لم تعد بحيرة القرعون تلك السبحة الفيروزية المتدلية من عنق جبل الباروك الأشيب، ولم يعد السحر الأزرق المنساب من أطراف خربة قنافار وجب جنين وصغبين وباب مارع ولالا والقرعون ومشغرة، يجذب نظر الغادي والرائح، لا لشيء، إلا لأن الروائح النتنة والقاذورات والشوائب الراتعة في ذلك الحوض قد بددت جمالية مشهودة ومشهدية رائعة وشتتت البصر والبصيرة الى حيث الجريمة الكارثية والفعل التلويثي القاتل للبشر، الذي يستولد السرطان في كل بيت وناحية ويسمم الزرع والضرع والثروة السمكية التي شكلت مصدر ارتزاق لمئات العائلات، نعم بحيرة القرعون أكبر حفرة صحية تتلقف آلاف الأمتار المكعبة من مياه المجاري الصحية الموصولة، اعتداء سافرا على مجرى نهر الليطاني ناهيك عن أطنان من شوائب المعامل والمشافي، ما سبب الى جانب المضار الصحية المتفاقمة المسرطنة لكل شيء حتى الهواء، أعطابا إقتصادية هائلة لحقت بالمؤسسات السياحية من مطاعم ومقاه وأندية.
من جهتها المصلحة الوطنية لنهر الليطاني اتخذت تدابير ردعية صارمة وسطرت استنابات قضائية بحق المعتدين على نهر الليطاني والبحيرة، لكنها لاتزال قاصرة عن تحقيق الهدف المنشود نظرا لحجم التعديات وتراكمها لعشرات السنين نظرا لغياب الدولة وغياب السياسات والإجراءات الحمائية لمجرى النهر وعدم المبادرة لإنجاز معامل التكرير التي تحد من تدفق المياه المبتذلة، إضافة لرفع الحماية السياسية عن بعض أصحاب المصانع غير المتوفرة الشروط الصحية في رخص تشغيلها.
مليار ومئتا مليون ليرة رصدت ونذرت للحل الجذري لهذه الكارثة، ينتظرها أهل البقاع لأن السرطان أمسى ضيفا قاتلا في كل بيت ينتظر الناس طرده وإبعاد شبحه الخاطف للحياة، كي لا يستمر مسلسل خطف الأرواح على يد زائر صنعه المعتدون على النهر عن سابق ترصد واصرار. بحيرة القرعون ارتفع منسوبها بفعل المتساقطات الغزيرة وذوبان الثلوج لكنها ذابت للاسف في غمرة القذارة والنفايات.
يناير 18, 2019