ثقافة ومجتمع

إرفعوا العلَم لوزيرة التربية

جوزف الهاشم_"الجمهورية"

كلّنا للوطن، هو الكلام الجوهري الذي تعزِفُهُ موسيقى الجيش نشيداً للأمّة في الهيكل الوطني.

كلّنا للوطن، هو مطلع النشيد اللبناني الذي أصبح – أو يكاد – مخطوطةً من تُراثٍ محفوظةً في المتاحف وقد تراكم عليها غبارُ التاريخ.

 

الدول العريقة تكرّس النشيد الوطني وتكرّم كاتبه، هكذا كانت فرنسا تقيم حفلات التكريم في كل قرية لذكرى «روجيه دي ليزلي» واضع النشيد الوطني «المارسييز» في الثورة الفرنسية.

 

وزيرة التربية ريما كرامي، أنقذَتْ عندنا التراثَ من النُعاس، وأنقذتْ فينا حسَّ الكرامة الوطنية.

 

هي، نعَمْ هي: «أصدرتْ تعميماً يفرض الإلتزام بإنشاد النشيد الوطني اللبناني صباح يوم الإثنين من كلّ أسبوع في المدارس والثانويات والمعاهد والمهنيات الرسمية، ورفع العلم اللبناني فوق المباني الرسمية وإزالةِ أيّة أعلام أو مظاهر حزبية من مباني هذه المدارس والمعاهد».

 

العلم اللبناني المذكور في المادة الخامسة من الدستور تعرّض أيضاً للتهجير والنزوح، نفتقده في السلم كما في الحرب كما في الموت، ولا نستذكره إلاّ في حالة الإنكسار يخفقُ هزيلاً في خفَرٍ بين الأعلام الأخرى.

 

التنشئة الوطنية، إنْ لم تبدأ بالبيت إلى المدرسة إلى المجتمع وحتماً إلى الأحزاب، تتحوّل لدى الأجيال إلى شرود وطني وازدواجية في الولاء والإنتماء، وينسى أصحاب الذاكرة المريضة: أنّ اتفاق الطائف ينصّ على «إعادة النظر في المناهج التربوية بما يعزز الإنتماء والإنصهار الوطني، وعلى توحيد الكتاب في مادتي التاريخ والتربية الوطنية».

وهل نستغرب بعد طول الكُفْر الوطني، كيف أصبحت هويّةُ لبنان الوطنية مرتبطة بمزيج من الهويات العقائدية والإيديولوجية والدينية، وكيف أصبحت وحـدة لبنان مرتبطة بالحدود الدولية للدول الأخرى؟

 

وبعد… هل صحيح أننَّا «كلّنا للوطن» كما يقول النشيد، كلّنا في وطنٍ واحد ضابط الكلّ، أو أنّ لكل منّا وطناً، فإذا الطائفة هي الوطن والوطن هو الطائفة.

أليس صحيحاً، أنّ رياح التاريخ الهوج راحت تتقاذفنا بين أن نكون الوطن الفلسطيني البديل، وبين أن نكون شعباً لبنانياً – سورياً في دولتَين؟

 

وهل صحيح ذلك المثل الفارسي «بأنّ الفارسية كانت لغـةَ آدم وحواء، ولكنّ الملاك الذي أبعدهما من الفردوس كان يتكلّم التركية؟».

وهل صحيح، أنّنا كنّا في إطار هلال شيعي: من إيران واليمن والعراق وسوريا ولبنان، وأصبحنا في إطار هلال سنّي من مصر والخليج وتركيا وسوريا ولبنان؟

 

وكأنما الهلال اللبناني قد انفصل عن الفضاء الضوئي فأصَابَهُ الخسوف.

في زمن الإنحطاط الوطني اللبناني تجرَّأ الكاتب والأديب يوسف النعيمي على وضع نشيد يناقض النشيد فجاء فيه:

 

كلّنا للوطنْ كلّنا للفتَنْ

ما عرفنا اتّصالْ ما عرفنا إئتلافْ

كلّنا في انفصالْ كلّنا في اختلافْ

شيخُنا والفتى ما وراء البحورْ

همْ أسودٌ متى عادَ مَنْ في القبورْ

إن لم نكنْ كلّنا للوطن، علينا أنْ نُنشدَ نشيدَ يوسف النعيمي وننسى نشيد رشيد نخلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى