تحليل السياسات

فورد وروبيو: أميركا المتحمّسة للاستحواذ على مستقبل سوريا

لم تكن المرّة الأولى التي يخرج بها السفير الأميركي السابق إلى سوريا، روبرت فورد، بموقف يثير الكثير من الجدل. في ظل تحولات كبيرة وكثيرة غالباً ما كانت تخرج من الولايات المتحدة الأميركية مواقف أو تسريبات أو تصريحات تنسب إلى مسؤولين أميركيين تحدث جدلاً وتخلط الأوراق. بالتزامن مع رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا، جاء كلام فورد بالتوازي مع شرح مفصل قدمه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أمام الكونغرس، لخلفيات قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب برفع العقوبات عن دمشق، والتعامل بإيجابية مع الإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع، وإعطاء سوريا فرصة جديدة.
موقف وزير الخارجية الأميركي نُقل بطريقة تحمل الكثير من الالتباسات، خصوصاً عندما نقل عنه أن سوريا مقبلة على حرب أهلية أو تفكك للدولة وللمجتمع، علماً أن تصويب الموقف جاء ليشير إلى أن هذا العرض كان في معرض تبرير خطوة رفع العقوبات.

يقول فورد “دعتني مؤسسة بريطانية غير حكومية، متخصصة في حل الصراعات، من أجل مساعدتهم في إخراج هذا الشاب (يُشير إلى صورة الشرع حين كان عضواً في تنظيم القاعدة) من عالم الإرهاب وإدخاله إلى عالم السياسة التقليدية”. وأردف الدبلوماسي الأميركي السابق قائلاً: “وعلي أن أخبركم أنني في البداية كنت متردداً جداً بالذهاب، وتخيلت نفسي مرتدياً بدلة برتقالية والسكين على رقبتي، لكن بعد أن تحدثت إلى عدد من الأشخاص الذين خاضوا التجربة وأحدهم قابله (الشرع) شخصياً قررت أن أجرب حظي”.

وتابع فورد قائلاً: “عندما التقيته للمرة الأولى، حين كان اسمه الحركي الجولاني، لكن اسمه الحقيقي الذي لم يكشف عنه إلا بعد السيطرة على دمشق في ديسمبر/كانون الأول الماضي قبل حوالى 5 أشهر هو أحمد الشرع، جلست بجانبه بمثل قربي الآن إلى روي (رئيس مجلس بالتيمور) وقلت له باللغة العربية: خلال مليون سنة لم أكن أتخيل أنني سأكون جالسا بجانبك… ونظر إلي وتحدث بنبرة ناعمة قائلاً: ولا أنا”.

بدا الكلام وكأنه إيحاء برغبة من فورد لإظهار دوره ودور مؤسسات دولية أخرى في التأسيس لحقبة الشرع، وتحضيره لاستلام قيادة سوريا. ربما أراد من وراء ذلك نسب الدور لنفسه، أو للولايات المتحدة الأميركية. وذلك في إطار محاولة للالتفاف على كل القوى الإقليمية والدولية التي تعتبر نفسها معنية بإنجاح التجربة السورية الجديدة، وفي ظل الانفتاح على سوريا. تبدو الصورة وكأن واشنطن تريد أن تتصدر المشهد وحدها، وأن يكون رفع العقوبات عن دمشق هو من ضمن السياق الأميركي وليس بناء على جهود دولية أو عربية أخرى بذلت في سبيل ذلك.

لا شك أن كلام فورد من شأنه أن يعزز منطق “المؤامرة” الدولية، التي حاول نظام بشار الأسد ترسيخها لدى الرأي العام السوري، العربي والدولي. بمعنى أن جهات دولية أميركية وبريطانية بالتحديد هي التي عملت على إثارة الثورة، ورعاية قوى مختلفة فيها، تمهيداً لتسليمها السلطة عندما يحين الوقت المناسب بالنسبة إليهم. هنا تجدر العودة سنوات إلى الوراء وإلى بدايات الثورة السورية، عندما اقترف فورد خطأ قاتلاً، إثر زيارته إلى حمص وحماه في العام 2011 وعقد لقاءات مع المتظاهرين والثوار. في حينها اتخذ نظام الأسد من زيارته ذريعة للقول إن التظاهرات تحصل بإشراف ورعاية من قبل الأميركيين.

موقف فورد في سوريا، له الكثير من المواقف التي تشبهه في لبنان لديبلوماسيين أميركيين. من أبرز هؤلاء كان السفير جيفري فيلتمان، والذي كان متحمساً إلى حدود بعيدة لقوى 14 آذار في فترة ثورة الأرز. في حينها، كان فيلتمان يقدم دعماً ووعوداً لهذه القوى في إطار مواجهة حزب الله، وصولاً إلى أحداث 7 أيار 2008 والتي اجتاح خلالها حزب الله لبيروت، بينما كانت الوعود الأميركية بمنع الحزب من ذلك، وتوفير كل الدعم اللازم لإنهاء مسألة سلاحه. أدى خطأ فيلتمان إلى تعزيز سطوة حزب الله أكثر على لبنان، في مقابل خسارة المشروع المضاد، وصولاً إلى حصول تقاطع أميركي إيراني في لبنان تُرجم أكثر فأكثر في سوريا والعراق طوال السنوات الفائتة، لا سيما لدى الوصول إلى الاتفاق النووي في العام 2015.

لا يمكن فصل موقف فورد، وكلام وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو عن إطار مواصلة المزيد من الضغوط الأميركية على سوريا، لدفعها إلى السلام مع إسرائيل وتخويفها من الحرب الأهلية الداخلية أو من الانهيار. يتزامن ذلك مع حماسة أميركية للاهتمام بسوريا الجديدة القريبة من الغرب، بالإضافة إلى تدفق الكثير من المشاريع والاستثمارات إليها، في ظل الهجمة الكبرى على الاستثمار في المرافق والموانئ وفي القطاعات الزراعية والنفطية.

في موازاة هذه المواقف أو التسريبات، تشير مصادر متابعة إلى أن المسار السوري الأميركي لا يزال يحرز تقدماً، وفي ظل تشديد الأميركيين على إيجاد حلّ لمعضلة المقاتلين الأجانب. فبحسب ما تكشف مصادر متابعة لـ”المدن”، هناك اتجاه إلى عدم إدخال أي مقاتل أجنبي في مؤسسات الدولة، كما أن الضباط الكبار الذين تم منحهم الجنسية السورية وعينوا بمناصب عالية سيحالون إلى التقاعد قريباً. كما سيتم إخراج الكثير من المقاتلين من سوريا إلى دول أخرى من بينها أفغانستان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى