يعلم لبنان، وحزب الله بالتحديد، أن المفاوضات الحاصلة تجري بقوة النار، وأن الإسرائيليين يحاولون فرض وقائع عسكرية وأمنية، تعزز شروطهم السياسية التي يريدون فرضها على اللبنانيين بدعم أميركي. لا تزال المهلة مفتوحة أمام تل أبيب لتكثيف وتصعيد عملياتها العسكرية ومواصلة عمليات الاغتيال، آخرها اغتيال مسؤول وحدة العلاقات الإعلامية في حزب الله محمد عفيف.
الاغتيالات والمفاوضات
قد يجوز اعتبار أنه مع تحقيق تقدم في المفاوضات، تلجأ إسرائيل إلى تنفيذ عمليات اغتيال لضرب مسارات التفاوض. كما يجوز الاعتبار أن إسرائيل ستكون مضطرة لوقف النار في لبنان أولاً، لتقديم هدية لإدارتي بايدن وترامب مقابل البحث عن مكاسب أخرى. وثانياً، لأن إسرائيل تريد الاستفادة مما تعتبرها إنجازات حققتها باغتيال قيادة الحزب العسكرية والأمنية وأمينه العام، والانتقال إلى تنفيذ اغتيالات ضد مسؤولين في الصف الثاني والثالث من الحزب، على قاعدة ضرب كل ما أو من يمكن ضربه قبل الوصول إلى الاتفاق. ثالثاً، هناك نقاشات داخل إسرائيل بأن وقف النار حالياً سيحسب انتصاراً لصالحها. أما إطالة المعركة وفي حال استمر الحزب بإطلاق الصواريخ وتنفيذ عمليات توقع خسائر كبيرة في صفوفهم، فإن الانجازات ستتبدد. كل هذه النقاط يمكنها أن تدفع تل أبيب للاقتناع بخيار وقف النار مع أفضل تحسين لشروطها.
في المقابل، هناك وجهة نظر أخرى لا تزال تستبعد إمكانية الوصول القريب إلى وقف لإطلاق النار، وان المفاوضات الجارية ستأخذ المزيد من الوقت والأخذ والردّ. وهو ما سيعزز التفاوض تحت النار، وذلك يقتضي تكثيف وتصعيد العمليات العسكرية وتوسيعها. لا سيما إذا استمر التفاوض لأسابيع من الآن وحتى موعد دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وهي فترة 8 أسابيع، قد تلجأ فيها إسرائيل إلى مواصلة عمليات الاغتيال بحق شخصيات غير متوقعة ربما، لا سيما بعد اغتيال مسؤول الإعلام في الحزب، وهو شخصية مدنية وليست عسكرية، والهدف منها ضرب صورة الحزب الإعلامية والمعنوية. يأتي ذلك بعد استهداف مسؤولين عن الملف المالي، ومسؤولين عن توزيع المساعدات، وفروع مؤسسة القرض الحسن، ما يجعل المخاوف مشروعة من الانتقال إلى استهداف مؤسسات أخرى تابعة للحزب، سياسياً أو اجتماعياً.
أسئلة وشروط
لا شك أن إسرائيل ستصرّ على مواصلة عملياتها وتكثيفها بالتزامن مع استمرار التفاوض. حزب الله في المقابل، يعتبر أنه قادر من خلال المفاوضات على تحسين وضعه في الميدان، وهو يأخذ مداه في دراسة المقترحات والردّ عليها، خصوصاً أنه ينظر إلى بعض البنود باعتبارها مفخخة. فهناك أسئلة سيتم توجيهها كما هناك شروط سيتم وضعها. وهو ما يفترض أن يكون منجزاً الإثنين لتسليمه للولايات المتحدة الأميركية. يأتي ذلك وسط استعجال من قبل المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين لإجراء زيارة إلى لبنان وتل أبيب، وممارسة ضغوط في سبيل إنجاز الاتفاق، وهو منذ الأسبوع الفائت أبلغ رئيس مجلس النواب نبيه برّي بأنه ينوي إجراء زيارة إلى لبنان. لكن برّي فضّل أن تكون الزيارة محددة في حال تم إنجاز الاتفاق وضمان الجواب الإسرائيلي.
كذلك فإن لبنان لديه مطالب واضحة يجب تضمينها في الاتفاق. أولاً، الحصول على تعهدات وضمانات دولية وأميركية بالتحديد حول التزام الإسرائيليين بالاتفاق، وأن تتوفر هذه الضمانات من قبل إدارة بايدن وإدارة ترامب. أي أن لا يتم التخلي عن الالتزام في ظل ولاية ترامب، وأن لا تلجأ إسرائيل إلى إبرام اتفاق جانبي مع الولايات المتحدة حول ما تريده تل أبيب من حرية حركة في الأجواء اللبنانية.
ثانياً، فإن لبنان يشدد على ضرورة عدم خرق إسرائيل للقرار 1701 ووقف الطلعات الجوية في الأجواء اللبنانية.
ثالثاً، يرد في البند أنه يحق لأي طرف أن يدافع عن نفسه في حال تعرض لتهديد من الطرف الآخر. وهذا ما يريد لبنان توضيحه بصياغة مختلفة، لأنه لا يمكن السماح لإسرائيل بأن تقدم أي ذريعة لتبرير تنفيذها أي عملية في لبنان، وأن لجنة المراقبة هي التي تتولى معالجة الأمر بالتشاور مع الطرفين.
رابعاً، أن لا يتم توسيع لجنة مراقبة آليات تطبيق القرار 1701 وأن تبقى محصورة بأميركا، فرنسا، لبنان، إسرائيل والأمم المتحدة.
خامساً، أن لا يكون هناك أي توسيع لدور قوات الطوارئ الدولية، وأن يبقى التنسيق بينها وبين الجيش اللبناني وعدم التحرك باتجاه الأملاك الخاصة من دون التنسيق مع الجيش.
سادساً، المطالبة بتعديل صياغة البند الذي يتحدث عن أن إسرائيل يمكنها الطلب من لجنة المراقبة مداهمة أو التحرك ضد أي موقع أو أي نشاط تعتبره يهددها، لأن في ذلك خرق للسيادة اللبنانية، وسيصبح الجيش وقوات الطوارئ يعملون وفق ما تريد إسرائيل.
سابعاً، الإصرار على عودة المهجرين، وأنه لا يجب أن تكون خلال مدة ستين يوماً، بل تبدأ العودة في الأيام الأولى لوقف النار، وذلك في سبيل تكريس العودة ومنع الإسرائيليين من فرض حزام أمني أو منطقة أمنية.
ثامناً، المطالبة بتعهد حول حق لبنان بإعادة الإعمار والهدف ليس المبالغ المالية، بل ضمان قدرة لبنان على القيام بعملية الإعمار بشكل لا يسمح للإسرائيليين بالتدخل في مسألة إعادة الإعمار والجهات التي ستقوم بالأشغال أو ستقدم الأموال، خصوصاً في حال قدّمت طهران المبالغ المطلوبة، وأن لا يكون ذلك ذريعة يتخذها الأميركيون والإسرائيليون بأنه مال إيراني يتم استخدامه لإعادة تفعيل نشاط الحزب وإحياء مؤسساته.
تاسعاً، يطالب لبنان بإطلاق سراح الأسرى الذين تم اعتقالهم خلال المواجهات.