومي يجب أن يبقى في صلب أولويات العالم العربي.

وقال: “قد أكون آخر الوافدين إلى مجلسكم، لكنني آتٍ إليكم من عقودٍ في خدمة وطني وشعبي، لأشهد بأنّ فلسطينَ قضيةُ حق، وأنّ نصرتها لا تكون إلا بالقوة، قوة الموقف، والمنطق، والتأييد العالمي”.

أضاف: “علّمني لبنان أنّ فلسطين ليست قضية شعب واحد فقط، بل هي حق فلسطيني وطني، وحق عربي قومي، وحق إنساني عالمي، وأن إضعاف أي دولة عربية هو إضعاف لفلسطين. فحين تُحتلُ بيروت، أو تُدمّرُ دمشق، أو تُهدّدُ عمّان، أو تئنُّ بغداد، أو تسقطُ صنعاء، يستحيل لأيٍ كان أن يدّعي أنّ هذا لنصرة فلسطين. إنّ قوة فلسطين من قوة العرب، وقوة العرب من وحدتهم واستقرارهم. لا سلام من دون تحرير الأرض الفلسطينية واللبنانية، ولا من دون دولة فلسطينية مستقلة. لقد تعهدنا بذلك منذ مبادرة بيروت للسلام عام 2002 حتى إعلان الرياض الأخير”.

وأشار عون الى أن لبنان لا يزال يعاني من الاحتلال الاسرائيلي في أجزاء من أراضيه، وأن دعم القضية الفلسطينية لا ينفصل عن حق لبنان في تحرير أرضه وحماية سيادته، معتبراً أن مبادرة السلام العربية لا تزال تمثل الاطار الأمثل لحل عادل وشامل.

واختتم الرئيس عون كلمته بالتشديد على أن لبنان الذي عانى لعقود من التدخلات الخارجية والنزاعات الداخلية، يتطلع اليوم إلى دور عربي فاعل يعزز سيادته واستقراره. وقال: “تعلمَ لبنان أنّ مصالحَه الوجودية هي مع محيطِه العربي، وأنّ دوره ليس أن يكون ساحة صراع، بل وطن لقاء وانفتاح”.

وفي هذا السياق، أكد أهمية إعادة الاعتبار الى مفهوم التضامن العربي، مشيراً إلى أن كل دولة عربية قوية ومستقرة هي ركيزة لنصرة فلسطين ولحماية الأمن القومي العربي ككل.

مواقف داعمة للبنان

وشهدت اللقاءات الثنائية بين الرئيس عون والقادة العرب مواقف داعمة للبنان على أكثر من صعيد. فقد أكد ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة خلال أهمية الحفاظ على أمن لبنان واستقراره، مشيداً بالدور الذي يلعبه الجيش اللبناني في حماية البلاد من التهديدات.

أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فشدد على دعم بلاده لكل الاجراءات التي تتخذها الحكومة اللبنانية لتعزيز سيادتها على كامل أراضيها وتطبيق القرار 1701، في إشارة واضحة إلى ضرورة التزام الأطراف اللبنانية كافة بالشرعية الدولية وعدم السماح بأي خروق قد تزعزع الأمن الداخلي أو تجرّ لبنان إلى صراعات إقليمية.

وأكد ملك الأردن عبد الله الثاني أن بلاده بصدد إرسال دفعة جديدة من الآليات العسكرية لدعم الجيش اللبناني، في خطوة تعكس التزام بلاده بدعم المؤسسات الأمنية اللبنانية وتعزيز قدراتها في مواجهة التحديات الأمنية.

وأعرب أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن استعداد بلاده لمواصلة تقديم الدعم للجيش اللبناني، إضافة إلى المساهمة في تمويل مشاريع حيوية، لا سيما في قطاع الكهرباء، وهو ملف يعاني منه لبنان بشدة ويحتاج إلى استثمارات ضخمة لاعادة تأهيله.

قمة عربية طارئة في القاهرة

وكانت القمة عقدت في القاهرة وسط تصاعد الضغوط الدولية، ليأتي الموقف العربي واضحاً وحاسماً: لا تهجير، لا بديل عن الدولة الفلسطينية، ولا مستقبل لمنطقة مستقرة من دون حل عادل وشامل. لقد مثلت القمة فرصة لإعادة توجيه البوصلة نحو القضية الأم، والتأكيد أن غزة والضفة كيان واحد، وأن لا حل مستدام من دون إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

القمة الطارئة في القاهرة لم تكن مجرد رد فعل سياسي، بل خطوة استراتيجية نحو مواجهة المخططات الدولية التي تسعى إلى فرض واقع جديد في غزة، وتحويلها إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” على حساب سكانها. وبينما يروّج بعض القوى لسيناريوهات “إعادة الإعمار”، أكد القادة العرب أن أي مشروع دولي لا يأخذ في الاعتبار حقوق الفلسطينيين وسيادتهم الكاملة على أرضهم هو مجرد وهم يهدف إلى تكريس الاحتلال بأدوات جديدة.

خرجت القمة برسالة واضحة إلى العالم: التهجير مرفوض، والمطلوب سلام عادل قائم على الحقوق وليس على الأمر الواقع. وفي هذا السياق، تبنّى القادة العرب الخطة المصرية لإدارة قطاع غزة، كخطوة انتقالية تمهّد لتسوية شاملة، داعين المجتمع الدولي إلى دعم الجهود العربية في إعادة الإعمار، وإيجاد حل سياسي يضمن للفلسطينيين حقهم المشروع في تقرير المصير.

مواقف العرب في القمة

أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان رفض المملكة بشكل قاطع المساس بحقوق الشعب الفلسطيني، مشدداً على رفض الاستيطان والسعي الى تهجير الفلسطينيين. ولفت إلى أن المملكة مع حل الدولتين وحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، مشيراً الى ضرورة إيجاد ضمانات دولية تثبت وقف النار في غزة. كما أوضح أن إعمار غزة يجب أن يتم ببقاء أهلها فيها، قائلاً: “إن المملكة تقف مع السلطة الفلسطينية في إجراءاتها تجاه الأمن والاستقرار”.

وأعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن تشكيل لجنة فلسطينية لإدارة غزة مؤقتاً، بالتعاون مع السلطة الفلسطينية، وتدريب كوادر أمنية فلسطينية في مصر لتولي مهام الأمن. وأكد العمل على خطة إعادة إعمار شاملة، داعياً إلى تبنيها. وشدد على ضرورة إطلاق مسار سياسي وأمني للسلام، معتبراً معاهدة السلام المصرية-الاسرائيلية نموذجاً يمكن البناء عليه. كما أعلن عن مؤتمر في القاهرة لإعادة إعمار غزة.

وأعرب ملك البحرين عن رفض بلاده للتهجير والاستيطان، وأشاد بالمبادرة المصرية حول غزة، داعياً إلى دعمها لتعزيز الأمن القومي العربي. كما شدد على أهمية التمسك بمسار السلام وفق حل الدولتين والمبادرة العربية والقرارات الدولية.

حدّد ملك الأردن أربعة محاور رئيسية: رفض التهجير، دعم خطة واضحة لإعادة إعمار غزة، مساندة السلطة الفلسطينية في إدارة القطاع وربطه بالضفة، ومنع التصعيد في الضفة الغربية. كما أكد أن حل الدولتين هو الأساس لتحقيق السلام العادل والشامل.

دعا الرئيس الفلسطيني الولايات المتحدة الى دعم خطة إعادة الإعمار، مؤكداً أن السلطة الفلسطينية ستتولى إدارة غزة بعد إعادة هيكلة أجهزتها وتدريبها. كما أعلن عن استحداث منصب نائب لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وإصدار عفو عام عن المفصولين من “فتح”، مع استعداده لإجراء انتخابات عامة حال توافر الظروف المناسبة.

وصف الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط القمة بأنها لحظة تاريخية لمنع نكبة جديدة للفلسطينيين، مؤكداً ضرورة إعادة إعمار غزة مع بقاء أهلها فيها. كما رفض أي مشاريع تهدد الاستقرار الاقليمي وتقوّض السلام، مشدداً على رفض التهجير القسري للشعب الفلسطيني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى