
عماد الشدياق
نداء الوطن
في الأيام الخمسة الأولى من الحرب بين إسرائيل وإيران، سجّل الجانب الإسرائيلي 24 قتيلاً، وفق الأرقام الرسمية. برغم فداحة هذه الحصيلة، فإنّها تبقى أقل بكثير مِمّا توقّعه صانعو القرار في إسرائيل، عشية اتخاذ قرار الحرب.
بحسب تقرير “القناة 12” العبرية، وُضعت على طاولة “الكابينت” الأمني – السياسي في تل أبيب، تقديرات تشير إلى أنّ عدد القتلى الإسرائيليين قد يتراوح بين 800 إلى 4000 في حال اندلاع مواجهة شاملة مع طهران. هذه الأرقام لم تكن مجرّد توقعات إعلامية أو شعبويات، بل خلاصات مدروسة وضعتها المؤسسة الأمنية استنادًا إلى قدرات إيران الصاروخية، وتحديدًا صواريخها الباليستية القادرة على الوصول إلى قلب المدن الإسرائيلية.
المعادلة الحسابية المستقاة من هذا الواقع تقول الكثير. فإذا أخذنا بالاعتبار المعدّل الحالي للقتلى الإسرائيليين، أي قرابة 5 قتلى يوميًا، فإنّ إسرائيل تحتاج إلى ما يقارب 160 يومًا لتصل إلى “العتبة الدنيا” من الخسائر المتوقعة (800 قتيل).
أمّا إذا بلغ السيناريو ذروته، وارتفع عدد القتلى لديها إلى 4000 قتيل، فإن الحرب يجب أن تمتد نظريًا إلى 800 يوم، أي لنحو سنتين وثلاثة أشهر من القتال المتواصل.
في هذا السياق، يُصبح السؤال مشروعًا: هل تستطيع إسرائيل تحمّل حرب تمتد على مدى 160 يومًا على الأقل، في ظل بيئة إقليمية متقلّبة وجبهة داخلية لا تُعرف حدود صبرها؟ وماذا سيحلّ بإيران نتيجة الضربات الإسرائيلية القاصمة الموجّهة ضدّ البنى التحتية والمراكز العسكرية، فضلًا عن تهجير سكان العاصمة طهران؟
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومستشاره للأمن القومي تساحي هنغبي لم يتجاهلا هذه الحسابات، بل تحدّثا عنها علنًا، مؤكدين أن “الأيام المقبلة ستكون صعبة”، إذ دعا الإسرائيليين إلى أخذ الحيطة والحذر من صواريخ مختلفة عن كل ما عرفوه من قبل، خصوصًا أنّ الهجمات ليست رشقات محدودة لصواريخ بدائية من صناعة “حماس” في غزة، ولا حتى صواريخ تقليدية لـ “حزب الله” في لبنان. إنّها منظومة هجومية متطورة، دقيقة، وثقيلة، راهنت عليها طهران من أجل “تدمير إسرائيل”، تنطلق من عمق الجغرافيا الإيرانية وتتحدّى أنظمة الاعتراض المعروفة التي يتشارك في إنجاحها دول عدّة.
لكل ما ورد أعلاه، واستشرافًا بالمؤشرات سالفة الذكر كافة، يمكن القول إنّ الصراع آخذ بالتحوّل إلى “حرب استنزاف” قد تكون مفتوحة وإنما بطيئة، خصوصًا إن لم تُحدث إسرائيل اختراقًا استراتيجيًا مفاجئًا في وقت قصير. عندها عدّاد الموت سيواصل صعوده، ومعه سوف تتسع “فاتورة الدم”، بينما يتآكل الاحتياطي الشعبي والاقتصادي والسياسي لدى الطرفين.
إذا كانت إسرائيل تراهن على تآكل الجبهة الإيرانية، فإنّ احتمال انقلاب المعادلة ضدّها يبقى قائمًا: ماذا لو انكسرت الجبهة الداخلية الإسرائيلية أوّلًا؟ ماذا لو بدأ الرفض الشعبي يتصاعد، ثمّ بدأت الاحتجاجات تخرج عن السيطرة، ولا سيّما في ظل أزمة سياسية متجذّرة وانقسام داخلي حاد؟
يقول هنغبي نفسه في مقابلة مع “القناة 12”: “عمليتنا ضدّ إيران لن تنتهي من دون إلحاق الضرر بمنشأة فوردو النووية”، كاشفاً أنّ هذا الموقع الذي يقع على عمق نحو 90 متراً في باطن الأرض ويخفي آلاف أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم، هو أحد الأهداف الرئيسية للعملية الحالية.
الأسلحة التقليدية الإسرائيلية أثبتت أنّها غير قادرة على اختراق هذا العمق. ولتدميرها، لا بدّ من مشاركة أميركية… وإلى حين حصول ذلك، قد يصبح “الزمن” هو العدو الحقيقي ليس لإسرائيل وحدها، وإنما للطرفين.
فالحرب التي لم تُحسم سريعًا، تتحوّل شيئًا فشيئًا إلى كابوس، لا تسير في اتجاه النصر بل في اتجاه الغرق. العدّاد لن يتوقف، والكلفة تتضاعف، بينما السيناريو الذي خُطط له في غرفة العمليات قد لا يشبه شيئًا مِمّا سوف يحدث على الأرض… فما النتيجة؟
إسرائيل قد تكون دخلت حربًا طويلة من دون أن تملك إجابات واضحة عمّا سيحدث في اليوم الـ 161… لكن هل يمكن تصوّر خسارة إسرائيل في وجه إيران التي تواجه وحيدة دول العالم؟ الجواب قطعاً لا. ولهذا من المرجّح أن تدخل واشنطن الحرب من أجل “تصفير” ذاك العدّاد قبل بلوغ عتبة الـ 161 يومًا.