
منذ أن اقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب طرد سكان القطاع، تسابق زعماء الشرق الأوسط لاقتراح خيارات لغزة ما بعد الحرب. لكن كل خيار مرفوض إمّا من إسرائيل أو من «حماس»، أو من كليهما.
وفقاً لخطة الرئيس ترامب، ستتولّى الولايات المتحدة إدارة غزة وستطرد سكانها. أمّا الخطة العربية، فتنصّ على أن تُدار غزة من قبل تكنوقراط فلسطينيِّين في إطار دولة فلسطينية أوسع.
في أحد المقترحات الإسرائيلية، ستمنح إسرائيل بعض السيطرة للفلسطينيِّين لكنّها ستمنع إقامة دولة فلسطينية. في اقتراح آخر، ستحتل إسرائيل كامل القطاع.
منذ الأسابيع الأولى للحرب في غزة، قدّم السياسيّون والديبلوماسيّون والمحلّلون عشرات المقترحات حول كيفية إنهائها ومَن سيحكم القطاع بعدها. وتزايدت أهمية هذه المقترحات بعد التوصّل إلى وقف إطلاق النار في كانون الثاني، ممّا زاد الحاجة إلى خطط واضحة لمرحلة ما بعد الحرب. وعندما اقترح الرئيس ترامب في وقت لاحق من ذلك الشهر نقل السكان بالقوة، ازداد الضغط في جميع أنحاء الشرق الأوسط للبحث عن بديل.
المشكلة؟ كل خطة تتضمّن عناصر مرفوضة إمّا من إسرائيل أو «حماس»، أو من الدول العربية مثل مصر والسعودية، التي يأمل البعض أن تموّل وتُشرف جزئياً على مستقبل غزة.
أوضح توماس آر. نايدز، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل: «الشيطان يكمن في التفاصيل، ولا يوجد أي من هذه التفاصيل في الخطط المطروحة تبدو منطقية».
وأضاف: «إسرائيل و»حماس» تتبنّيان مواقف متناقضة تماماً، بينما بعض أجزاء الخطة العربية غير مقبولة لإسرائيل، والعكس صحيح. أنا أرحّب بطرح أفكار جديدة، لكن من الصعب جداً إيجاد أرضية مشتركة ما لم تتغيّر الديناميكيات بشكل كبير».
التحدّي الأساس هو أنّ إسرائيل تريد غزة خالية من «حماس»، في حين أنّ الحركة لا تزال مصمِّمة على الاحتفاظ بجناحها العسكري، الذي قاد هجوم 7 تشرين الثاني 2023 على إسرائيل وأشعل الحرب.
خطة ترامب قد ترضي الكثير من الإسرائيليِّين، لكنّها غير مقبولة لكل من «حماس» والشركاء العرب للولايات المتحدة، الذين يريدون تجنّب عملية يعتبرها القانونيّون الدوليّون بمثابة جريمة حرب.
أمّا البديل العربي الذي أُعلن عنه الأسبوع الماضي في مصر، فسيُبقي الفلسطينيِّين في غزة، مع نقل السلطة إلى حكومة فلسطينية تكنوقراطية. لكنّه لم يوضح بدقّة كيفية إزالة «حماس» من السلطة، كما كان مشروطاً بإنشاء دولة فلسطينية، وهو أمر يعارضه غالبية الإسرائيليِّين.
النتيجة؟ على رغم من وابل المقترحات منذ كانون الثاني، لم يقترب الإسرائيليّون والفلسطينيّون من التوصّل إلى اتفاق بشأن مستقبل غزة أكثر ممّا كانوا عليه في بداية العام. وهذا بدوره يزيد من مخاطر اندلاع حرب جديدة.
وقف إطلاق النار، الذي تمّ الاتفاق عليه في كانون الثاني، كان من المفترض أن يستمر 6 أسابيع فقط، وهي فترة انتهت في بداية آذار. في الوقت الحالي، يحافظ الطرفان على هدنة غير رسمية بينما تستمر المفاوضات – بوساطة مصر وقطر والولايات المتحدة – لتمديد الهدنة رسمياً.
لكن هذا الهدف يبدو بعيد المنال، لأنّ «حماس» تريد أن توافق إسرائيل على خطة ما بعد الحرب قبل الإفراج عن المزيد من الرهائن، بينما تريد إسرائيل إطلاق سراح مزيد من الرهائن من دون اتفاق على مستقبل غزة. وعلى رغم من أنّ بعض الإسرائيليِّين قد يقبلون أي صفقة تضمن عودة الرهائن الـ 59 الذين ما زالوا محتجزين في غزة – ويُقال إنّ 24 منهم فقط لا يزالون على قيد الحياة – فإنّ أعضاء رئيسيِّين في حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لن يقبلوا بذلك.
في إشارة إلى الانقسامات العميقة بين الطرفَين، قطعت إسرائيل الكهرباء عن محطة تحلية المياه في غزة يوم الأحد – وهي آخر منشأة في القطاع كانت لا تزال تتلقّى الكهرباء من إسرائيل. وقد اعتُبر هذا التحرّك على نطاق واسع محاولة للضغط على «حماس» للتراجع، وتبع ذلك قرار إسرائيل الأسبوع الماضي بتعليق المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
كما فشلت القوات الإسرائيلية في الانسحاب من الحدود بين مصر وغزة خلال عطلة نهاية الأسبوع، ممّا أدّى إلى انتهاك أحد شروط الهدنة الأولية.
في الوقت الحالي، يحاول بعض المسؤولين إظهار إحساس بالتقدّم. فقد زار وفد من «حماس» مصر خلال عطلة نهاية الأسبوع لمناقشة مستقبل غزة. وكان من المقرّر أن يصل وفد إسرائيلي إلى قطر يوم الاثنين لمزيد من الوساطة.
في ليلة الأحد، بثت الشبكات الإسرائيلية مقابلات مع آدم بويلر، المبعوث الأميركي، إذ أبلغ عن «بعض التقدّم من منظور الخطوات الصغيرة».
وأكّد بويلر، الذي خالف سنوات من السياسة الأميركية من خلال التفاوض مباشرة مع «حماس»، أنّ بعض مطالب الحركة كانت «معقولة نسبياً» وإنّه كان لديه «بعض الأمل بشأن ما يمكن أن تصل إليه الأمور.» لكنّه أقرّ أيضاً بأنّ أي اختراق لا يزال بعيداً «بأسابيع».
واعتبر موسى أبو مرزوق، المسؤول البارز في «حماس»، في مقابلة حديثة مع «نيويورك تايمز»، أنّه شخصياً منفتح على التفاوض بشأن نزع سلاح «حماس»، وهي خطوة اعتبر أنّها قد تزيد من فرص التوصّل إلى تسوية.
وقد دعت كلٌ من إسرائيل والولايات المتحدة إلى نزع سلاح «حماس» – وكان آخر هذه الدعوات يوم الاثنين، عندما أعلن ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب للشرق الأوسط، أنّ «نزع سلاح «حماس» ونفي قادتها» هو شرط مسبق لأي محادثات سلام.
لكنّ حركة «حماس» نأت بنفسها عن تصريحات أبو مرزوق، واعتبر أنّها «أُخرجت من سياقها». كلما طال الجمود من دون إطلاق سراح أي رهائن، زادت احتمالية عودة إسرائيل إلى القتال، وفقاً للمحلّلين الإسرائيليِّين.
وفي غياب أي اختراق ديبلوماسي، سيكون أمام إسرائيل خياران: إمّا قبول بقاء «حماس» على المدى الطويل – وهو احتمال غير مقبول للعديد من الوزراء في الحكومة الإسرائيلية – أو العودة إلى الحرب لإجبار «حماس» على تقديم تنازلات، بحسب أوفر شيلاح، النائب السابق والباحث في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب.
وأوضح شيلاح: «بالنظر إلى الوضع الحالي، نحن نسير نحو احتلال إسرائيلي لغزة، ممّا سيجعل إسرائيل مسؤولة عن مصير مليونَي شخص». وأضاف أنّ ذلك ستكون له عواقب دائمة، ليس فقط على الفلسطينيِّين في غزة، لكن أيضاً على إسرائيل نفسها، التي «ستجد نفسها على الأرجح متورّطة في حرب استنزاف مكلفة للحفاظ على سيطرتها على القطاع».